عطية الطنطاوي لـ “الفجر”: برنامج الإعلام الإفريقي نقلة نوعية لصناعة الكوادر المتخصصة
في ظل التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي تشهدها القارة الإفريقية، تبرز الحاجة الملحة إلى مؤسسات أكاديمية قادرة على فهم تعقيدات المشهد الإفريقي، وتقديم حلول واقعية قائمة على البحث العلمي والرؤية المستقبلية.ومن بين هذه المؤسسات الرائدة، تبرز كلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة كمنارة للعلم والمعرفة، ومركز لصناعة السياسات وتخريج الكفاءات القادرة على التعامل مع قضايا القارة بمهنية ووعي استراتيجي.
تأسست الكلية لتكون أول بيت خبرة أكاديمي متخصص في الشأن الإفريقي على مستوى الشرق الأوسط، ومنذ ذلك الحين وهي تلعب دورًا محوريًا في تعزيز العلاقات المصرية الإفريقية عبر التعليم والتدريب والبحث العلمي، وفتح آفاق التعاون بين مصر ودول القارة في شتى المجالات.
وفي قلب هذا الصرح الأكاديمي الكبير، يقود الدكتور عطيه الطنطاوي، عميد الكلية، دفة العمل برؤية متكاملة تجمع بين الخبرة الأكاديمية العريضة، والفهم الدقيق لطبيعة التحديات التنموية التي تواجه القارة. فهو أحد أبرز الباحثين في قضايا الجغرافيا الطبيعية وبصفة خاصة المناخ والتغيرات المناخية والعلوم البيئية،ويمتلك سجلًا حافلًا بالإنجازات العلمية والإدارية.
في هذا الحوار الخاص، نغوص معه في تفاصيل البرامج الأكاديمية والمهنية التي تقدمها الكلية، ونتعرف على دورها في دعم خطط الدولة المصرية في إفريقيا، ورؤيته لمستقبل التعليم العالي في ظل التحول الرقمي والدراسات البينية.
س: بدايةً نود التعرف على محطاتكم الأكاديمية وأهم إسهاماتكم البحثية في مجال الدراسات الإفريقية؟
خلال رحلتي العلمية، وبعد حصولى عل ليسانس الجغرافيا وكنت اول الدفعة ثم عينت معيدا بمعهد الدراسات الافريقية بجامعة القاهرة والذى تغير اسمه الان إلى كلية الدراسات الافريقية العلياابتدات الرحلة مع الدراسات الافريقية بحصولى على دبلوم الدراسات الافريقية ثم ماجستير فى الدراسات الافريقية بموضوع موارد المياه فى ليبيا ثم بعثه حكومية لدراسة الدكتوراه بالمانيا فى التغيرات المناخية والتصحرثم عينت مدرسا للجغرافيا الطبيعية وكانت بداية البحث ونشر البحوث العلمية فى الدوريات العالمية والمحلية والاشتراك فى المؤتمرات العلمية المختلفة حتى وصلت لأكثر من ٦٠ بحثا تدور معظمها حول التغيرات المناخية، القضايا البيئية، الأمن الغذائي والمائي، وجميعها ترتبط بشكل وثيق بالقارة الإفريقية. وإداريًا، توليت تنظيم أربعة مؤتمرات دولية كبرى، من بينها مؤتمر عن التغيرات المناخية في إفريقيا عام 2014، وآخرون تناولوا الصناعة والسياحة والطاقة في القارة. كما توليت إدارة مركز دراسات حوض النيل، وكنت نائبًا لمدير مركز المعلومات والاستشارات الإفريقية، وأدرت مركز تنمية الموارد الطبيعية والبشرية. وأشرفت على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، ودرّست في عدة جامعات مصرية، وأعتز بعضويتي في مجلس إدارة الجمعية الجغرافية المصرية العريقة. بالاضافة إلى تكليفى بأن اكون مقررا للجنة الجغرافيا والبيئة بالمجلس الأعلى للثقافة وعضو لجنة المحكمين للترقيات بالمجلس الأعلى الجامعات
س: علمنا أن لديكم تجربة عمل دولية مميزة، هل يمكنكم إطلاعنا على تفاصيل فترة عملكم في نيجيريا؟
نعم، لقد كانت تجربة ثرية ومهمة امتدت لخمس سنوات في نيجيريا، حيث تشرفت بتولي رئاسة قسم الجغرافيا بجامعة “عومارو موسى يارادوا” في ولاية كاتسينا شمال البلاد. وخلال تلك الفترة، تقلدت أيضًا منصب وكيل كلية العلوم الطبيعية والتطبيقية، وقمت بمهام عميد الكلية لفترة من الوقت، مما أتاح لي فرصة الإسهام في تطوير الأداء الأكاديمي والإداري بالكلية.
س: وماذا عن مسيرتكم بعد العودة إلى مصر؟
بعد عودتي إلى أرض الوطن، واصلت العمل في الكلية لمدة خمس سنوات، قبل أن أحصل على فرصة جديدة للسفر إلى الصين. هناك، عملت أستاذًا زائرًا في أكاديمية الصين للعلوم لمدة عام، حيث شاركت في مشروع بحثي مشترك مع أحد الزملاء الصينيين حول التغيرات المناخية وتأثيراتها المتنوعة، وهي تجربة علمية أضافت الكثير إلى مسيرتي البحثية والأكاديمية.
س: وماذا عن التكوين العلمي للكلية؟ ما الأقسام التي تضمها؟
الكلية تشمل ستة أقسام علمية، خمسة منها تنتمي للدراسات الإنسانية وهي: الجغرافيا، التاريخ، اللغات الإفريقية، الأنثروبولوجيا، والعلوم السياسية والاقتصادية. أما القسم السادس فهو الموارد الطبيعية، ويمثل الجانب التطبيقي والعلمي في الكلية. ما يميز الكلية أنها تستقبل خريجي مختلف الجامعات، سواء من الكليات النظرية كالآداب والحقوق واللغات والاعلام ولحربية والشرطه وغيرها أو الكليات العلمية مثل الصيدلة والزراعة والعلوم. والطب البيطري وغيرها
س: ما طبيعة الدرجات التي تمنحها الكلية، وكيف يختلف نظام الدراسة بها؟
الكلية تمنح درجات الدبلوم، الماجستير، والدكتوراه. ونحن لا نشترط الحصول على تقدير معين للالتحاق بالدبلوم، بل نعتبره مؤهلًا مستقلًا وليس مجرد تمهيدي للماجستير كما هو الحال في كليات أخرى. الطالب الحاصل على تقدير “جيد” في الدبلوم يمكنه التقدم مباشرة لبرنامج الماجستير. أيضًا، نظام المقررات يمثل جزءًا مهمًا من التقييم؛ إذ تشكل 50% من درجة الماجستير، و40% في الدكتوراه، حسب اللوائح، بما يضمن تأهيلًا علميًا وعمليًا متكاملًا.
س: لديكم برامج أكاديمية وأخرى مهنية… ما الفارق بينهما؟
البرامج الأكاديمية تؤهل الطلاب لمجال البحث والتدريس الجامعي، وتركز على الجوانب النظرية والمنهجية. أما البرامج المهنية فهي عملية بالأساس، وتهدف لإعداد كوادر قادرة على العمل مباشرة في السوق، من خلال التدريب على مهارات مثل إعداد الخرائط، كتابة التقارير، والعمل الميداني. كلا المسارين معتمد، لكن الفرق في التوجه والهدف النهائي.
س: حدثنا عن أبرز البرامج النوعية التي تقدمها الكلية والتعاونات المؤسسية التي تقف خلفها.
لدينا برامج متميزة في نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بُعد، سواء أكاديمية أو مهنية، كما أطلقنا دبلوم الأزمات والصراعات الإفريقية، ودبلوم التقييم البيئي للمشروعات. الأحدث هو برنامج الإعلام الإفريقي، الذي يمنح درجات الدبلوم والماجستير والدكتوراه، وهو ثمرة تعاون مع كلية الإعلام بجامعة القاهرة. البرنامج أكاديمي بالكامل، ويعد الأول من نوعه في مصر لتأهيل إعلاميين متخصصين في الشأن الإفريقي.
كما نعمل على إطلاق برنامج “الجيوماتكس والذكاء الاصطناعي” بالشراكة مع كلية الحاسبات، وبرنامج في “الأركبيولوجي” بالتعاون مع كلية الآثار، وآخر فى الطريق مع كلية النانو تكنولوجي.
س: هل هناك أنشطة بحثية ومجتمعية موازية؟ وما هي المراكز البحثية التابعة للكلية؟
لدينا خمسة مراكز رئيسية: مركز المعلومات والاستشارات الإفريقية، الذي يمنح شهادة التحول الرقمي؛ مركز دراسات حوض النيل؛ مركز البحوث الإفريقية؛ مركز تنمية الموارد البشرية؛ وأخيرًا المكتب الأخضر، الذي تم إنشاؤه تماشيًا مع توجه الجامعة والدولة نحو الاستدامة والتحول الأخضر. كما نُصدر سنويًا “التقرير الاستراتيجي الإفريقي”، الذي يرصد أبرز التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية في القارة، ويُعد من أهم إنجازات الكلية.
س: كيف تتكامل الكلية مع استراتيجيات جامعة القاهرة ووزارة التعليم العالي في ظل توجه الدولة نحو الرقمنة والدراسات البينية؟
نحن جزء من منظومة جامعة القاهرة، ونتحرك في إطار توجهاتها ورؤية وزارة التعليم العالي. الجامعة تشهد طفرة حقيقية في التحديث وتطوير البرامج، ونعمل جاهدين على مواكبة هذه الطفرة. نقوم بتحديث المقررات لتضم مفاهيم حديثة مثل الذكاء الاصطناعي، التحول الأخضر، الاستدامة، والرقمنة. كما نؤمن بأهمية التخصصات البينية، ونعمل على إطلاق برامج مشتركة بالتعاون مع كليات الجامعة الأخرى.
س: الكلية تنظم مؤتمرًا سنويًا بمناسبة يوم إفريقيا… ما الجديد هذا العام؟
مؤتمر هذا العام، الذي يُعقد في 25 مايو بالتزامن مع يوم إفريقيا، يتناول موضوع “الاستثمار في إفريقيا: الفرص والتحديات”. يحظى برعاية وحضور معالي وزير التعليم العالي، وينظم بالشراكة مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، بمشاركة الدكتور أسامة الجوهري، رئيس المركز. كما ننتظر حضور سفراء أفارقة، وممثلي وزارة الخارجية، وقد تلقينا أكثر من 130 بحثًا للمؤتمر، بينها 50 بحثًا من باحثين أفارقة، مما يعكس اهتمامًا دوليًا كبيرًا.
س: أخيرًا، بعيدًا عن المناصب… من هو الدكتور عطية الطنطاوي؟
ببساطة، أنا أستاذ جغرافيا المناخ والتغيرات المناخية بجامعة القاهرة، وأعتز بهذا اللقب أكثر من أي منصب. انتمائي لهذه الجامعة العريقة هو شرف ومسؤولية.
يبقى الدكتور عطية الطنطاوي نموذجًا للقيادة الأكاديمية المتزنة التي تجمع بين الرؤية العلمية العميقة والانخراط العملي في قضايا التنمية الوطنية والقارية.
ومن خلال إدارته لكلية الدراسات الإفريقية العليا، نجح في تعزيز مكانتها كمؤسسة أكاديمية وبحثية رائدة تتفاعل مع القارة الإفريقية بكل تنوعها وتحدياتها، وتسهم بشكل فعّال في دعم جهود الدولة المصرية للعودة بقوة إلى عمقها الإفريقي.
لقد استعرضنا خلال هذا الحوار جوانب متعددة من الدور الحيوي الذي تقوم به الكلية، سواء من خلال برامجها الأكاديمية والمهنية المتطورة، أو من خلال شراكاتها المثمرة مع الكليات الأخرى والجهات الحكومية والدولية، فضلًا عن تنظيمها للمؤتمرات السنوية واهتمامها بالاستدامة والتحول الرقمي.
كما أظهرت الإجابات التي قدمها الدكتور الطنطاوي إدراكًا واضحًا لأهمية التخصصات البينية والتكامل بين العلوم الإنسانية والتطبيقية في مواجهة قضايا إفريقيا المتشابكة والمعقدة.
ولا شك أن هذه الرؤية الشاملة تنعكس على مخرجات الكلية من خريجين وباحثين، ليصبحوا أدوات حقيقية للتغيير والتطوير في مجتمعاتهم.
وفي ظل التحديات الراهنة، يبقى الرهان على التعليم العالي النوعي والبحث العلمي الجاد هو الطريق الأهم نحو إفريقيا أكثر استقرارًا ونماءً.
Source: بوابة الفجر