بين المشهد السوري ونعمة الوطن
بينما كان البعض يحتفلون بسقوط بشار الأسد، واصفين المشهد بنجاح ما يسمى الثورة، وبينما كان البعض يحاول تلميع متطرف جديد يدعى الجولاني ذو باع وتاريخ طويل في التطرف والإرهاب، فخفف لحيته وغير كنيته وارتدى رابطة عنقه وصار بمثابة المُخلص المنتظر الذي سيملًا دمشق عدلًا كما مُلئت جورًا وظلمًا وكانت خطبته الافتتاحية من المسجد الأموي في دمشق كأننا أمام أحد كبار الفاتحينوآخر سلالة الأمويين، وفي غمرة هذه التداعيات يمكن قراءة الأحداث عبر مجموعة من المشاهد المختلفة وهي على النحو التالي.
المشهد الأول: إحدى الثائرات السوريات الأحرار تحقق أول إنجاز للثورة السورية بحمل مجموعة من الأطباق الصيني فكانت أولى من يحصد مكتسبات الثورة، كما دلف أحد عناصر الشعب الثائر والمنتشي لمطبخ بشار الأسد ليفتح إناء من المخلل السوري اللذيذ ويتذوق شرائحه بتلذذ لاعنًا ذلك الرئيس المخلوع، وآخر يقتحم الثلاجة الشخصية لبشار الأسد ليجدها مكدسة بالدجاج المذبوح الُمعد للطبخ ليكتشف مدى فساد النظام المخلوع ولتذذهب سوريا وآراضيها وحدودها إلى الجحيم، وصولًا لأقصى درجات كشف حقيقة الثوار الأحرار من نبش قبر حافظ الأسد هذا الفعل المجنون الذي عبر بوضوح عن سلوك المرحلة والقائمين على المرحلة.
المشهد الثاني: الجيش الإسرائيلي يجتاح سوريا العزيزة ويعلن نتنياهو أن إسرائيل ستغير وجه الشرق الأوسط وتؤسس مكانتها بالمنطقة، ويعلن أن الجولان صارت للأبد إسرائيلية، وطارت المقاتلات الإسرائيلية لتضرب مفاصل القدرة العسكرية للدولة السورية في مقتل وتقضي على أي أمل لوجود قدرة عسكرية لجيش وطني حاضرًا ومستقبلًا.
ورغم أن التاريخ لا يعيد نفسه كما يشاع ولكن المشاهد البائسة بنكهة الكوميديا السوداء تكررت كمأساة أو بالأحرى كملهاة، السوريين ينظفون الشوارع، يدهنون الأرصفة، الإرهابييون يحتفلون بالفتح المبين، فقد انتصروا على عدو الداخل تمامًا كما أوصاهم سيد قطب، ونسى الجولاني أن الجولان كانت أقرب له من دمشق ولكنها الأدبيات المتطرفة واحدة ومجرى سير الأحداث واحد، صفحات التواصل الاجتماعي تحتفي بالورد اللي فتح في جنانين دمشق وتحرير السجون ونهب المحتويات وإطلاق النكات على بشار الأسد وعائلته، التقديرات تختلف عن أطنان الذهب المُهربة وأن هذه الأطنان لابد أن توزع على الشعب السوري حيث يبلغ نصيب كل فرد رقم خزعبلي كفيل بفتح مطعم شاورما في أفضل المواقع، ولتسقط الأوطان ولتذهب إلى الجحيم ولتنتصر المخططات والبروباجندا ومناضلي الكيبورد والتواصل الاجتماعي، ولتحتل اللحى الغبراء قصر الشعب،ولتتغزل الحالمات بوسامة حسن الصباح الجديد بعد أن خفف لحيته وارتدى البذات الفاخرة ليطوى صفحة الإرهاب والتطرف وجبهة النصرة خالعًا عمامته القندهارية ليرتدي بذلته الفرنسية.
ومن الحديث على أشلاء يجثم فوقها الجولاني وحشاشيه، إلى الحديث على وطن يحمل همه رجل يدعى عبد الفتاح السيسي.. هنا يمكن أن نفهم نعمة الوطن ونعمة الاستقرارومعنى الدولة، كانت طيور الظلام دائمًا ما تسخر من خوف الوطنيين على مصر ومقولتهم مش أحسن من نبقى زي سوريا وليبيا والعراق، لتثبت الوقائع والأحداث أن هذه المقولةهي قدس الأقداس، وأنها هي الحقيقة الوحيدة في كل العبث الدائر في المنطقة، وأن مصر نجت دائمًا من مقصلة المخططات بفضل شعبها وجيشها، هذا الشعب الذي لم يبرح هذه الأرض تحت أي ظرف، لم يسجل التاريخ أي هجرات للمصريين أمام أي جائحة أو مجاعة أو حرب أو إحتلال أو عدوان أو هبات، وهنا فقط ستدرك لماذا مصر هي الاستثناء الوحيد في معادلة التخريب وسرطان التجريف، هنا ستدرك مدى قيمة أن ترى صورة لرئيس دولتك بين جيش دولتك وشرطتها وشعبها مصطفين على قلب رجل واحد، هنا ستدرك أن المخططات تصطدم وتتفتت على حدود القاهرة تمامًا كما حدث كل مرة وكل حقبة ومع كل مخطط ومع كل غزو.
Source: جريدة الدستور