“تحت الأضواء: استكشاف شخصيات الأبراج وفن الأطفال في الثقافة العربية”

افتتاح مهرجان أفلام السعودية على وقع الألحان الأوبرالية الحية

على وقع الألحان الأوبرالية والنغمات الموسيقية، افتتح مهرجان أفلام السعودية دورته الجديدة بحفل فني جمع بين الصوت والصورة، وجمالية السينما والموسيقى.

بدأ الحفل بعرض موسيقي حيّ قلما يحدث في افتتاحات المهرجانات السينمائية. وصاحبت العرض مؤثرات بصرية على شاشة عملاقة، عرضت نجوم السينما العالميين والعرب بالإضافة إلى النجوم السعوديين، تقديراً لأعمالهم الموسيقية المحفورة في ذاكرة الجمهور، التي واكبت السينما.

كما قدمت الأوركسترا مجموعة من أشهر المقطوعات الموسيقية المرتبطة بكلاسيكيات السينما العربية والعالمية، مما منح الحضور فرصة التواصل الوجداني مع تاريخ الفن السابع، وعزّز من طابع الانفتاح الفني الذي ميز حفل الافتتاح هذا العام. وتضمن الحفل عرض فيلم «سوار» للمخرج السعودي أسامة الخريجي، الذي قام بتصويره بين السعودية وتركيا.

السجادة الحمراء

ومثل العادة فإن أجواء السجادة الحمراء كانت هي الأبرز في يوم الافتتاح، حيث استقبلت أكثر من 700 اسم بارز في عالم السينما، من مخرجين وكتاب وفنانين، في مشهد احتفالي امتزجت فيه الوجوه الجديدة بالأسماء المعروفة واللامعة، مما أمد المهرجان الذي تنظمه جمعية السينما بقيمة فنية كبيرة بالشراكة مع مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء»، وبدعم من هيئة الأفلام، وتستمر الفعاليات من 17 إلى 23 أبريل (نيسان) الحالي.

وشهد حفل الافتتاح تكريم الفنان السعودي إبراهيم الحساوي الذي قدّم أعمالاً لافتة في المسرح والتلفزيون والسينما.

وفي كلمة لرئيسة قسم البرامج في مركز «إثراء» نورة الزامل، بمناسبة انطلاق الدورة الحادية عشرة من مهرجان أفلام السعودية، الذي يشكل امتداداً لدور المركز في دعم الإبداع، واحتضان المواهب السينمائية السعودية والخليجية، أكدت أن المهرجان لم يعد مجرد منصة لعرض الأفلام، بل هو مساحة حيوية تلتقي فيها العدسات وتتقاطع الرؤى، ليُعاد من خلالها تشكيل الواقع بخيال إبداعي يعكس تنوّع المجتمع السعودي وثراء هويته.

في حين أشادت رئيسة مجلس إدارة جمعية السينما، هناء العمير، بنمو الإنتاج السينمائي السعودي في الفترة الراهنة، قائلة: «من هنا اخترنا أن يكون محور المهرجان لهذا العام (سينما الهوية) لنتساءل معاً هل بدأت تتشكل ملامح واضحة لهوية أفلامنا أم أننا لا نزال في مرحلة التلقي والتأثر؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف ننتقل إلى موقع التأثير والإضافة في المشهد السينمائي الإقليمي والعالمي؟».

برنامج حافل

يتضمن المهرجان عرض 7 أفلام روائية سعودية وخليجية طويلة، كما سيكون هناك 22 فيلماً قصيراً خليجياً، من بينها 12 فيلماً سعودياً. ويصاحب ذلك 4 ندوات و4 برامج تدريبية، بالإضافة إلى عقد 3 جلسات تتخللها فعاليات توقيع كتب الموسوعة السعودية للسينما، إضافة إلى ذلك سيضم سوق الإنتاج 22 مشروعاً و 22 جهة عرض.

يشار إلى أن هذا هو المهرجان السينمائي الأقدم في السعودية، حيث انطلقت أولى دوراته عام 2008، ليصبح لاحقاً منصة محورية لدعم السينما السعودية وتعزيز مكانة صناعها من خلال العروض والمنافسات والبرامج المتخصصة. وتأتي هذه الدورة تحت عنوان «سينما الهوية»، حيث تم التركيز على تقديم أفلام تعبّر عن الذات الفردية والجماعية، إلى جانب تسليط الضوء على تجارب عربية وعالمية مماثلة. وتتوزع العروض على عدد من المسابقات: «الأفلام الروائية الطويلة، والأفلام القصيرة، والأفلام الوثائقية»، إضافة إلى برنامج خاص بعنوان «أضواء على السينما اليابانية»، إضافة إلى عروض موازية تدعم التنوع الفني.

Source: إيمان الخطاف


«عشرون»: في مواجهة الذاكرة المُهدَّدة والفراغ المُعلَّب

في عالم يضجّ بالصخب، وتحتدّ فيه المعركة بين العمق والتسطيح، يُشكّل برنامج «عشرون» علامة مضيئة على طريق حفظ مكانة الفكر والثقافة. ووفق مُعدّته ومقدّمته، الإعلامية اللبنانية مايا الحاج، يتخطّى العمل كونه مجرّد برنامج تلفزيوني، ليغدو مشروعاً نقديّاً طموحاً يُطلّ عبر شاشة «العربي 2» القطرية، مُقدّماً رحلة تأمُّلية في أهم الأعمال الأدبية والفنّية العربية، وفق صيغة عدٍّ تنازليّ تنطلق من الرقم عشرين وتبلغ المرتبة الأولى، ليس لتُحدّد «الأفضل» بمفهومه التنافسي، وإنما لتفتح باباً لنقاش أوسع حول المفيد والمؤثّر والجدير بالتأمُّل.

تنقل مايا الحاج إلى الشاشة شغفها بالأدب والفنّ، ووعياً نقدياً يستبطن قيمة الزمن الثقافي وضرورات مراجعته. من روحية الاستفتاءات التي دأبت عليها الصفحات الثقافية العالمية، منها التي تنشرها «نيويورك تايمز» مثلاً عن أفضل 100 رواية في القرن العشرين، أو أهم الإصدارات الأدبية خلال عام بعينه؛ تستمدّ الحاج وفريق العمل الشكل البنيوي للبرنامج. غير أنّ «عشرون» يتجاوز الاكتفاء بالنموذج، ليُعيد إنتاجه عبر مرآة الواقع العربي وتفاصيله المتشعِّبة، مُتكئاً على رأي الخبراء، لا على انطباعات عابرة.

وما يمنح البرنامج قوّته وصدقيّته، هو استناده إلى نحو 300 ناقد وأكاديمي من مختلف المجالات الإبداعية: من الرواية والشعر والموسيقى، إلى السينما والدراما، والعمارة، والفنون التشكيلية… توضح مايا الحاج لـ«الشرق الأوسط» أنّ هذه الاستعانة لم تكُن خياراً تجميلياً، وإنما ضرورة معرفية ومنهجية، لئلا تبقى آلية الاختيار أسيرة ذائقة فردية أو قرارات مؤسَّسية: «أردنا منح الحُكم لأهل المعرفة، عوض أن تُحتكر الأحكام داخل الغرف المُغلقة لفريق إعداد أو جهة تلفزيونية. الموضوعية مستحيلة إنْ لم نستند إلى أهل الاختصاص، وسط هذا الزمن الذي تتداخل فيه الأصوات، وتتداخل معها شرعية النُّطق باسم الثقافة».

يحرص البرنامج على تنوّع الأجيال؛ فتلتقي أصوات الشباب مع خبرات المخضرمين، وبعضهم تجاوز الـ80 من عمره. وكان ثمة أيضاً حرصٌ على التوازن الجندري؛ فتُعطَى آراء النساء حضوراً وثقلاً أسوةً بآراء الرجال، وعلى امتداد الجغرافيا العربية من الخليج إلى بلاد الشام، ومن وادي النيل إلى بلاد الأمازيغ.

«هذا الخليط المتعدِّد»، تقول الحاج: «يمنحنا رؤية أوسع، كما يمنح الأعمال مساحة حقيقية لإعادة قراءتها بعيداً عن الاستقطاب والهوى. 30 ناقداً في كل حلقة؛ وفي المجموع نحو 300 صوت، يشاركون في الترشيح، وأيضاً في استعادة أسئلة كبرى عن الذائقة والتحولات ومعايير الحُكم».

ومع ذلك، تؤكد مايا الحاج أنّ البرنامج لا يكتفي بوضع قائمة «الأفضل»، وإنما يرمي إلى شيء أبعد: إعادة الإضاءة على الأعمال التي صنعت الذاكرة الثقافية العربية. وتُشدّد: «لسنا في مسابقة، ولا نلهث خلف تصنيفات. ما نفعله أشبه بإعادة التذكير، وبصناعة معرفة ضرورية لجيل يعاني فراغَ المعنى وسط زحمة المؤثّرين، وانهيار المعايير، وسطحية المحتوى الذي تفرضه مواقع التواصل والإنتاجات المعلَّبة».

في هذا الزمن، حيث تُهيمن النزعة التجارية، وحيث تُختزل الثقافة في «ترند»، ترى الحاج في برنامجها واجباً أخلاقياً قبل أن يكون مشروعاً إعلامياً: «هويتنا مهدَّدة بسبب ما يُفرض علينا، لا ما نختاره. جيل الشباب يُقاد إلى حياة لا تُشبهه، ونحن أيضاً نُقَاد. لهذا يجب أن نُبقي للنور منفذاً. لسنا معنيين فقط بنسب المشاهدة. نحن معنيون بصناعة الأثر وصون ما تبقّى من ذائقة».

ولتصحيح انطباع سائد عن الثقافة بوصفها «مادة جافة»، يُقدّم البرنامج أعماله في سياق سرديّ بصري، فيتحوّل كل ترتيب ضمن الحلقة إلى «شريط وثائقي مُصغّر». فكل عمل يُسرَد عبر قصته، وكواليسه، وتحدّياته، وربما أسراره التي لا يعرفها القارئ أو المُشاهد العادي. أحياناً يُستضاف المبدع نفسه، أو أحد أفراد عائلته، أو ناقد رافقه طويلاً، لتُروى الحكاية من الداخل، ومن الهامش الذي لا يُكتب.

تتابع: «بهذا البُعد التوثيقي والمعرفي والسردي، يُحاول البرنامج أن يملأ فراغاً في المشهد التلفزيوني العربي، الذي كثيراً ما يدير ظهره للمادة الثقافية، أو يجعلها في ذيل اهتماماته».

لذا، يَعبُر «عشرون»، في نظر مايا الحاج، من مجرّد برنامج عن ترتيب الأعمال، إلى مشروع في قلب المعركة الثقافية. وهي معركة لا تُخاض بالسلاح، وإنما بالكلمة والذاكرة والاختيار.

تختم بكلمات تُلخّص موقفها من الثقافة اليوم: «العالم يتغيَّر، ولا يمكن للمثقّف أن يظلَّ جامداً، أو أن يعيش في الماضي. لكن إنْ لم نملك مرونة نقدية داخل هذا التغيير؛ فسنبقى نتحرّك داخل العزلة. الثقافة اليوم ليست أن نتشبّث بما كان، وإنما أن نعيده إلى الضوء بشروط العصر من دون أن نفقد روحه».

Source: فاطمة عبد الله