المسلمون في أوغندا.. أحفاد تجار وجنود عانوا الاضطهاد والتهميش السياسي
المسلمون مكون شعبي أساسي في أوغندا، بدأ يتشكل مع طلائع المسلمين الأوائل في البلاد ببداية القرن 19، قبل أن تتزايد وتيرة انتشار الإسلام في الفترات اللاحقة بفعل عوامل سياسية واجتماعية عدة.
ورغم أن الإسلام سبق المسيحية إلى أوغندا، فإن الاستعمار البريطاني أعطى الحظوة في التعليم والقرب من مراكز صنع القرار للمسيحيين، مقابل إبعاد المسلمين وتهميشهم، فلم يكن لهم وزن سياسي مؤثر إبان الاستقلال عام 1962.
ومع تولّي قائد الجيش عيدي أمين الحكم عام 1971 رئاسة البلاد -وهو أول مسلم يرأس أوغندا- أصبحت عضوا في منظمة المؤتمر الإسلامي التي غيرت فيما بعد اسمها إلى منظمة التعاون الإسلامي.
ورغم أن المسلمين لم يسلموا من الاضطهاد في ظل حكم عيدي أمين، فقد تعرضوا لمجازر انتقامية بعد الإطاحة به.
طلائع المسلمين
يعود تاريخ الإسلام في أوغندا إلى أوائل القرن 19، فقد سبق المسيحية التي وصلت مع الاستعمار البريطاني لتصبح هذه البلاد واحدة من مراكزها الكبرى بشرق أفريقيا. وحسب ما تذكره المصادر التاريخية، فإن ثلاث محطات بارزة أسهمت في انتشار الإسلام بشكل واسع بين الأوغنديين.
المحطة الأولى
دخل الإسلام إلى أوغندا عن طريق السودان، وانتشر بفضل العلاقات التي ربطها التجار السودانيون بالسكان ابتداء من المناطق الشمالية بالبلاد.
وابتداء من عام 1844 سمح الكاباكا سونا الثاني بتدريس الإسلام رسميا في مملكته بوغندا، وهي إحدى الممالك الرئيسية التي كانت قائمة في أرض جمهورية أوغندا الحالية، وأصبح ملكها الكاباكا موتيسا الثاني رئيسا فخريا لدولة أوغندا عقب استقلالها عام 1962.
ورغم أن سونا الثاني لم يعتنق الإسلام فإنه شجع الوعاظ العرب والسواحليين على تدريسه في بلاطه، كما تعلم بعض تعاليمه وحفظ أجزاء من القرآن الكريم، وفق بعض الروايات التاريخية.
ومع تولي نجله وخليفته الكاباكا موتيسا الأول الحكم، اعتنق الإسلام وتعلم القرآن واللغة العربية وأصبح قصره الواقع على مشارف كمبالا مركزا للتعليم الإسلامي.
المحطة الثانية
وهي فترة الحكم المصري لأوغندا عقب الحملة التي ابتعثها الخديوي إسماعيل لتأمين منابع النيل، فابتداء من مطلع السبعينيات من القرن 19 أصبحت أراض واسعة بمنطقة البحيرات العظمى الأفريقية، بما فيها أجزاء من أرض أوغندا الحالية تابعة لحكمدارية السودان، ثم سميت بمديرية خط الاستواء المصرية.
ويشير باحثون إلى أن عهد الحكم المصري لأوغندا كان محطة مهمة في تعزيز انتشار الإسلام من خلال العلماء الذين أوفدوا إلى هناك، ويرجعون انتشار المذهب الشافعي إلى تأثير الحكم المصري.
المحطة الثالثة
استقرار جنود أمين باشا المسلمين في أوغندا، فبعد قيام الثورة المهدية عام 1884 وانتهاء الحكم المصري لأرض السودان، ثم هزيمة الجيش المصري بقيادة أمين باشا، الذي كان يتمركز في شمال أوغندا، استقر معظم جنوده المسلمين هناك واختلطوا بالسكان الأصليين حتى أصبحوا يوصفون بأنهم سلالة المسلمين في معظم المناطق الواقعة غرب النيل.
ويشير مؤرخون إلى أن جنودا سودانيين مسلمين استقدموا إلى أوغندا في عهد الاحتلال البريطاني، ثم استقروا في منطقة بومبو شمال غرب كمبالا، التي تعد اليوم من أكثر المناطق الإسلامية في أوغندا، وذلك بعد أن رفضوا القتال حينما اكتشفوا أنهم استدعوا للمشاركة في حرب ضد المسلمين.
مكون شعبي أساسي
مع منتصف القرن 19 أصبح المسلمون يشكلون مكونا أساسيا من مكونات الشعب الأوغندي، كما استمرت وتيرة انتشار الإسلام في الفترات اللاحقة رغم السياسات الاستعمارية البريطانية التي كانت تهدف إلى نشر الديانة المسيحية بين الأوغنديين.
وتتضارب التقديرات بشأن عدد المسلمين في أوغندا ونسبتهم من مجموع الشعب، وتذهب بعض التقديرات إلى أنهم يشكلون 40%، وتشير أخرى إلى أن العدد تقلص تحت تأثير الاستهداف أثناء عقود الاحتلال البريطاني إلى نحو 20% فقط، بينما تشير المعطيات الرسمية إلى أنهم يشكلون حوالي 14% من السكان ويقدر عددهم بنحو 6.5 ملايين مسلم.
ويمثل السنّة معظم مسلمي أوغندا، وهم على المذهب الفقهي الشافعي الذي يعود انتشاره إلى تأثير الحكم المصري، وفق بعض المؤرخين، إضافة إلى بعثات وزارة الأوقاف والبعثات الأزهرية والمنح التي يفتحها الأزهر سنويا أمام الطلاب الأوغنديين.
وللشيعة حضور في أوغندا، وخصوصا مذهب الإمامية الاثني عشرية وجماعة الآغاخان وهي فرقة من المذهب الإسماعيلي، إضافة إلى المذهب الإباضي الذي ظهر مع التجار العمانيين القادمين عن طريق جزيرة زنجبار مع بداية القرن العشرين.
كذلك يوجد حضور لمذهب الأحمدية القاديانية لدى ذوي الأصول الباكستانية والهندية، رغم الطرد والتضييق اللذين تعرض لهما معظم الآسيويين في عهد حكم الرئيس الراحل عيدي أمين.
ويقدر عدد المساجد في أوغندا بنحو 15 ألف مسجد، يتصدرها من حيث المساحة مسجد أوغندا الوطني الذي اكتملت أشغال بنائه بتمويل ليبي عام 2006م وأطلق عليه اسم “مسجد معمر القذافي”.
بين الاحتضان والاضطهاد
ابتداء من أربعينات القرن 19 احتضن الكاباكا سونا الثاني ونجله موتيسا الأول الإسلام وشجعا نشره وتدريسه في بلاطهما رغم أن الأول لم يعتنقه.
وفي عقد السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن نفسه، وتزامنا مع عهد الحكم المصري تعاظمت مكانة الإسلام في أوغندا، خصوصا مع وفود العلماء الذين زاروا البلاد مبتعثين من الأزهر.
لكن علاقة المسلمين بالسلطة في هذا البلد تغيرت جذريا مع سيطرة الجيش البريطاني عام 1889 وبدء الحقبة الاستعمارية التي واكبتها حملات تبشيرية لنشر المسيحية، ثم احتكار المسيحيين للتعليم والإعلام والوظائف العليا ومراكز صنع القرار.
وتحت تأثير سياسات حقبة الاستعمار أصبح مسلمو أوغندا، الذين تشير بعض التقديرات إلى أنهم كانوا أغلبية حتى ذلك الحين، من دون وزن سياسي مؤثر بسبب ضعف التعليم والبعد عن دوائر صنع القرار في واحدة من أهم مراحل تاريخ البلاد، وهي سنوات ما قبل الاستقلال عام 1962.
وحين تولى قائد الجيش عيدي أمين الحكم في انقلاب عسكري عام 1971، وهو أول مسلم يرأس البلاد، اتخذ سلسلة إجراءات جديدة لتعزيز مكانة مسلمي أوغندا، كان من ضمنها الانضمام لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
لكنه طرد مجموعة من المسلمين ذوي الأصول الآسيوية، وهو ما تسبب في انخفاض عدد المسلمين في البلاد، إضافة إلى الاستبداد وارتكاب مجازر عديدة بحق مواطنيه، ومع الإطاحة به من قبل متمردين تدعمهم تنزانيا عام 1979 أصبح المسلمون ضحايا مجازر انتقامية.
ومع وصول يوري موسيفيني إلى السلطة في يناير/كانون الثاني عام 1986 بدأت حدة العداء للمسلمين تخف، خصوصا مع تحذيراته من أي تمييز ضدهم، كما حصلوا في عهده على مناصب وزارية، وسمح بأنشطة الهيئات الإسلامية التي تعترف بها الحكومة.
أولوية التعليم
المجلس الأعلى للمسلمين في أوغندا الذي أسس عام 1972 هو الهيئة العليا المكلفة بشؤون المسلمين، وتعنى بالتعليم والإفتاء، إضافة إلى الحوار وبناء العلاقة مع الطوائف الدينية الأخرى.
ويتصدر المجلس هيئات المسلمين التي تتعدد أنشطتها مع إعطاء الأولوية للتعليم، إذ تنتشر المؤسسات التعليمية الأساسية والثانوية والجامعية التابعة لها، وتنامت هذه المؤسسات التعليمية مع عودة خريجي الجامعات الإسلامية السعودية والمصرية والليبية والسودانية وغيرها إلى أوغندا.
كما أنشئت مؤسسات تعليمية بتمويل من دول إسلامية، من بينها معهد النور التابع للأزهر بمدينة ماساكا، والجامعة الإسلامية التي أنشئت عام 1988 ضمن تعاون مع منظمة التعاون الإسلامي، ويقع مقرها الرئيسي في امبالي، ولها فروع في العاصمة كمبالا ومدينة أروى، فضلا عن مدارس أخرى أنشئت بتمويل سعودي وكويتي.
ويوفد الأزهر دوريا بعثات تعليمية إلى أوغندا ويقدم سنويا منحا للطلاب، كما توجد مؤسسات تعليمية تتبع لمركز أتباع آل البيت الذي أنشئ عام 1989 لنشر المذهب الشيعي، إضافة إلى مدارس عديدة تتبع للجماعة الأحمدية القاديانية وتمنح طلابها لاستكمال دراستهم في باكستان والهند وبعض الدول الأوروبية.
نشر اللغة العربية
بفضل إقبال مسلمي أوغندا على تعلم القرآن الكريم وأحكام الإسلام وعقائده وتاريخه إذ تجعل الهيئات الإسلامية الأوغندية ذلك أولوية، أصبح للغة العربية حضور واسع في البلاد، خصوصا بين أجيال الطلاب.
وتعود جذور هذا الإقبال إلى عهد الكاباكا سونا الثاني ونجله موتيسا الأول الذي شجع التعليم الإسلامي، ثم تزايد مع نشأة المدارس والمعاهد والجامعات الإسلامية التي موّلتها منظمة التعاون الإسلامي ودول إسلامية عديدة.
ويوجد في مختلف مناطق أوغندا أكثر من 30 معهدا متخصصا في التعليم الإسلامي باللغة العربية، إضافة إلى الجامعة الإسلامية وكلية الدعوة الإسلامية الليبية، ومعهد بلال الثانوي في العاصمة كمبالا، ومؤسسات جامعية أخرى عديدة.
وفضلا عن دروسها النظامية، تقدم هذه المؤسسات التعليمية دورات خاصة بتعليم العربية للناطقين بغيرها من المسلمين الراغبين في تعزيز فهمهم للإسلام والقرآن.
Source: Apps Support