كيف اتخذ «الإخوان» الدين أداةً والعنف منهاجًا
منذ نشأتها في أواخر العشرينيات من القرن الماضي، شغلت جماعة الإخوان المسلمين مساحة واسعة من النقاشات السياسية والدينية في العالمين العربي والإسلامي، ومنذ تأسيسها على يد حسن البنا في عام 1928 وقد ادعت أنها تسعى إلى “إصلاح المجتمع” وذلك من خلال العودة إلى القيم الإسلامية وتطبيق الشريعة، ولكن مع مرور الوقت، أصبح من الواضح أن هذه الجماعة لم تكن مجرد حركة دعوية دينية، بل كانت تسعى إلى استخدام الدين كأداة لتحقيق أهداف سياسية وأيديولوجية تستهدف تغيير النظام الاجتماعي والسياسي بما يتماشى مع أجندتها الخاصة.
يمكن القول إن جماعة الإخوان المسلمين تمثل أحد أبرز الأمثلة على كيفية استغلال الدين لتحقيق مصالح سياسية تتجاوز الإيمان الحقيقي بتعاليمه.
الدين كوسيلة للسيطرة على المجتمع
أحد أبرز عناصر استراتيجيات جماعة الإخوان هو استخدام الدين كأداة للوصول إلى السلطة السياسية، فمن خلال شعارات دينية جذابة مثل “الإسلام هو الحل” و”تطبيق الشريعة”، استطاعت الجماعة استقطاب شرائح واسعة من الشعب في مختلف الدول العربية، لا سيما في فترات الاضطرابات السياسية والاقتصادية، لم يكن هدف الإخوان هو تحقيق إصلاح ديني حقيقي بقدر ما كان هدفهم استخدام هذه الشعارات لجذب أكبر عدد من الأتباع وتوسيع قاعدة دعمهم الشعبي.
قدمت جماعة الإخوان الإسلام كحل سحري لكل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المواطن العربي، وادعت أنها وحدها تمتلك القدرة على تطبيق الحلول المستمدة من الشريعة الإسلامية، إلا أن الواقع كان بعيدًا عن هذه الادعاءات، حيث استُخدم الدين لتبرير سيطرة الجماعة على المؤسسات الاجتماعية والسياسية، وتنفيذ أجندتها الخاصة بعيدًا عن أي تحسين حقيقي في حياة الناس، وفي كثير من الأحيان، كان الدين يُستخدم كستار لإخفاء الأهداف السياسية للجماعة التي تسعى إلى تحقيقها من خلال الوصول إلى السلطة والحكم.
تجنيد الأفراد عبر الشعارات الدينية
إن واحدة من أبرز استراتيجيات جماعة الإخوان المسلمين في توسيع نفوذها كانت القدرة على تجنيد الأفراد بفضل تقديم الدين كحل لكل المشاكل التي يواجهها المجتمع، إذ كان الشباب المتأثرون بالأزمات السياسية والاجتماعية هم الأكثر عرضة للانضمام إلى الجماعة، خاصة عندما كانت الجماعة تقدم لهم تصورًا روحانيًا مُغريًا حول كيفية تحسين حياتهم عبر الانضمام إلى “مشروع النهضة الإسلامية”، وبالنسبة للكثيرين، كان الانضمام إلى الجماعة بمثابة الوسيلة الوحيدة لتحقيق الذات والمشاركة في مشروع عظيم يهدف إلى إعادة بناء المجتمع الإسلامي.
ومع مرور الوقت، قامت الجماعة بتدريب هؤلاء الأفراد على طرق العمل السري، وأصبحوا جزءًا من بنية تنظيمية محكمة تستهدف تعزيز نفوذ الجماعة، ومع ذلك، كانت الجماعة تستغل الدين لإقناع هؤلاء الأفراد بأن أهدافها السياسية هي جزء من “الجهاد” و”الواجب الديني”، مما يجعلهم يقبلون على تنفيذ أي أمر يُطلب منهم تحت غطاء ديني.
هكذا تحول الدين من أداة للتوجيه الروحي إلى أداة للتجنيد السياسي، بحيث أصبح الانتماء إلى الجماعة يتطلب الانصياع التام لمنهجها وأيديولوجيتها.
العنف كأداة لتحقيق الأهداف السياسية
لم تقتصر جماعة الإخوان المسلمين على استخدام الدين فقط في خطاباتها الدعوية، بل كان العنف جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيتها السياسية، بدأ تاريخ العنف في الجماعة منذ أيامها الأولى، حيث اعتمدت على تشكيل “الجناح المسلح” الذي كان ينفذ عمليات إرهابية ضد المعارضين السياسيين، هذه العمليات شملت اغتيال شخصيات بارزة في المجتمع المصري، مثل القاضي أحمد الخازندار ورئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي في الأربعينيات، وحتى بعد سنوات، استمرت الجماعة في تبني العنف والإرهاب كوسيلة لتحقيق أهدافها.
يعتبر استخدام العنف جزءًا من العقيدة السياسية للإخوان، حيث كان يتم تبرير قتل المعارضين ومخالفي الجماعة تحت مسمى “الجهاد في سبيل الله” و”إقامة حكم الله على الأرض”، كما تم استخدام هذا العنف لفرض سيطرة الجماعة على مناطق معينة من المجتمع وتحقيق أهدافها السياسية بعيدًا عن الطرق الدستورية السلمية، وهذا النهج العنيف لا يعكس فقط انفصال الجماعة عن القيم الحقيقية للإسلام، بل يضعها في مواجهة مع المجتمعات التي تسعى إلى إصلاحها.
الاستغلال السياسي لظاهرة التكفير
من بين أخطر الأدوات الفكرية التي استخدمتها جماعة الإخوان لتبرير عنفها هي “فكرة التكفير”، فقد اعتبرت الجماعة أن كل من يعارض أفكارها أو يتناقض مع أهدافها السياسية هو “كافر” يجب محاربته، هذه الفكرة تُستخدم بشكل انتقائي لتبرير كل من يخالفهم في الرأي أو يعترض على ممارساتهم السياسية، حيث يتم تكفير المجتمع بأسره إذا لم يتبع المنهج الإخواني، وبناءً على ذلك، يعتبر العنف ضد هؤلاء الأفراد مشروعًا دينيًا وواجبًا يجب تنفيذه من قبل أعضاء الجماعة.
لقد أدى هذا الفكر التكفيري إلى تبرير قتل رجال الدين المعتدلين، والسياسيين، والمفكرين الذين يُعتبرون تهديدًا للأيديولوجية الإخوانية، ومن خلال نشر هذه الأفكار المغلوطة، تمكنت الجماعة من تجنيد أفراد جدد للانخراط في العمليات الإرهابية واعتبار ذلك جهادًا في سبيل الله.
وعلى الرغم من ادعاء جماعة الإخوان أنها تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية والنهضة الإسلامية، إلا أن واقع ممارساتها يكشف عن دورها في استغلال الدين كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية ضيقة، من خلال ترويج العنف والتطرف تحت شعارات دينية، استطاعت الجماعة أن تجذب أعدادًا ضخمة من الأفراد الذين لم يدركوا أن الغاية هي الوصول إلى السلطة السياسية، وليس تحقيق الإصلاح الديني أو الاجتماعي.
Source: جريدة الدستور