ما بعد النماذج الضخمة… «غوغل» تمهّد لعصر الذكاء التعاوني متعدد الوسائط
لم يعد الذكاء الاصطناعي حكراً على المختبرات أو النماذج الأولية، بل أصبح ضرورة تشغيلية في مختلف الصناعات. خلال جلسة شيقة حضرتها «الشرق الأوسط» على هامش حدث «غوغل كلاود نكست 2025» في مدينة لاس فيغاس الأميركية، قدّم ويل غرانيس، الرئيس التقني للشركة، إلى جانب كبار المسؤولين، رؤية شاملة حول كيفية بناء «غوغل» لأنظمة متكاملة تجعل الذكاء الاصطناعي أكثر سهولة، قابلاً للتوسع، وقادراً على إحداث تحوّل حقيقي. قال غرانيس: «قبل عام كنا نتحدث عن النماذج الأولية، أما الآن نتحدث عن الإنتاج الفعلي». وأضاف أن اليوم هناك أكثر من 500 شركة تعمل بالفعل في الإنتاج باستخدام تقنيات «غوغل كلاود»، وهو إنجاز يؤكد «أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد توجه مستقبلي، بل هو واقع حالي وأولوية في الأعمال».
في صلب رؤية «غوغل كلاود» يكمن مفهوم «الذكاء الاصطناعي العاملي» (Agentic AI) وهو تطوّر من أدوات تعتمد على المهام إلى أنظمة قادرة على اتخاذ قرارات والتعاون والتعلم.
يرى غرانيس أن «غوغل كلاود» أصبح الوجهة الواحدة للذكاء الاصطناعي المؤسسي. تعمل «غوغل كلاود» كنقطة التقاء للتقنيات المتقدمة من مختلف أقسام شركة «ألفابيت» (Alphabet) من بنية «Pathways» في «ديب مايند» (DeepMind) إلى نماذج الطقس الجديدة، ما يجعل الابتكار أكثر واقعية وسهل التطبيق.
الذكاء الاصطناعي في صميم تطوير البرمجيات
ذكاء «غوغل» لا يقتصر على عملائه، بل يشمل بنيته الداخلية أيضاً. تشير البيانات إلى أن 30 في المائة من كود البرمجيات في «غوغل» يُكتب اليوم بواسطة الذكاء الاصطناعي. ويردف غرانيس أنه «تم تجاوز مرحلة فهم الكود… الذكاء الاصطناعي بات يشارك في التخطيط والتصميم والتنفيذ». هذا الإنجاز يُثبت لعملاء «غوغل» أن الذكاء الاصطناعي يمكن دمجه في كامل دورة حياة تطوير البرمجيات من التحليل إلى الإنتاج.
بناء الأعمال باستخدام العوامل الذكية
أشار مدير الذكاء الاصطناعي أشوين رام الذي حضر الجلسة أيضاً إلى أن العوامل الذكية لم تعد حكراً على المطورين. من خلال أدوات مثل «Vertex AI Agent Builder» يمكن لأي شخص بناء عوامل ذكية دون كتابة سطر واحد من الكود. وأضاف رام: «نحن نعيش ثورة التطبيقات المصغّرة (Micro Apps) وهناك أكثر من 1000 عامل ذكي يتم بناؤها حالياً من قبل شركائنا في مختلف القطاعات». وضرب رام مثالاً على سلسلة الوجبات السريعة «وينديز» (Wendy’s) التي دمجت تقنيات «جيمناي» و«Vertex AI» لإنشاء تجربة صوتية ذكية في خدمة السيارات، ما ساعدها على الانتقال من مرحلة التجريب إلى الانتشار في آلاف الفروع خلال عام واحد.
الثقة والأمان: أساس بناء الذكاء الاصطناعي
أبرز غرانيس أهمية الثقة كمبدأ رئيسي قائلاً: «الثقة تُبنى من خلال المشاركة». تشمل بنية الأمان في «غوغل» أدوات الشرح والشفافية (Explainable AI) وعزل البيانات والتحكم بالخدمة (VPC) ومفاتيح تشفير مُدارة من قبل العملاء. كذلك أدوات مثل «NotebookLM» التي توثق مصدر كل معلومة. وأكد غرانيس أن العمق في الحماية أهم من التغطية السطحية، وهذه هي فلسفة «غوغل» في بناء أنظمة مقاومة للاحتيال منذ البداية.
البنية التحتية للمستقبل متعدد العوامل
تنظر «غوغل» إلى المستقبل باعتباره عالماً من العوامل الذكية المتعاونة. يشمل ذلك بروتوكول «MCP» لتواصل النماذج وبروتوكول «Agent-to-Agent» لتواصل العوامل فيما بينها. أيضاً يضم أدوات مثل «Vertex AI Live Stream» لمعالجة الفيديو والتفاعل مع المحتوى المباشر. كما فتحت «غوغل» شبكتها الداخلية «Cloud WAN» للعملاء، مع تحسين في السرعة بنسبة 40 في المائة مقارنةً بالإنترنت التقليدي، ما يدعم التطبيقات العالمية بزمن انتقال منخفض وكفاءة عالية.
ما بعد النماذج اللغوية الضخمة؟
أوضح غرانيس أن المستقبل يقوم على ثلاث ركائز: الأولى هي تعدد الوسائط أي رؤية وصوت وفيديو وحتى رائحة. يرى أن الذكاء الاصطناعي سيتفاعل مع البيئة كما نفعل نحن. ثانياً، العوامل الذكية المتعاونة وهي بيئة من العوامل التي تعمل معاً لحل المهام المعقّدة على مستوى المؤسسة. أما العنصر الثالث فهو الديمقراطية التقنية وموظفو الموارد البشرية والمالية والتسويق، جميعهم سيصبحون منشئي حلول ذكاء اصطناعي، على حد قول غرانيس. ويؤكد أنه «لم يرَ موجة مثل هذه في حياته المهنية… لقد أصبح الجميع يشعر بالراحة في بناء المحتوى والتجارب بأنفسهم».
ما هي نصيحة «غوغل»؟
ينصح غرانيس بـ«البدء من مشكلة حقيقية، والسماح للذكاء الاصطناعي بتعزيز قدرات البشر». مع تزايد قوة الذكاء الاصطناعي، لم يعد السؤال: «ماذا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفعل؟» بل أصبح: «من سيقود استخدامه؟». ويختتم غرانيس جلسته قائلاً: «لست بحاجة إلى أن تكون عالم بيانات لتبني المستقبل. تحتاج فقط إلى الأدوات… والاستعداد للتعلم».
Source: كاتب