إصلاح‏ ‏السلوك‏ ‏العام

إصلاح‏ ‏السلوك‏ ‏العام

هل أصبحنا مجتمعًا عنيفًا بين يوم وليلة؟ سؤال يؤرقني كثيرًا. لماذا نرى الأجيال
الجديدة، التي نشأت وفق أساليب التربية الحديثة، أكثر ميلًا للعنف؟ هل انشغالنا بتلبية رغبات أبنائنا وتوفير أحدث الهواتف، وأفخم الملابس، وإلحاقهم بأرقى المدارس جعلنا نهمل تربيتهم على القيم والأخلاق؟ هل تسابقنا على الرفاهية جاء على حساب بناء شخصياتهم وتعليمهم ضبط النفس والتعاطف؟
قديماً كانت الأم تربي أبناءها في كنف “بيت العيلة”، حيث كان هناك دور رقابي مستمر من الجد والجدة، والعم أو الخالة، مما شكل شبكة داعمة تعزز التربية والمبادئ. ولكن مع سعينا نحو الاستقلالية وانتقال الأسر إلى مساكن منفصلة بعيدًا عن الأهل، هل سلمنا تربية أبنائنا للعالم الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي؟ هذه المنصات، التي تعرض الأطفال والمراهقين لمحتوى عنيف ومستمر، قد تسهم في تطبيع العنف في أذهانهم. ومع غياب الرقابة العائلية الفعالة وانشغال الآباء بوتيرة الحياة السريعة، تراجع الحوار العاطفي والتواصل الحقيقي داخل الأسرة، مما دفع الأطفال للبحث عن بدائل خارج البيت لاكتساب القيم والتصرفات، وهو ما قد يكون أحد أسباب انتشار العنف في الأجيال الجديدة.
الحوادث التي تتصدر التريند، مثل حادثة كَرمة أو إسلام، ليست مجرد استثناءات أو وقائع نادرة، بل هي انعكاس لواقع يومي أكثر قسوة، لا يصل إلى الأضواء إلا حين يثير ضجة على مواقع التواصل. العنف المجتمعي لم يعد محصورًا في أفعال فردية، بل أصبح ظاهرة تتنامى بصمت، في ظل غياب الوعي والتوجيه.
في اتصال مفاجئ، تواصلت معي زميلة قديمة، بعد سنوات من الانقطاع، فقط لتنقل لي قصة صادمة: طفل في المرحلة الابتدائية استطاع أن يفرض سيطرته على مدرسة بأكملها، يضايق زملاءه بلا رادع، والجميع يشتكون من سلوكه. إلا أن المشهد أخذ منعطفًا أكثر خطورة عندما قرر أحد زملائه أن يرفض الخضوع له ويرد عليه بالمثل. لم تكن النتيجة مجرد مشادة بين طفلين، بل عقابًا انتقاميًا خارج أسوار المدرسة، حيث انتظر والدَا الطفل المشاغب زميله ليعتديا عليه جسديًا، يطرحانه أرضًا، ويواصلان ركله بلا رحمة!
لم تنتهِ المفاجأة ببشاعة فعل الأهل، بل في موقف المدرسة التي اكتفت بالتبرؤ من الواقعة بحجة أنها حدثت خارج نطاقها، وكأن دورها يقتصر على جدرانها فقط!
هنا يبرز التساؤل الحقيقي: هل أصبح العنف جزءًا من سلوك المجتمع إلى درجة تبريره والتغاضي عنه؟ كيف يمكن أن تصل القسوة إلى أن يعتدي أب وأم على طفل لمجرد أنه لم يخضع لابنهما؟ هل نواجه أزمة في تربية الأطفال، أم أننا بحاجة إلى إعادة النظر في تربية الآباء أنفسهم؟
يشهد السلوك العام في مجتمعنا تغيرات غير طبيعية وغير مبررة، مما يستدعي وقفة جادة مع أنفسنا لإعادة تقييم قيمنا وسلوكياتنا ككبار، قبل أن نتمكن من تقويم الصغار وتوجيههم نحو المسار الصحيح. فإذا كنا اليوم نشهد أجيالًا تتسم بالعنف المتزايد، فكيف سيكون شكل المجتمع بعد 20 عامًا؟ هل نحن مستعدون لمستقبل يصبح فيه العنف أمرًا مألوفًا، أم أن الوقت قد حان لاتخاذ خطوات حقيقية نحو التغيير؟
إن مسؤولية بناء مجتمع أكثر وعيًا وسلامًا تبدأ منا نحن الكبار، فالأطفال ليسوا سوى انعكاس لما نزرعه فيهم. إذا لم نقف اليوم لإعادة تقييم أساليب تربيتنا وتصحيح مسارنا، فقد نجد أنفسنا بعد سنوات في مجتمع تحكمه الفوضى والعنف بدلًا من القيم والأخلاق. التغيير ليس مستحيلًا، لكنه يتطلب وعيًا جماعيًا وإرادة حقيقية لنرسم مستقبلًا أكثر أمنًا لأبنائنا وللأجيال القادمة.

Source: Upload One