“أخبار البيئة – تأثير التلوث على الجينات ومعاناة الصيادين في صور”

البيئة الملوثة تفسد الجينات والحياة الصحية تحميها

سلط باحثون الضوء على كيفية تأثير التلوث، والنظام الغذائي، والالتهابات، والإجهاد المزمن على التغيرات الجينية التي يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالسرطان. ويمكن لفهم هذه الروابط أن يلعب دورا حاسما في الوقاية من السرطان وفي تطوير إستراتيجيات الصحة العامة.

وناقش باحثون من جامعة ديفي أهيليا فيشوافيديالايا في إندور بالهند كيفية تفاعل العوامل البيئية مع الجينات وتأثيرها على خطر الإصابة بالسرطان؛ في مقالة نُشرت بمجلة أبحاث الأورام والسرطان (Oncology & Cancer Research Journal) في 10 مارس/آذار الحالي، وكتب عنها موقع يوريك أليرت.

العالم من حولك مملوء بالمسرطنات

تخزن الجينات التعليمات المتعلقة بكيفية عمل الجسم، ولكنها قد تتضرر نتيجة التعرض للعوامل البيئية الضارة. يُشار إلى التركيبة المعقدة لجميع العوامل البيئية المؤثرة على أجسامنا طوال فترة الحياة باسم إيكسبوزوم (exposome). ويشمل ذلك جميع العوامل البيئية التي يتعرض لها الانسان، ومن ذلك النظام الغذائي وتلوث الهواء والإشعاع والتعرض لدخان التبغ والإجهاد وتغيرات ميكروبيوم الأمعاء والالتهابات البكتيرية أو الطفيلية أو الفيروسية وعناصر أخرى يتعرض لها الناس طوال حياتهم.

تؤدي هذه العوامل مع مرور الوقت إلى تلف الحمض النووي، مما يؤثر على قدرة الجسم الطبيعية على إصلاح نفسه. وبمرور الوقت، يمكن أن تزيد هذه التغيرات الجينية من الخطر وتمهد الطريق نحو الإصابة بالسرطان. ويؤكد الباحثون أن الجميع تقريبا يتعرضون لعوامل خطر الإصابة بالسرطان في حياتهم اليومية.

ويعدّ الهواء الملوث أحد هذه العوامل الضارة التي نتعرض لها يوميا. فوفقا للمبادئ التوجيهية العالمية لجودة الهواء الصادرة عن منظمة الصحة العالمية (World Health Organization)، يتنفس جميع سكان العالم تقريبا (أكثر من 99%) هواء ملوثا يتجاوز الحدود المسموح بها.

وعلى غرار ذلك، تم ربط التعرض لعوامل بيئية بالإصابة بسرطانات محددة. فعلى سبيل المثال، رُبط تلوث الهواء بسرطان الرئة، بينما تُعدّ الأشعة فوق البنفسجية سببا رئيسيا لسرطان الجلد. كما يمكن أن يؤدي تناول اللحوم المصنعة التي تحتوي على مواد كيميائية ضارة إلى إلحاق الضرر بالحمض النووي (DNA)، حتى التوتر المزمن واختلال التوازن الهرموني يُمكن أن يُضعفا قدرة الجسم الطبيعية على الدفاع ضد السرطان عن طريق تغيير المسارات الجينية الأساسية.

وتلعب العدوى أيضا دورا حاسما في خطر الإصابة بالسرطان، إذ يمكن أن تسبب بكتيريا الملوية البوابية (Helicobacter pylori) -المعروفة أيضا باسم جرثومة المعدة- سرطان المعدة نتيجة تدميرها لخلايا المعدة، بينما يرتبط فيروس الورم الحليمي البشري (papillomavirus) ارتباطا وثيقا بسرطان عنق الرحم. ويمكن أن تُحدث البكتيريا والفيروسات والفطريات الأخرى خللا في استقرار الجينات يتسبب في تطور الورم.

الوقاية خير من العلاج

على الرغم من هذه المخاطر، يُقدّر العلماء أنه يُمكن الوقاية مما يقارب 40% من حالات السرطان من خلال تغييرات في نمط الحياة، مثل اتباع نظام غذائي صحي، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وتجنب التعرض لعوامل بيئية ضارة قدر الإمكان. تُساعد التطورات في تقنيات البحث العلمي العلماء على فهم كيفية تأثير العوامل البيئية على الجينات بشكل أفضل، الأمر الذي يؤدي إلى تطوير إستراتيجيات جديدة وأكثر فاعلية للكشف عن السرطان والوقاية منه وحتى علاجه.

وبإدراك تأثير التعرض للعوامل البيئية الضارة على المدى البعيد، يمكن للأفراد والمجتمعات والمسؤولين السياسيين اتخاذ خطوات جادة نحو الحد من مخاطر السرطان والحرص على توفير بيئة سليمة وصحية وتكون أفضل للأجيال القادمة.

Source: Apps Support


صيادو صُور اللبنانية.. معاناة بسبب الحرب وما بعدها

صور منير قبلان- عاد حسن غانم من رحلته في بحر مدينة صور (جنوبي لبنان)، وها هو في ميناء الصيادين يخلّص شباكه، ليس من الأسماك الوفيرة، وإنما من النفايات العالقة، في مشهد يحكي معاناة الصيادين اليوميّة في جنوب لبنان، جراء واقع البحر المرير وانعكاسه سلبًا على معيشة الصيادين.

تراجع الثروة السمكية

يُجمع الصيادون الذين التقتهم الجزيرة نت في ميناء الصيادين في مدينة صور، على أن الثروة السمكيّة في تراجع كبير وخطير، إذ إن هناك أنواعًا مختلفة في البحر اللبناني باتت مفقودة، بسبب العوامل الطبيعية وتلويث البحر بشتّى أنواع الملوثات، فيما يؤكّد غانم على أنها انخفضت بنسبة 90%.

بدوره يشير نائب رئيس نقابة صيادي الأسماك في صور سامي رزق في حديثه للجزيرة نت إلى أن المواسم التي كان يُعتمد عليها في السابق لم تعد موجودة، “وقد دخلنا موسم الربيع لكن دون جدوى”، مرجعا السبب لعوامل طبيعية أدت إلى تغيّر أنواع الأسماك، حيث دخلت أسماك من البحر الأحمر، واختفت أنواع أخرى كان يعتمد عليها الصياد اللبناني، كذلك تلوُّث البحر بفعل البشر وبسبب الحرب ورمي القذائف والقنابل وحركة البوارج فيه.

الحرب الإسرائيلية فاقمت الأزمة

ولم يكن قطاع صيد الأسماك في لبنان بمنأى عن نتائج الحرب الحاصلة، فمنذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بات هناك صعوبة للوصول إلى البحر، خاصة مع تحذيرات مستمرة كان قد أطلقها جيش الاحتلال الإسرائيلي للصيادين والمواطنين لعدم نزولهم للبحر والشاطئ، فيما أطلقت مسيراته صواريخها على صيادين كانوا على شاطئ المدينة في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وأدى ذلك لاستشهاد اثنين منهم.

هذا الحظر البحري طوال فترة الحرب (التي توقفت نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2024) وخاصة مع توسعها بعد 23 سبتمبر/أيلول 2024، أدى إلى تهجير الصيادين من الجنوب نحو بيروت، وبقيت مراكبهم فارغة لفترات طويلة، مما تسبب لهم بخسائر اقتصادية فادحة.

يشير النقابي رزق إلى أن الحرب قلّصت عمل الصيادين تدريجيًا حتى أصبح شبه مشلول، إلى أن وصل الأمر إلى 27 سبتمبر/أيلول 2024، حيث توقف الصيادون عن العمل لمدة 3 أشهر ونصف تقريبًا، حيث كان الوضع سيئًا للغاية، مما أرغم الصيادين على النزوح.

ويلفت رزق إلى أن أضرارا جسيمة لحقت بالزوارق، فقد توقفت عن العمل لفترات طويلة والآن هي بحاجة إلى الصيانة، إضافة إلى تلف الشباك بسبب تعرضها لأشعة الشمس، مما زاد من خسائرهم المادية، فضلا عن المصاريف التي أنفقوها بدل إيجار السكن وتوفير الطعام والتنقل خلال الحرب.

ويؤكّد الصياد عادل العابدي أن بعده عن البحر لمدة 3 أشهر تقريبا بسبب الحرب، ألحق به خسائر كبيرة، فهذه الأشهر أساسية بالنسبة له كصياد، فهو لا يملك أي مصدر آخر للعيش الكريم ويقول: أنا رب أسرة ولدي التزامات، تخيل منذ شهرين ونصف إلى 3 أشهر أنا بدون راتب، وهذا الراتب هو الأساس الذي أعتمد عليه، ولا يوجد لدي أي عمل آخر سوى البحر.

مصطفى شاهين وهو صياد وصاحب مسمكة في مدينة صور، يؤكّد على أن الحرب أثّرت على جميع الصيادين، ويشرح كيف تم منعه من الصيد في البحر بشكل نهائي بسبب التهديدات الإسرائيلية، ويلفت إلى أن البعض كان ينزل إلى الشاطئ فقط ليضع الشباك ويصطاد، علّه يعود ببعض الأسماك ليبيعها ويؤمن قوت يومه.

الصيد غير القانوني يتصاعد

ولطالما كان الصيد غير القانوني المشكلة الأبرز التي تتهدد الثروة السمكية في لبنان، إذ يلجأ بعض الصيادين الذين يضربون بقانون الصيد البحري عرض الحائط، والذي ينص على حجم فتحات الشباك المسموح باستعمالها، وكذلك يمنع استخدام السموم أو المتفجرات بعمليات الصيد، وذلك للحفاظ على هذه الثروة، إلا أن البعض يجد في الممنوعات فرصة ثمينة لحصد أكبر عدد ممكن من الأسماك عبر الشباك ذات الفتحات الضيقة أو استخدام المتفجرات التي تفتك بكل ما هو حي تحت سطح البحر.

ويلفت الصياد غانم إلى أن مشكلة المتفجرات كبيرة جدًا، حيث يستغّل الصيّاد تجمّع الأسماك مع بعضها البعض، ويقوم برمي الديناميت عليها لتنفجر، وهذا يؤدّي إلى هلاك جميع الأسماك من كل الأحجام ويقول: “الديناميت يُستخدَم تحت الماء فيُدمِّر جميع الكائنات الحية، ويُصبح قاع البحر كالصحراء الخالية من الحياة، حتى الإسفنج الذي كان موجودا بكثرة، اختفى تمامًا بسبب هذه المواد التي تُلقى في البحر”.

لا تعويضات حتى الآن

وعلى الرغم من وقف إطلاق النار بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي لما يزيد عن 3 أشهر، ومع عودة الصيادين إلى مراكبهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا القطاع، فإن هؤلاء لم يتلقوا أي مساعدة من الدولة اللبنانية، مما فاقم من تداعيات الأزمة عليهم، وقد يدفعهم ذلك إلى ترك البحر والبحث عن مصدر رزق آخر.

وفي هذا السياق، يشير النقابي رزق إلى تواصل النقابة مع الدولة ومع الهيئة العليا للإغاثة ومجلس الجنوب والمؤسسات خاصة لكن دون جدوى، ونوّه إلى أنه في كل الحروب التي مرّت على لبنان في العام 1996 و2006 قُدمت المساعدات للصيادين من الدولة والجهات المعنية، أما اليوم فلم يسأل أحد عن حال الصيادين.

وناشد الصياد غانم الدولة أن تولي الصيادين والبحر الاهتمام اللازم، كون 70% إلى 80% من الصيادين توقفوا عن العمل، ويقول: “انظروا إلى المراكب فلن تجدوا أحدًا، وفي البحر لن تجدوا أسماكًا، وعلى الدولة أن تدعمنا وتساندنا، وأن تلاحق المخالفين الذين يتسببون بتلويث البحر والذين يصطادون بالمتفجرات، لكي ننقذ بحرنا مصدر عيشنا من هذه المصائب، فنحن باستطاعتنا أن نؤمّن السمك للسوق المحلي إذا استطعنا حماية البحر ودعم الصيادين، عوضًا عن دفع المبالغ الطائلة لاستيراد الأسماك من الخارج”.

وزارة الزراعة

مدير التنمية الريفية والثروات الطبيعية في وزارة الزراعة اللبنانية شادي مهنّا وفي حديث خاص للجزيرة نت، لفت إلى تشدّد وزارة الزراعة في تطبيق القوانين وعلى رأسها قانون الصيد البحري لحماية الثروة البحرية، لكن لا يخفي مهنّا أن هناك نقصًا كبيرًا في عدد حرّاس الأحراش والصيد لدى الوزارة، وعددهم الفعلي اليوم 140 من أصل 360، وهذا العدد لكل لبنان، وبهذا تصعب عملية المراقبة في ظل هذا النقص الكبير.

ويضيف مهنّا: “نحن نتعاون مع القوى الأمنية والجيش اللبناني من أجل قمع المخالفات التي تحصل في البحر وهم يقومون بمهام كبيرة في هذا السياق، ونأمل أن نصل إلى ملء الشواغر في هذه المراكز وتمكين المراقبين، لكي يقوموا بهذه المهام في القريب العاجل”.

وحول التعويضات للصيادين جراء الحرب شدّد مهنّا على ضرورة تعويض الخسائر الناتجة عن الحرب، سواء في المراكب أو في الشباك، مع الإشارة إلى أنّ هناك 8 صيّادين استُشهِدوا خلال الحرب، مؤكّدا على أن الوزارة تعمل على توفير الدعمٍ المُناسب بالتّعاون مع الجهات المانحة لجميع القطاعات الزراعية، وليس فقط قطاع الصيد، لأنها تدرك أهمّيّة هذا القطاع.

وختم مهنا بالتأكيد على أن وزارة الزراعة لديها مشاريع لتطوير قطاع الصيد، وهناك مشاريع تقدِّم شباكا جديدة مطابقة للمواصفات لمنطقتي صور والجنوب، وتعمل الوزارة أيضًا مع البنك الدولي وجهات مانحة أخرى على تقييم الاحتياجات المُلِحّة، لتوفير الدعم السريع للصيادين.

Source: Apps Support