الموقف الشعبي من المعاهدات الدولية
يتساءل الكثيرون حول تأثير المعاهدات والاتفاقيات الخارجية التي تبرمها الدول فيما بينها على المواطنين العاديين في تلك الدول وهل للمواطنين دخل فيها.
والحقيقة أن هذه التساؤلات لا يمكن وضعها في قوالب جامدة تناسب جميع الدول وفي جميع الأوقات والمناطق، وتتوقف على طبيعة كل دولة من زاوية شكل النظام السياسي وتفاصيله من حيث كونه منفتحاً على مواطنيه أو كونه لا يأبه بآرائهم ومواقفهم ومصالحهم. لكن توجد إجابة شاملة جامعة قوامها أن تأثير المعاهدات والاتفاقيات الخارجية على الشعوب قائم وقد يكون مؤثراً جداً في أوقات كثيرة، لذلك، فإن الناس يمكن لهم متابعة ما يحدث إذا استقوا مصادر معلوماتهم حولها من منابعها الرصينة وابتعدوا عن وسائل الإعلام المعادية المضللة ومواقع التواصل الاجتماعي المشبوهة التي لا تستحق الالتفات إليها جملة وتفصيلاً. وما هو ثابت أن الأفراد حين تصلهم الأفكار الصحيحة من الجهات الموثوق بها يمكنهم بعد ذلك تكوين صور واضحة حول المسائل وإبداء رأيهم فيها بوسائل أكثر رصانة وموضوعية بعيدة عن التضليل والغوغائية.
إن مثل هذه التساؤلات تطال في واقع الأمر سؤالاً أعم حول علاقة الناس بالسياسة الخارجية لأوطانهم. بعبارة أخرى ما الذي يجب أن يكون عليه منهج المواطن تجاه تلك السياسة؟ وهنا ربما يمكنني اقتراح إغراءات معينة من الواجب تجنبها، ومجموعة مبادئ من الواجب تبنيها والأخذ بها بثبات.
والإغراءات التي يتوجب على الشخص العادي الذي ليس له معرفة وخبرة كافية بالسياسة الخارجية أن يتجنبها تماماً: الأول منها هو ما يمكنني تسميته بـ«المصطلحات المهدئة»، فالشخص البسيط في كل مكان بالعالم ميال نحو التفاؤل عن طريق مزاجية الأطباع ويسعى إلى إقناع نفسه بأن كل ما يتمناه سيتحقق بسهولة. لذلك، فهو عرضة للاستماع إلى الجهات الخارجية التي تؤكد له أنه يستطيع تحقيق رغباته دون جهود ذاتية من قبله أكثر من استماعه إلى الأصوات الداخلية الصادقة التي تحذره بأن الحذر الشديد وبذل الجهود السخية والتضحية بالنفس في سبيل قضايا الوطن هي أمور مطلوبة وواجبة عليه. وبشكل خاص، هو ميال عندما يواجه بالمشاكل المزعجة للسياسة الخارجية لأن يتجه إلى الاختباء وراء «العبارات المريحة» التي تجعله يغمض عينيه أكثر من مواجهته للحقائق القائمة والتصدي لها للقضاء عليها.
لذلك، فإن من واجب كل فرد أن يكون حذراً جداً من تلك العبارات التي توجه له من الخارج بغرض تشكيكه في عدالة قضاياه الوطنية ومصالح بلاده العليا، وإن عليه واجب أن يضع نصب عينيه دائماً تحقيق أمن بلاده وسلامتها وتحقيق الأمن الخارجي لها والداخلي فيها يتطلب الوعي والانتباه الشديد والحذر الدائم والتضحية بالنفس والأخذ بمصادر القوة، سواء أكانت ناعمة أم صلبة، فلا توجد بدائل أو خيارات أخرى غير هذه، ولا توجد نقاط وصول مختصرة أو قصيرة للوصول إليها.
الإغراء الثاني الذي يجب تجنبه هو ذلك المتعلق بالنسيان، فما أن يتم عقد معاهدة أو اتفاقية ونشرها ومناقشتها في جميع الأوساط المعنية والمصادقة عليها بشكل نهائي حتى تصبح ملزمة للدولة ولشعبها، الذي يجب ألا ينسى بأن ثمة اتفاقية أو معاهدة قائمة ومن واجب كل مواطن أن يدرك بأنها ملزمة له شخصياً. لذلك، فإن الفرد حين يسمع أو يقرأ حول اتفاقية أو معاهدة جديدة تبرمها بلاده مع دولة أخرى يتوجب عليه ألا يهتف أو يصرح علناً بأن تلك هي نهاية كاملة لمشكلة صغيرة كانت قائمة.
عوضاً عن ذلك، يتوجب عليه أن يقول لنفسه أو يتساءل بينه وبين نفسه: «كيف لهذه المعاهدة أو الاتفاقية أن تكون ذات تأثير عليّ وعلى أبنائي أو حتى أحفادي بعد عدد من السنوات زادت أو قلت منذ هذه اللحظة؟»، إن مثل هذا التساؤل هو الموقف والتوجه المسؤول من قبل الفرد، وهو الموقف المستنير الذي يتوجب على الناس تبنّيه.
* كاتب إماراتي
Source: مركز الاتحاد للأخبار