“فانتازيا” الاستيلاء على غزة وصندوق عجائب الرئيس ترامب

“فانتازيا” الاستيلاء على غزة وصندوق عجائب الرئيس ترامب

الأرض.. مجرد استثمار آخر

بحقائق التاريخ والجغرافيا وطبيعة الصراع الممتد، ليست غزة غرينلاند أو بنما، ويشير الكاتب بيتر بيكر في صحيفة نيويورك تايمز (5 يناير/كانون الثاني) في تعليقه على قرار ترامب حول غزة إلى أن الرئيس الأميركي “في ولايته الثانية في البيت الأبيض يطرح أفكارا أكثر وقاحة حول إعادة رسم خريطة العالم على غرار الإمبريالية في القرن التاسع عشر”.

يستحضر الرئيس الأميركي في مقاربته إرثا أميركيا خالصا عندما يتحدث عن تهجير سكان غزة وإقامة “ريفيرا الشرق الأوسط”، إذ إن فكرة إزالة شعب والاستيلاء على أراضيه التاريخية تتعلق بصفقات عقارية من النوع الذي يستهويه كمطور عقاري، وهي الفكرة التي لازمت القادمين إلى العالم الجديد بعد كريستوفر كولومبوس، ولازمت أيضا الحركة الصهيونية ومشروعها الاستيطاني في فلسطين.

لم تنشأ الولايات المتحدة كوطن وإنما نشأت كموطن أو “فرن صهر” -كما إسرائيل- وقامت في الأصل على نظرية المنفعة أو المصلحة التي لا تستند إلى قواعد أخلاقية أو تاريخ أو احترام حق الشعب أو جذوره، فقد كانت الشركات المساهمة المحدودة المسؤولية -وهي اختراع أميركي- هي أساس الدولة التي نشأت لاحقا.

كانت فرجينيا على الساحل الشرقي هي أول مواطن الهجرة إلى العالم الجديد. سميت المدينة لاحقا ثم الولاية بأكملها باسم الشركة التي أسسها مغامرون ووافدون وهاربون وحالمون أوروبيون، وشركاء لهم في العالم القديم، وتوسعت أعمالها بشكل هائل، على حساب السكان الأصليين. كانت الأرض مجرد مشروع استثماري وراء البحار.

بدا أصحاب الأرض -الهنود الحمر- عائقا أما تلك الشركات، فهم غير قابلين للتمدين أو خدمة هؤلاء الذين انقضوا عليهم من الشرق، ولا للانخراط في حمى العالم الجديد الذي قوض عالمهم القديم، فظهرت فكرة الإبادة والتهجير والاستيلاء على الأرض بالتوسع بقدر ما تصل جياد هؤلاء القادمين من الشرق وقوة سلاحهم ووفرة طلقات رصاصهم، وهو ما فعلته أيضا الحركة الصهيونية برعاية غربية في فلسطين.

لاحقا نشأت الدولة الأميركية بقوة السلاح والتطهير العرقي ثم التوسع والشراء، ثم بقوة رأس مال جبارة صنعتها الموارد الهائلة، بفضل “البارونات اللصوص” كما يسميهم المؤرخ الإنجليزي الشهير بول جونسون في كتاب “العملاق” (Colossus) الصادر في نيويورك عام 2001، وهو يقصد كبار ملاك الشركات الذين سيطروا على القرار والدولة.

باتت الولايات المتحدة دولة “فائقة القوة” (hyperpower) ذات موارد غير محدودة، ورثت الإمبراطوريات القديمة، متحللة من التاريخ أو العواطف أو قوة الأواصر التي تربط الناس أو الأمة بوطن أو أرض، أو الهوية بمعناها التاريخي التراكمي.

لذلك لا يفهم ترامب أو غيره من الرؤساء الأميركيين بدرجات متفاوتة ذلك الارتباط الفلسطيني العاطفي بأرضه وتاريخه ومقدساته كما لم يفهموا تعلق الهنود الحمر بأرضهم، وهم لا يحبون الحديث عن الماضي سوى الأساطير الإسرائيلية المختلقة، بل يحبون الحديث عن المستقبل من وجهة نظرهم، ومنطق المنفعة والمصلحة كمحصلة تجربة الولايات المتحدة في نشوئها.

Source: Apps Support