“التطورات الاقتصادية: من استراتيجيات ماكرون في أفريقيا إلى انتعاشة حمص”

ماكرون يغير خطته في أفريقيا.. ما هي؟

قد تكون فرنسا تعاني من تدهور نفوذها في الدول الأفريقية الفرنكوفونية ومستعمراتها السابقة, ولكن جميع المؤشرات تظهر أن باريس تعيد صياغة استراتيجيتها وتدرس العودة إلى القارة بقوة عبر التركيز على دول أفريقيا الأنغلوفونية, بما في ذلك نيجيريا التي تؤشر تطورات الشهور الثلاث الماضية أنها تحتلّ مكانة استراتيجية من الخطة الفرنسية بسبب مصالح اقتصادية ودواعي جيوسياسية إقليمية.

نيجيريا في سياسة “ماكرون” الجديدة تجاه أفريقيا

لم تكن نيجيريا أولى الدول في المنطقة الأنغلوفونية التي تحظى باهتمام فرنسا؛ إذ منذ عام 2019 تتودد باريس إلى أكبر الاقتصادات غير الفرنكوفونية داخل القارة، مثل جنوب أفريقيا التي أدى “إيمانويل ماكرون” أول رحلته الرسمية إليها في عام 2021؛ وإثيوبيا التي أعلن فيها “ماكرون” أثناء زيارته آواخر ديسمبر 2024 عن دعم فرنسا لسعي أديس أبابا للوصول إلى البحر؛ وكينيا التي أدى إليها الزيارة في عام 2019 كأول زيارة لرئيس فرنسي منذ استقلال البلاد.

ويمكن تتبع أسباب الاهتمام الفرنسي بأفريقيا الأنغلوفونية إلى تطلّع باريس إلى ما هو أبعد من مستعمراتها السابقة بهدف الوصول إلى اقتصادات أكبر وأكثر ديناميكية لتحقيق التوازن بين مصالحها الاقتصادية في جميع أنحاء أفريقيا، وخاصة في ظل صعود المشاعر المعادية لفرنسا في الدول الفرنكوفونية، وخاصة مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، التي طردت القوات الفرنسية ونأت بنفسها عن باريس بسبب تصورات الاستعمار الجديد.

وتلعب نيجيريا دورا محوريا في سياسة ماكرون الجديدة تجاه أفريقيا، حيث تعد البلاد واحدة من أكبر الاقتصادات في أفريقيا، وهي لاعب رئيسي في “المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا” (إيكواس)، وتؤثر في القرارات الاقتصادية والسياسية بغرب أفريقيا. إضافة إلى ثقلها الثقافي في المنطقة واشتراكها في الحدود مع أربعة دول فرنكوفونية (بنين والنيجر وتشاد والكاميرون)، مما يجعل نيجيريا جسرا بين منطقتي أفريقيا الأنغلوفونية وأفريقيا الفرنكفونية.

ويؤدي الرئيس النيجيري “بولا تينوبو” دور الشريك الرئيسي في هذه الجهود الفرنسية، وخاصة في غرب أفريقيا، كما هو واضح في زيارته – أي “تينوبو” – إلى باريس في نوفمبر الماضي (2024)، وهي أوّل زيارة دولة إلي فرنسا من قبل رئيس نيجيري منذ أكثر من عقدين؛ إذ قدّم “ماكرون” خلالها عرضا مبهرجًا من الدفء والصداقة إلى الحد الذي جعل بعض الدبلوماسيين والمحللين السياسيين، بما في ذلك السفير الفرنسي في نيجيريا “مارك فونبوستير”، يقولون إن “ماكرون” لم يستقبل أي زعيم أفريقي آخر بتلك الطريقة.

ويمكن أيضا فهم الاهتمام الخاص الذي يوليه “ماكرون” لنيجيريا من خلال حقيقة أنه -أي ماكرون – أمضى ستة أشهر في نيجيريا عندما تدرّب في السفارة الفرنسية بأبوجا – عاصمة نيجيريا – في عام 2002 بصفته طالبًا في المدرسة الوطنية للإدارة (مدرسة عليا فرنسية).

ويضاف إلى ما سبق أنه رغم الاعتقاد السائد بأن موقف الرئيس النيجيري “تينوبو” تجاه فرنسا أكثر إيجابية من مواقف رؤساء نيجيريا السابقين؛ إلا أن مراجعة سريعة للإدارات النيجيرية السابقة منذ عام 1999 تُظهر أن هناك تعاون قديم بين الحكومات النيجيرية والفرنسية السابقة، مثل تعاونهما في عهد “أولوسيغن أوباسانجو” (رئيس نيجيريا من 1999 حتى 2007) حول المرحلة الأولى من تنويع الشراكة الاقتصادية بين الدولتين ودعم فرنسا تخفيف أعباء الديون عن نيجيريا. وفي عهد “محمد بخاري” (الرئيس النيجيري من 2015 حتى 2023) وطّدت فرنسا شراكتها مع البلاد لتعزيز الأمن البحري في خليج غينيا ومكافحة الإرهاب في حوض بحيرة تشاد (وهي منطقة تضم نيجيريا وثلاث دول فرنكوفونية – تشاد والنيجر والكاميرون).

العامل الاقتصادي في تزايد شراكة نيجيريا مع فرنسا

تتعرض إدارة الرئيس النيجيري “تينوبو” لضغوطات من مختلف الجهات، مدفوعة باستمرار الأزمات الاقتصادية التي تعهّد بإصلاحها قبل وإبان وصوله إلى السلطة في عام 2023. وشملت هذه الإصلاحات جذب الاستثمارات الأجنبية وفق استراتيجية قائمة على أربعة أبعاد (هي الديمقراطية والتنمية والديموغرافيا والشتات), ولكن مضي قرابة عامين من حكمه أظهر صعوبة تحقيقها، إضافة إلى السقوط الحر لـ “نيرا” عملة نيجيريا والخلافات بين الجنوب والشمال بسبب مقترح إدارة “تينوبو” للإصلاح الضريبي. وشهدت الأشهر الأخيرة خروج العديد من الشركات الدولية من نيجيريا بسبب انخفاض قيمة العملة النيجيرية وعوامل أخرى مرتبطة ببيئة عمل غير مواتية.

أجبرت صعوبات جذب الاستثمار الأجنبي – وخاصة من الغرب – الرئيس “تينوبو” إلى التوجه نحو فرنسا، حيث ترى حكومته أن تعزيز علاقات نيجيريا مع باريس فرصةٌ قد تسهّل لأبوجا وصولاً تجاريًا أكبر إلى الاتحاد الأوروبي، مما يعود بالنفع على المصدّرين النيجيريين. ولذلك وقّع الرئيس النيجيري خلال زيارته الأخيرة إلى باريس على صفقة بالغة الأهمية، تضمنت استثمارًا فرنسيا بقيمة 300 مليون يورو لتعزيز البنية الأساسية والشراكة للنهوض بقطاعات رئيسية في الاقتصاد النيجيري، بما في ذلك الرعاية الصحية والنقل والطاقة المتجددة والتعدين والزراعة المستدامة. بل صرّح “تينوبو” أثناء الزيارة إلى حاجة الدولتين – نيجيريا وفرنسا – لـ “مسؤولية جماعية” لمحاربة الإرهاب، حيث أن “نيجيريا شريك في التقدم” و”نحن مستعدون للشراكة مع فرنسا حتى نتمكن من إجراء عمليات أمنية من شأنها أن توقف تحدي الهجرة”.

وخلال تلك الزيارة وقعت بنوك نيجيرية اتفاقيات عملٍ في باريس، حيث تألف الوفد النيجيري، بقيادة الرئيس “تينوبو”، من كبار قادة الأعمال النيجيريين, بمن فيهم “عليكو دانغوتي” مؤسس مجموعة “دانغوتي” المالكة لمصفاة دانغوتي التي تؤثر على قطاع النفط الأوروبي، و “توني إلوميلو” مالك “البنك المتحد لأفريقيا” (United Bank for Africa)، وعدد قليل من حكام الولايات النيجيرية الاستراتيجية، بمن فيهم حاكم ولاية لاغوس. إضافة إلى وزراء نيجيريين, مثل وزير الخارجية ووزير المالية ووزير التجارة والاستثمار ووزير الدفاع.

وقد تبعت الاتفاقية الموقعة في باريس عدة تحركات ومذكرات التفاهم. وعلى سبيل المثال، عززت نيجيريا وفرنسا في يناير 2025 شراكتهما في قطاع التعدين من خلال الالتزام بتنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة في باريس, وذلك بالتعاون في تحديث المختبرات الجيولوجية النيجيرية وتوفير المعدات التكنولوجية المتقدمة وتمويل استكشاف البيانات الجيولوجية لوكالة المسح الجيولوجي النيجيرية. وفي الشهر نفسه أكّد وزير الخارجية النيجيري “يوسف توغار” التزام أبوجا بالحفاظ على علاقات دبلوماسية قوية مع فرنسا, مؤكدا أن ليس لنيجيريا نية بقطع علاقتها طويلة الأمد معها.

وعلى نحو مماثل، التقى “والي إيدون” وزير المالية النيجيري في 14 فبراير 2025، بالسفير الفرنسي في نيجيريا, حيث تركزت مناقشاتهما على تعزيز التعاون الاقتصادي وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى نيجيريا. وفي الشهر نفسه، شاركت نيجيريا – أكبر سوق لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أفريقيا – في قمة عمل الذكاء الاصطناعي التي عقدت في باريس، والتي أعلنت فيها فرنسا عن وقف بقيمة 400 مليون دولار لمؤسسة “الذكاء الاصطناعي الحالي” التي أطلقها الرئيس الفرنسي “ماكرون” بهدف توجيه تطوير التكنولوجيا في اتجاهات أكثر فائدة اجتماعيًا.

وبالنسبة لفرنسا، تتمتع نيجيريا بإمكانات هائلة كواحدة من أكبر اقتصادات أفريقيا، كما أن عدد سكان البلاد الذي يزيد عن 200 مليون شخص يجعلها سوقًا متنامية وأرضًا خصبة بالفرص غير المستغلة رغم حيويتها. وكانت النتيجة أن كانت نيجيريا اليوم الشريك التجاري الرائد لفرنسا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ورابع أكبر شريك فرنسي في أفريقيا.

وقد أطلقت نيجيريا وفرنسا في عام 2018 “مجلس الأعمال الفرنسي النيجيري” الذي يجمع بين الشركات الفرنسية والنيجيرية الكبرى الراغبة في الشراكات الاستثمارية التعاونية. واستحوذت نيجيريا على 20 في المئة من تجارة فرنسا مع دول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا والتي بلغت 3.53 مليار يورو في عام 2021. وارتفعت قيمة الصادرات الفرنسية إلى نيجيريا من 528 مليون يورو إلى 611 مليون يورو في نفس العام. وكانت معظم هذه الصادرات عبارة عن منتجات مصنعة، حيث شكلت المنتجات الزراعية الغذائية الأغلبية بنحو 30 في المئة.

جدير بالذكر أن فرنسا هي تاسع أكبر مورد لنيجيريا, وأن 95 في المئة من الواردات الفرنسية من نيجيريا عبارة عن منتجات بترولية. وتعمل حوالي 100 شركة فرنسية في مختلف أنحاء البلاد في مجموعة متنوعة من الصناعات، بما في ذلك الطاقة والأغذية الزراعية والشحن والفنادق والتأمين والأدوية. ومولت “الوكالة الفرنسية للتنمية” عدداً من مشاريع التنمية في نيجيريا، وخاصة في مجالات النقل والتنمية الحضرية. بل رغم كون نيجيريا دولة أنغلوفونية، إلا أن فرنسا توسّع حضورها الثقافي في البلاد من خلال مؤسسات فرنسية مختلفة. ويدرس العديد من الطلاب النيجيريين في فرنسا عبر المنح والتعاون بين الجامعات النيجيرية والفرنسية.

مخاوف السيادة الوطنية

يُفتَرض – نظريا – أن تكون نيجيريا قادرة على التعامل مع التحديات التي قد تصاحب علاقاتها المتنامية مع فرنسا، وذلك بسبب طبيعة الثقافات النيجيرية وتاريخها ومشاهدها السياسية وخصائص أقاليمها الجيوسياسية والأسس الاقتصادية النيجيرية التي تختلف نسبيا عن دول المنطقة الفرنكوفونية بغرب إفريقيا.

ومع ذلك، فإن واقع الدول الفرنكوفونية المقربة إلى فرنسا سابقا يعزز المخاوف بشأن السيادة الوطنية النيجيرية. وتتجلّى هذه النقطة في انتقادات النيجيريين لصفقة التعدين التي وقعتها “تينوبو” مع فرنسا التي لديها سجل سيئ فيما يتعلق بالموارد المعدنية والمعاملات الاقتصادية مع عدة دول بجنوب الصحراء الكبرى. إضافة إلى الاتهامات المتعددة الموجهة لفرنسا في تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو بأنها ساهمت في تخلّفها التنموي وتطورها الاقتصادي. وهذه الانتقادات أجبرت الحكومةَ النيجيرية على إصدار توضيح قالت فيه إن فرنسا لم تَسْتَوْلِ على ثروات نيجيريا المعدنية، وأنه “لم يُتَّفق في أي مكان في الوثيقة (الخاصة بالتعدين) أو أشير إلى أن نيجيريا قد تنازلت عن حقوق التعدين للفرنسيين”، كما أن الحكومة لم تقم بأي شيء تضرّ المصالح الاقتصادية والأمنية النيجيرية.

وبالنظر إلى الأزمة الاقتصادية النيجيرية المتعددة الأوجه وتنامي الأطماع العالمية في الموارد المعدنية النيجيرية الحيوية مثل الليثيوم والعناصر الأرضية النادرة والزنك؛ فقد يؤدي سوء إدارة الاستثمارات الفرنسية المتزايدة إلى صراع جديد على الموارد في مناطق التعدين، استنادا على ما يحدث في منطقة دلتا النيجر التي تنشط في مسلحون وعصابات بسبب النفط. وقد يحدّ الاعتماد المفرط على التمويل الخارجي من الاكتفاء الذاتي الاقتصادي لنيجيريا, كما قد يؤثر الوجود الفرنسي المتزايد أيضًا على خيارات السياسة الداخلية والخارجية لأبوجا، وخاصة في مسائل التجارة والأمن، حيث ستحتاج البلاد إلى إدارة علاقاتها مع باريس مع الحفاظ على علاقاتها القوية مع حلفاء آخرين ولاعبين عالميين مثل الصين وروسيا والهند وغيرها.

وهناك نقطة أخرى مرتبطة بدعوة “تينوبو” لـ “ماكرون” إلى تحمل “المسؤولية الجماعية” مع نيجيريا لمحاربة الإرهاب وإجراء العمليات الأمنية؛ إذ تأتي هذه الدعوة في الوقت الذي يذهب الرأي السائد في منطقة الساحل إلى أن علاقات بعض دول المنطقة مع باريس فاقمت من انعدام الأمن فيها. بل تثير الدعوة تساؤلات حول ما إذا كانت نيجيريا مستعدة لاستضافة القوات الفرنسية في المستقبل، وذلك لأن نيجيريا معروفة برفضها القاطع منذ عقود لفكرة استضافة قواعد عسكرية أجنبية من حلفائها الغربيين رغم تعاون الجيش النيجيري معهم.

وتلك التساؤلات وغيرها من النقاشات الوطنية الحادة أجبرت الجنرال “كريستوفر موسى”, رئيس أركان الدفاع النيجيري، في ديسمبر 2024، على نفي ما إذا كانت الحكومة النيجيرية منحت الإذن لفرنسا لإنشاء قاعدة عسكرية داخل حدودها، قائلاً: إن مثل هذه الخطط لم تكن ضمن جدول أعمال الرئيس “تينوبو”، وأنه لن يُسمح لأي كيان أجنبي بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا، سواء في شمال البلاد أو جنوبها أو أي إقليم آخرى داخل البلاد.

ديناميكيات إقليمية

تقترن زيارة الرئيس “تينوبو” إلى باريس مع تصاعد موجة حركة الوحدة الإفريقية في غرب أفريقيا، وخاصة أنه – أي الرئيس النيجيري – يرأس أيضا مجلس إدارة “إيكواس”, الكتلة الإقليمية التي وافقت مؤخرا على انسحاب النيجر ومالي وبوركينا فاسو منها، وهو ما أثار استياء البعض في المنطقة رغم تأكيد الحكومة النيجيرية مرارا التزامها بأمن واستقرار غرب أفريقيا واحترام سيادة دولها، ورغم أن أبوجا برّرت موقفها وتحركاتها بأن توتر علاقات فرنسا مع دول الساحل لا يؤثر بالضرورة في العلاقات النيجيرية الفرنسية التي تقوم على الاعتبارات الاقتصادية والدبلوماسية، وهي في ذلك كعلاقات نيجيريا مع الولايات المتحدة والصين وروسيا وغيرها.

ويضاف إلى ما سبق أن سعي “تينوبو” العلني والصريح إلى فرنسا يؤجّج الاتهامات الإقليمية ضد إدارته. ويمكن ملاحظة ذلك في ادعاء القائد العسكري النيجري “عبد الرحمن تشياني”، بعد زيارة “تينوبو” إلى باريس، بأن نيجيريا تتواطأ مع فرنسا لإنشاء قاعدة عسكرية في الشمال المجاورة للنيجر ولتزويد الجماعات الإرهابية النشطة في منطقة بحيرة تشاد بالأسلحة لزعزعة استقرار الجارة. وقد نفى هذا الزعمَ السكانُ المحليّون وزعماؤهم في المناطق الشمالية النيجيرية، كما وصفه مستشار الأمن القومي النيجيري “نوح ريبادو” بادعاء “لا أساس له” و”كاذب”.

وهناك بعدٌ سياسي لتنامي الشراكة النيجيرية الفرنسية؛ إذ أبدى حكام ولاياتٍ شمالية استياءهم تجاه حكومة “تينوبو” بسبب ملفات طنية ولطريقة إدارته لأزمة “إيكواس” مع المجلس العسكري في النيجر المجاورة, حيث أن لهذه الولايات الشمالية قواسم إثنية وثقافية وتاريجية مشتركة مع النيجر.

وبما أن نيجيريا ستعقد رئاسياتها المقبلة في عام 2027, مع احتفاظ الولايات الشمالية النيجيرية – بسبب عدد سكانها وثقلها السياسي – بنسبة تصويت حاسمة في هذه الانتخابات؛ فإن فوز “تينوبو” بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات مهدّد. ويؤكد على هذا ما حدث في احتجاجات أغسطس 2024 ضد حكومته، حيث لوّح متظاهرون بأعلام روسيا في شوارع بولايتي كانو وكادونا في شمال غرب نيجيريا, مما أشّر على تفضيلهم أن تسير نيجيريا على مسار النيجر التي عزز مجلسها العسكري علاقاته مع روسيا بعد انقلاب يوليو 2023 على حكومة الرئيس “محمد بازوم” المدنية.

Source: Apps Support


حمص تعود للحياة بعد سنوات من الدمار

حمص- بدأت الحياة في مدينة حمص وسط سوريا بالعودة إلى طبيعتها، بعد سقوط نظام الأسد، وملاحقة أمنية من قوات الأمن العام لبقاياه، ممن ارتكبوا جرائم بحق السوريين، وممن رفضوا تسوية أوضاعهم قانونيا وتسليم أسلحتهم.

وبدأت وتيرة حركة تجارية تتصاعد في الأسواق المحلية للمدينة وفي أحيائها القديمة رغم الدمار الذي يخيّم عليها.

ورصدت “للجزيرة نت” قيام مديرية البلدية في حمص بإزالة حاجز نظام الأسد المخلوع من مدخل مدينة حمص، الذي كان يتبع لفرع المخابرات الجوية، ومعروف بوحشيته تجاه المدنيين، وبعشرات الاعتقالات للأهالي التي جرت عبره.

كذلك رصدت وسط المدينة، وقرب مسجد الصحابي خالد بن الوليد في حي الخالدية، ازدحاما في الشوارع الرئيسية لم تكن تشهده المدينة قبل سقوط الأسد، بسبب الحواجز الأمنية التي كانت تنتشر في تلك المنطقة.

عودة الحركية

توزّع البائعون المتنقلون “بسطات” حول حرم المسجد، الذي يشهد كثافة الزوّار يوميا من شتى المحافظات السورية لزيارة قبر الصحابي ابن الوليد، ومشاهدة ما خلفّه قصف الأسد على أحياء حمص القديمة.

وبلغت نسبة الدمار في حمص حسب أهالي الحي ما يزيد عن 70%.

يقوم أحد البائعين المتنقلين المنتشرين حول المسجد، إسماعيل حميدان وهو شاب عشريني، ببيع منتجات تركية متنوعة مصفوفة في علب كرتونية، قام بصفّها فوق بعضها البعض، لخلق مساحة عمل صغيرة تتيح له البيع والتجارة.

ومع ارتياد مئات الزوّار يوميا المسجد، يقول حميدان في حديثه “للجزيرة نت” إنهم بعد تحرير سوريا من نظام الأسد، توفّرت البضائع التركية، وحركة الإقبال جيدة مع عودة المهجّرين قسرا من حمص، إليها.

وقال وهو يبيع وسط أبنية مهدّمة بالكامل وتلال من الركام “أدعوا السوريين جميعهم للعودة إلى سوريا، لوضع أيدينا في أيدي بعضنا، لنعمّرها سويةً”، مؤكدا بأن الوضع في حمص أصبح جيدا مع حركة طبيعية وجيدة للأهالي.

وفرة البضائع

وبات الانفتاح الاقتصادي متنفسا للسوريين الذين لم يشهدوا وجودا للبضائع المستوردة منذ عام 2012، بسبب منع النظام السوري للاستيراد لمعظم المواد الغذائية.

أشار الحميدان إلى أن البضائع أصبحت أسعارها مقبولة بشكل أكبر، وبعضها موجود في الأسواق والشوارع لم يكن يعرفها السوريون سوى عبر مشاهدتها على وسائل التواصل الاجتماعي فقط.

من زاوية أخرى، تحدّثت أم سعيد، زوجة أحد ضحايا معتقلات الأسد الذي تلقت نبأ وفاته في عام 2016، في المخابرات العسكرية في العاصمة دمشق، وأم لـ3 أولاد، أنها رغم فقر حالها المادّي، فإنها تعيش أياما من السعادة التي لا يمكن وصفها.

وتربط أم سعيد وضعها بسقوط الأسد وتحرير حمص، من قبضة أفرع المخابرات التي كانت تشكل كابوسا يوميا يعيشه المدنيون، ومنعهم من العودة إلى منازلهم في أحياء حمص القديمة، التي كان نظام الأسد يرنو لتغيير ديمغرافيتها وتحويل الأحياء المدمّرة إلى مشاريع استثمارية لرؤوس أمواله، وطمس معالم إجرامه على أحياء حمص.

ازدهار رغم الدمار

“اليوم تعيش حمص فترة ازدهار رغم الدمار الذي يخيّم عليها، ووسط هذا الركام سيعود أبناؤها لإعادتها إلى أجمل مما كانت عليه، بما يليق بها كعاصمة للثورة السورية ولما دفعته من دماء أبنائها” تقول أم سعيد.

وتضيف بأن الأهالي رغم عدم امتلاكهم قوت يومهم، مع انخفاض مستوى الوضع المعيشي إلى مستويات دنيا من الفقر، عندهم أمل في الحكومة السورية الجديدة بتحسين الأوضاع والواقع الخدمي في الأيام القادمة.

وتؤكد المتحدثة ذاتها على ضرورة وضع خطط عاجلة لإعادة أملاك وأبنية المهجّرين من حمص، وممن دُمّرت منازلهم جراء قصف طائرات نظام الأسد، والتركيز على تحسين الواقع الاقتصادي للمواطن، والسعي نحو خفض سعر المواد الغذائية والأساسية التي كانت حلما للسوريين طوال 14 عاما من الحرمان.

وتطالب بضرورة ضبط أسعار إيجار المنازل، مشيدة بالضع الأمني بحمص اليوم بعد انتشار قوات الأمن العام وعودة الحياة والحركة في الشوارع والأحياء بشكل كبير.

خدمات في تحسن

وعن الواقع الخدمي في حمص تشير أم سعيد إلى أن المدينة تعيش واقعا كسائر المحافظات السورية، بحيث لا تزال ضمن نظام وصل كهرباء لمدة ساعة واحدة، يقابلها 5 ساعات من القطع.

وتقول إن المياه ووسائل النقل العامة تتوافر بشكل جيد، وتتوافّر البضائع بشتى أنواعها في الأسواق المحلية.

وبدأت المؤسسات الحكومية بالعودة إلى عملها بشكل شبه طبيعي، في حين لا تزال الأحياء القديمة المدمّرة تشهد انعداما في توفر الكهرباء في بعضها، وعدم توفر وصول المياه إليها، كذلك عدم توفّر خطوط الاتصالات الأرضية.

وكانت محافظة حمص قد أطلقت حملة منذ أسابيع، “حملة حمص بلدنا”، هدفها الرئيسي إعادة الحياة للمدينة من جديد.

وصرّح إسماعيل الفين المنسق لحملة حمص بلدنا للجزيرة نت، “حاليا نعمل ضمن مدينة حمص فقط، بسبب الإمكانيات المتواضعة، وستشمل باقي أرجاء المحافظة في الخطوات القادمة”.

وقال إنهم يسعون لتسهيل عودة الناس إلى منازلهم، موضحا أن العمل سيتركز على فتح الطرقات وإزالة الكتل الإسمنتية لحواجز الأسد التي كانت سابقا في شوارع حمص، وتأهيل الحدائق والمدارات، وتأهيل رموز المدينة مثل مسجد الصحابي خالد بن الوليد وساعة حمص، وتجميل واجهة المدينة.

نداء للتطوع

وعن أولويات الحملة، أكّد إسماعيل الفين بأنها تركز على إنارة الطرقات والشوارع الرئيسية.

وبدأت الحملة من قطاع حي الخالدية، والغوطة، وتستهدف قطاعين مختلفين، يقول إسماعيل “تم تنسيق الحدائق مثل حديقة أمن الدولة، وتأهيل الساعة الجديدة، وسيتم تأهيل الساعة القديمة قريبا وإعادتها للعمل، وإزالة الأتربة والركام في خطوة مساعدة لمديرية النظافة في حمص، لتهيئة المرافق للجهات الداعمة والمانحة لإعادة التأهيل في الأحياء المدمرة من جديد”.

كما يأملون في حملة “حمص بلدنا” تشجيع إعادة المهجرين من حمص إلى منازلهم، في حين يؤكدون أن حل مشاكل الكهرباء والاتصالات التي تعتبرملفات إستراتيجية، بحاجة لإمكانيات أكبر من الموجودة حاليا في الحملة.

من أبرز التحديات التي تواجهها الحملة، قلّة الأيدي العاملة، والآليات الموجودة الصالحة للعمل. وتتواصل الدعوات لانخراط الفرق التطوعية، وفي دعوة لدعم هذه الحملة، أكّد إسماعيل “أن باب العمل مفتوح للجميع، ولن يتم إقصاء أحد”.

Source: Apps Support