“علاقات دولية – صراعات غزة، لبنان وإيران: أفق التفاوض ومصائر حماس”

إلى متى يستمر الانسداد؟

تتنافس أخبار الجبهات بين غزة ولبنان وإيران وأميركا. فما تزال الحرب مستمرةً في غزة رغم كثرة الوسطاء، ووضوح كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضرورة وقف النار. كما أن الغارات الإسرائيلية اليومية مستمرةٌ على لبنان في جنوب الليطاني وشماله.

وما صدقت التوقعات بالعودة للتفاوض بين الولايات المتحدة وإيران، وقرر مجلس الشورى الإيراني وقف التعاون مع وكالة الطاقة. وتتجدد التهديدات الإسرائيلية باستئناف الغارات على إيران من جديد. منذ عامٍ ونيّف، يقول الإسرائيليون، إنهم يقاتلون على سبع جبهات. إنما حتى لو أضفنا صواريخ الحوثيين غير المؤثرة تكون الجبهات أربعاً وليس سبعاً.

ينخرط عدة وسطاء في محاولات وقف الحرب على غزة. والطرفان إسرائيل و«حماس» يتهم كلٌّ منهما الآخر بالعرقلة وصنع الفجوات. والأساسي الآن في ما يبدو مصائر «حماس».

لقد سلّم التنظيم بترك السلطة في غزة، إنما إلى أين تذهب «حماس»؟، نتنياهو مصرٌّ على الإبادة، وهناك من يقول بضرورة تهجير «حماس» من القطاع وهؤلاء بين خمسة وعشرة آلاف. و«حماس» ترفض التهجير وتطالب بإدخال المساعدات الغذائية والطبية، وبانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع.

واليمين الإسرائيلي المتشدد في حكومة نتنياهو يؤيد استمرار الحرب، بينما يخشى قسم من حكومة نتنياهو والأجهزة الأمنية من تهديد حياة الرهائن المتبقين إذا توسّعت الحرب. ولأنّ الرئيس الأميركي مقتنعٌ أخيراً بوقف النار، فقد كان المراقبون يظنون أنه لن يقبل بزيارة نتنياهو بالبيت الأبيض إلا بعد وقف النار. إنما الذي حصل أنه هو الذي استعجل أخيراً زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية قبل وقف النار، من أجل دعمه داخلياً من جهة، وزيادة الضغط عليه للموافقة على وقف الحرب في مقابل مساعدته على بقاء حكومته، بإدخال أطراف جديدة إليها إذا غادرها المتطرفون، لكي لا يفقد الأكثرية.

والقصة مع لبنان أقصر، وإن ظلّ الشيطان في التفاصيل. فقد تعهد لبنان مراراً بتطبيق القرار الدولي رقم 1701 والقاضي بنزع سلاح الحزب في سائر إنحاء لبنان، بدءاً بجنوب نهر الليطاني على الحدود مع إسرائيل. هذا التنفيذ تقوم به القوات الدولية والجيش اللبناني.

لكن بعد عدة شهور تقول إسرائيل إنها ما تزال تجد سلاحاً ومخازن في جنوب الليطاني، وبالطبع في شماله. لكنها لا تكتفي بضربها، بل تغتال أفراداً أيضاً في منازلهم أو سياراتهم بحجة الانتماء إلى الجهاز العسكري والأمني للحزب. بعد عدة أيام يعود برّاك المبعوث الخاصّ للرئيس الأميركي إلى لبنان وسوريا ليرى ماذا فعلت الحكومة وماذا فعل الرئيس بشأن الجدول الذي اتفق معهم عليه لنزع سلاح الحزب عملاً وأجَلاً. والمسؤولون اللبنانيون يسعون لإقناعه بالتبادل، أن توقف إسرائيل غاراتها، وأن تطلق سراح أسرى للحزب عندها، وأن تنسَحب من النقاط الست التي ما تزال تحتلها في الجنوب، في مقابل خطوات متلاحقة لنزع سلاح الحزب كلما حققت إسرائيل مطلباً.

مسألة إيران مع إسرائيل وأميركا أصعب وأكثر تعقيداً، بعد أن شنّ الطرفان حرباً شعواء على إيران على مدى اثني عشر يوماً. أما الإجراءات العملية فكانت: عدم العودة للمفاوضات لأنّ ترامب هو الذي «خانها» – ووقف التعاون مع وكالة الطاقة، وهو الأمر الذي أزعج الأوروبيين كثيراً. منطق الإسرائيليين أنّ الأطراف الأُخرى هي التي بدأت بالتحرش في المرة الأخيرة، سواء في غزة، أو في الجنوب اللبناني أو في اليمن. ورغم تبرؤ إيران، لكنها ظلّت تكرر أنها لن تتخلّى عن هدف تدمير الدولة العبرية.

لا تستطيع إسرائيل تجنيد كل الشعب كلما خطر للجهات من حولها شنَّ الحرب عليها. هي قادرةٌ الآن على ضرب خصومها الإيرانيين بقسوة بفضل الدعم الترامبي غير المحدود. وهدفها الأمن لعقود. الموقف كله يدور حول القرار الأميركي. ولا يتوقف الأمر عند وقف النار، بل وماذا يحصل في اليوم التالي. هو انسدادٌ تملؤه أهوال الحرب وعدم الاستقرار.

د. رضوان السيد*

*أستاذ الدراسات الإسلامية – بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية.

Source: مركز الاتحاد للأخبار