“تاريخ فلسطين: إرث الإعلام والمعابد العريقة”

راجي صهيون أحد مؤسسي إذاعة فلسطين في القاهرة

إعلامي فلسطيني بارز وناشط سياسي، وُلد في مدينة حيفا عام 1920. عمل في مجال الإعلام منذ بداية حياته المهنية، إذ شغل عدة مناصب مهمة في الإذاعة الفلسطينية، وكان من مؤسسي إذاعة فلسطين في القاهرة عام 1965. كما كان من مؤسسي “حركة تحرير فلسطين” عام 1960.

تقلد العديد من المناصب الإعلامية والسياسية البارزة، وكان مستشارا إعلاميا لمنظمة التحرير الفلسطينية في الفترة من 1988 حتى 1991. ظل راجي صهيون متمسكا بهويته الوطنية وعرف بنضاله المستمر من أجل القضية الفلسطينية، حتى وافته المنية في أبريل/نيسان 2001.

المولد والنشأة

وُلد راجي حبيب صهيون في مدينة حيفا عام 1920، لكنه شُرد من وطنه عام 1948، وأصبح لاجئا مع أفراد عائلته في الأردن ولبنان، وما لبث أن هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد نشوب الحرب الأهلية اللبنانية.

كان راجي صهيون معتزا باسم عائلته الإشكالي، وفي مقابلة مع الإعلامي المصري عباس متولي، قال “صهيون معناها الحصن، وهو واحد من التلال التي كانت تقوم عليها مدينة القدس قديما، حيث أسس داود عاصمته الملكية”.

وأضاف أن “الكثير من الأسر في التاريخ الفلسطيني القديم كانت تتبرك بتلك المناطق، ومنها أسرتي قبل وقت طويل من استيلاء الصهاينة على التاريخ والأرض الفلسطينية، وإطلاق مسمى صهيون على الحركة الصهيونية السياسية المعاصرة”. وأوضح أنه رغم ما كان يلقاه من منغصات بسبب هذا اللقب، فإنه يعتز به ويعتبره جزءا من هويته الفلسطينية العريقة.

الدراسة والتكوين العلمي

تلقى دراسته الثانوية في كلية تيرا سنتا بالقدس وتخرج منها في عام 1927، ثم تقدم لامتحان شهادة “المترك” ونالها بتفوق.

التحق بالجامعة الأميركية في بيروت لإتمام دراسته الجامعية عام 1954، وظل مثابرا على تلقي العلم حتى حصل على الماجستير في الإدارة والعلوم السياسية.

التجربة الصحفية

أسهم راجي صهيون في كتابة فصول من تاريخ الإذاعة أثناء عمله في محطة الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” في مدينة القدس، وشارك مع زملائه في تمثيل العديد من المسرحيات الاجتماعية والتاريخية. وكان له دور بارز في تطوير العمل الإذاعي الفلسطيني.

إلى جانب شفيق الحوت ونقولا الدر، كان راجي من مؤسسي أول تنظيم فلسطيني مسلح تحت اسم “حركة تحرير فلسطين” عام 1960. ورغم أن الظروف السياسية في المنطقة في تلك الفترة لم تسمح باستمرار هذا التنظيم، فإنه شكل نواة لظهور منظمة التحرير الفلسطينية لاحقا بقيادة أحمد الشقيري. فانخرط راجي ورفاقه في المنظمة وأصبحوا من نشطائها.

كما اختير راجي صهيون ضمن لجنة لبنان لمناقشة مسودة مشروع إنشاء كيان فلسطيني وإقرار ميثاق قومي، تحضيرا لأعمال المجلس الوطني الفلسطيني الأول الذي افتتحه الملك الحسين بن طلال في فندق “إنتركونتيننتال” في القدس بتاريخ 28 مايو/أيار 1964. وكان راجي من بين 419 عضوا في هذا المؤتمر، وشارك في مناقشات مهمة حول مستقبل القضية الفلسطينية.

الوظائف والمسؤوليات

بين عامي 1937 و1941، عمل راجي صهيون في حقل التربية والتعليم.

وفي عام 1941 بدأ عمله الإذاعي، مذيعا ومترجما في دار الإذاعة الفلسطينية بالقدس. وتدرج في مختلف مناصبها حتى أصبح مساعدا لمراقب البرامج العربية في عام 1946. وبعد النكبة عام 1948، عين مساعدا لمدير دار الإذاعة الأردنية واستمر في عمله هذا حتى عام 1952، وفي العام نفسه انتقل للعمل في بيروت مديرا للشؤون الذاتية في شركة طيران الشرق الأوسط، فضابط علاقات عامة في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

وفي أثناء عمله في شركة طيران الشرق الأوسط أنشأ لها أول مجلة للطيران سماها “أجنحة الإوز”، وأصدرها باللغتين العربية والإنجليزية.

وفي عام 1960، أنشأ مجلة الرائد العربي في بيروت لمعالجة الشؤون الاقتصادية والقانونية والعلوم، وفي مطلع عام 1963 نقلها إلى الكويت.

وفي خريف عام 1964، التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية وعين مديرا عاما للإعلام والتوجيه القومي، وبعد عامين عين رئيسا لهذه الدائرة وعضوا في اللجنة التنفيذية. وعام 1966 استقال من المنظمة وعين مستشارا في وزارة الإعلام الأردنية لكنه آثر العودة إلى بيروت والعمل فيها.

من آثار راجي كتاب “مدخل إلى الصحافة” الذي ترجمه، إضافة إلى مقالاته وبياناته وبرامجه الإذاعية، فضلا عن رواياته التي نشرت في دور الإذاعات والصحف العربية.

ونشط راجي بعد النكبة مع عدد من الفلسطينيين في العمل على إبقاء جذوة النضال من أجل العودة إلى الوطن وتحرير الأرض المحتلة، وفي نهاية حياته أصر على تسجيل هذا النضال في كتابه “حتى لا ننسى”، الذي استمر في الترويج له حتى وفاته في أبريل/نيسان 2001.

ويقول عباس متولي في كتابه “إذاعة وتلفزيون في نصف قرن: رحلة ذاتية من عبد الناصر إلى أوباما” إن راجي كان متحمسا لهذا الكتاب (أي كتاب “حتى لا ننسى”).

وقدم للكتاب الإعلامي والدبلوماسي اللبناني كلوفيس مقصود وجاء في المقدمة: “هذه قصة راجي صهيون لكنها أكثر من ذلك بكثير، فتى نشأ في بيئة لم تعرف التزمت أو التعصب، وفي هذه اللحظة من عمره لا يريد راجي الاعتراف بها أو التعرف عليها، وهذا دليل استمرار عافيته الفكرية برغم الأمراض السياسية التي تحيط بوطنه وأمته. وفي هذا الزمن الرديء حيث لم يعد للكلمة عند الكثيرين حرمة، يصر كاتب هذه المذكرات الشائقة على تأكيد مسؤولية الكلمة وإبلاغ القارئ بأمانة صدق المعاناة ورجحان الأمل”.

توفي راجي صهيون في 30 أبريل/نيسان 2001 عن عمر ناهز 81 عاما.

Source: Apps Support


دير مار إلياس.. معبد حصين قرب القدس سمي على نبي

دير مار إلياس دير للروم الأرثوذكس في جنوب مدينة القدس، وهو من أضخم الأديرة التابعة لبطريركية الروم، ويشبه مبناه حصنا أو قلعة قديمة.

يقع دير مار إلياس بين مدينتي بيت لحم والقدس على بعد 5 كيلومترات شمال بيت لحم، ويتربع على ربوة تطل على شارع القدس-الخليل، على ارتفاع 817 مترا فوق مستوى سطح البحر.

ومنه يمكن رؤية بانوراما مثيرة تشمل القدس شمالا، وبيت لحم جنوبا، وجبل أبو غنيم الذي حوله الاحتلال إلى مستوطنة “هار حوما” شرقا، وحتى جبل الفرديس (حصن الهيروديوم) في الجنوب الشرقي.

النبي إلياس

مار إلياس، ويعرف أيضا باسم “إيليا”، هو نبي ذو معجزات -وفقا لما جاء في سفر الملوك في الكتاب المقدس العبري (أو ما يعرف بالتناخ)- عاش في عهد الملك آخاب في القرن التاسع قبل الميلاد.

في الإصحاح 18 من سفر الملوك الأول، دافع إيليا عن عبادة الله بدلا من عبادة الإله الكنعاني بعل، الذي كان يعبده أهل بلاد الشام وآسيا الصغرى، وكانوا يعتبرونه الإله المسؤول عن المطر والرعد والبرق والندى.

وحسب المصدر نفسه، فقد أجرى الإله عديدا من المعجزات على يدي إيليا، بما في ذلك إحياء الموتى وإنزال النار من السماء، والصعود إلى السماء حيا وسط النيران.

وباسم “إيليا التشبي” جاء هذا النبي مُحذّرا آخاب من أنه ستكون هناك سنوات من الجفاف الكارثي لدرجة أنه لن يتشكل حتى الندى، حسبما جاء في الكتاب العبري.

ووفقا للتصور نفسه، فإن إيليا عندما تنبأ بالقحط لم يكن مُتحديا لبعل نيابة عن الإله نفسه فحسب، بل تحدّى أيضا الملك آخاب وزوجته إيزابيل وكهنتها وشعب إسرائيل كله.

ورد ذكر إلياس في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فقد ذُكر في القرآن 3 مراتٍ؛ مرة في سورة الأنعام واثنتين في سورة الصافات، ويقول أصحاب هذا الرأي إن إلياسين المذكور قوله تعالى في سورة الصافات (سلام على إلياسين، إنا كذلك نجزي المحسنين) هو نفسه إلياس لأنَّ العرب تُلحق النون بأسماء كثيرة.

ويعتقدُ المسلمون برسالة ونبوة إلياس، وذكر عديد من العلماء أنه هو نفسه إيليا، إذ قال ابن كثير مثلا إن رسالته كانت لأهل بعلبك غربي دمشق، ويضيف أنه كان لهم صنم يعبدونه يُسمى “بعلا”.

وقد ذكر القرآن هذا الصنم على لسان النبي إلياس في قوله في سورة الصافات أيضا (وإن إلياس لمن المرسلين، إذ قال لقومه ألا تتقون أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين).

وفي التصوف الإسلامي يرتبط إيليا ارتباطا وثيقا بالحكيم الخضر الذي وردت قصته في سورة الكهف، ويصفه المتصوفة بأنه “شقيق الخضر”، ويقولون إنه شرب من “ينبوع الشباب”، وهو ينبوع يعتقدون أنه يعيد الشباب لكل من يشرب منه أو يستحم بمائه.

تاريخ الدير

ترجع تسمية الدير بهذا الاسم إلى أكثر من سبب، فبحسب التقليد المسيحي فإنه مبني فوق الموقع الذي استراح فيه النبي إلياس عند فراره من الملكة إيزابيل، التي كانت تضطهد الأنبياء وأرادت الانتقام منه بعد أن أمر بقتل أنبياء الإله بعل.

وكان بنو إسرائيل يعبدون الإله بعلا، وعندما تزوج ملكهم آخاب من إيزابيل شجعت هذه العبادة، فانقسم بنو إسرائيل بين عابد لله وعابد لبعل، وحين وقعت المناظرة بين إيليا وأنبياء بعل في جبل الكرمل، الذي سمي فيما بعد بـ”المحرقة”، إذ تحداهم إيليا بإحراق الحطب بنار تنزل من السماء فجمعوا الحطب وانتظروا نارا من السماء، ولكن “إلههم” لم يجبهم، فانهزموا، وصب النبي إيليا الماء على الحطب ثم أنزل الله النار من السماء فأحرقت الحطب المبلل.

وحينها بدأ الناس بالرجوع لله بالإيمان والتوبة عن عبادة الأوثان، ثم أمر إيليا بالقبض على كل أنبياء “الإله بعل” وجرهم على نهر قيشون، وهناك أمر بذبحهم، فأمرت الملكة إيزابيل بإيذاء إيليا، فهرب إلى بيت لحم، وبالضبط إلى المنطقة التي أصبحت تعرف باسم “مار إلياس”.

وتروي قصة أخرى أن الدير مبني على مقام القديس إلياس، الراهب المصري الذي كان بطريرك مدينة بيت لحم عام 494 ميلادي، في حين يعتقد البعض أنه سمي بهذا الاسم لأن البدو يقدرون النبي إلياس، فسمي نسبة له حتى لا يتعرض لهجمات البدو وغزواتهم.

وقد بني الدير في العهد البيزنطي، ويعتقد البعض أن بانيه هو بطريرك القدس سالوستيوس عام 486م، بينما يعتقد آخرون أن بانيه هو البطريرك إيليا في سنة 518م، وآخرون يقولون إن من أمر ببنائه هو هرقل إمبراطور الروم سنة 610م، ويقولون إن الفرس هدموه بعد غزوهم البلاد عام 614م وبعد طردهم، بناه هرقل مرة أخرى.

أعاد الصليبيون بناء الدير في بداية حكمهم فلسطين، وبعد نصف قرن انهار نتيجة زلزال، وفي سنة 1160م أعاد الإمبراطور مانويل كونتيتس بناءه.

وشهد الدير إضافات أخرى مع مرور الزمن، إذ تمّ بناء أقسام أخرى منه في الجهة الشرقية، خصوصًا للضيوف ولاستيعاب مزيد من الرهبان.

أغلق دير مار إلياس في بداية الحرب العالمية الأولى على يد الحكومة التركية وطُرِد رهبانه، وأعيد افتتاحه بعد نهايتها وسط احتفال كبير بإعادة تمثال السيدة مريم إليه، ولا يزال هذا الاحتفال طقسا سنويا يتم تنظيمه في الأحد الثاني بعد عيد الفصح الغربي.

شهد الدير توسعات كثيرة مع مرور الزمن إلى أن أصبح مُكتمِلا على شكل شبه قلعة قائمة في موقع إستراتيجي بين مدينتي بيت لحم والقدس.

في عام 1948 تعرض الدير لأضرار بسبب سقوط قذائف عليه لوقوعه على خط النار، وبعد أن سكتت المدافع أصبح وسط خط الهدنة، ولم تعد الطريق إلى القدس تمر أمامه، وإنما يسلك الناس طريقا التفافيا بجانبه إلى قرية صور باهر فقرية جبل المكبر حتى المدينة المقدسة.

بنى بجانبه الجيش الأردني معسكرا وقعت فيه معركة شديدة في يونيو/حزيران 1967، وتعرض الدير لأضرار من جديد.

يصف المؤرخ واصف جوهرية دير مار إلياس قائلا إنه “من أعظم وأضخم الأديرة المعروفة التابعة لبطريركية الروم الأرثوذكس، وفيه الغرف العديدة والساحات السماوية الفسيحة، وتقع الكنيسة في الطابق الأرضي منه، وله وقف خاص من حوله غابات الزيتون القديم الروماني”.

ويضيف أن “عملية عصر الزيتون فيه مشهورة”، ويصف ناتجها بأنه من “الزيت الأصلي النظيف الصافي الذي يباع دائما بأسعار أكثر من سعر الزيت الآخر في البلاد”.

تقاليد الدير

ارتبط دير إلياس قديما بعدد من التقاليد، منها عقد أكاليل الزواج فيه، ومما اشتهر به أيضا في شهر أغسطس/آب ما يعرف بـ”عيد مار إلياس”، ويحضره الناس للوفاء بنذور قطعوها على أنفسهم، فيقدمون الشموع أو الزيت أو مشغولات يدوية.

وينتشر الباعة في ساحة مبنى الدير، الذي يشبه حصنا أو قلعة قديمة، بينما تعج الكنيسة برجال الدين المسيحيين.

معالم دير إلياس

يوجد داخل الدير قبر إيليا، أسقف بيت لحم اليوناني، الذي توفي عام 1345م. وبالقرب من الدير توجد كنيسة كاتيزما، التي كانت محطة وقوف للقوافل ما بين بلاد الشام ومصر، وهي من الكنائس المميزة بشكلها الثماني.

وإلى الجنوب من الدير، يمكن رؤية مقاطع من قناة السبيل، التي كانت تنقل المياه من برك سليمان قرب بيت لحم إلى القدس.

يواجه الدير مقعدا حجريا أقامته زوجة الرسام البريطاني وليام هولمان هانت (1827-1910)، الذي رسم بعض أعماله الرئيسية في هذا المكان، وهو مقعد منقوش عليه آيات كتابية باللغات العبرية واليونانية والعربية والإنجليزية.

وتحيط المستوطنات الإسرائيلية بالدير، مثل “رمات راحيل” التي شهدت معارك قوية عام 1948، وقبالته خربة طبالية الأثرية، وهي جزء من بلدة بيت صفافا، وقد تحولت إلى موقع إسرائيلي باسم “تلة الطيار” (سقطت فيها طائرة إسرائيلية أثناء معارك حرب 1967) وخلفها بُنيت مستوطنة يهودية.

Source: Apps Support