الصهيونية الدينية.. وخطر الاستيطان
الخير ليس خيراً في جوهره، بل في ممارساته الأخلاقية، كما قد يكون هناك خير في بعض الشر لا يستطيع البشر إدراكه، وإذا ما أردنا فهم الخير والشر في الصهيونية الدينية والتيار الديني القومي في السياسة الإسرائيلية، فسنجد بين الشر والخير برزخ لا يلتقيان أبداً. وأرى النخبوية في تفسير وفهم الدين الحصري في كل الثقافات سلاحاً فتاكاً بيد قلة بيدها تبرير ممارسات غير أخلاقية، وتحاول عبثاً أن تنسبها للرب، بل وتحول التعليم الديني إلى مصانع أيديولوجية.فمن النص إلى الاستراتيجية لم تكن النصوص المقدسة مجرد خلفية رمزية، بل شكلت حجر الأساس في العقيدة الصهيونية. ففي سفر التكوين 15:18 «لنسلك أعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات»، هذه الجملة تقرأ اليوم في السياق الصهيوني على أنها خريطة جغرافية مقدسة يجب تحقيقها. وأما سفر يشوع وسفر العدد فيدعوان إلى طرد «الكنعانيين» وغيرهم من الشعوب القديمة، مع وعد إلهي بتحقيق النصر في حال الالتزام بالتكليف الرباني. وبدوره يأتي التلمود البابلي ليعزز هذا الخطاب من خلال تقسيم الناس إلى «يهود» و«أمم» (غوييم)، والتقسيم إلى بشر وغير بشر. وأموال الآخرين لا مالك لها.. ونصوص كثيرة. وعصرنة النصوص لا تمنحنا الحق في تأصيل فهمنا وجعله مرادفاً لها. ولكن في الوقت نفسه تعد تشريعات وحجة غائبة تم استدعاؤها خارج النص التاريخي لتستغل بصورة خاطئة، وتسمح أحياناً بأخذ ممتلكات غير اليهود، بل وحتى إلحاق الأذى بهم، إن تعارض وجودهم مع مصلحة الشعب المختار.لم تكن الصهيونية الدينية تياراً هامشياً، بل كانت دوماً القلب النابض للاستيطان في الأراضي المحتلة، هذا التيار الذي يرى في قيام دولة إسرائيل الخطوة الأولى نحو الخلاص الإلهي، لا يعتبر الاستيطان خياراً سياسياً، بل واجب ديني على غرار حركة «غوش إيمونيم»، التي تأسست عام 1974، وشكلت نقطة الانطلاق للاستيطان العقائدي في الضفة الغربية. أما الأحزاب السياسية مثل الصهيونية الدينية وشاس والبيت اليهودي، فقد نجحت في تحويل هذه العقيدة إلى قوانين وسياسات تطبقها الدولة، وفتاوى الإقصاء والتكفير ليس لها أول ولا آخر. ففي عام 2001 صرّح الحاخام عوفاديا يوسف بأن «العرب خلقوا لخدمة اليهود»، هذا التصريح لم يقابل بالإدانة الرسمية، بل حظي بدعم من تيارات حريدية نافذة. وتصريحات الحاخامات مثل دوف ليئور وإسحاق غينسبورغ تسير في الاتجاه ذاته وتبشر بمفاهيم «الطهر العرقي»، وتحرّض على هدم المساجد وطرد العرب باسم «القداسة». وأما في عام 2009 فقد صدر كتاب «توراة الملك»، الذي يجيز قتل غير اليهود، حتى الأطفال، إذا اعتبروا تهديداً محتملاً. هذا الكتاب لا يزال متداولاً ويدرّس في بعض مدارس المستوطنين، ولم نسمع الغرب يحتج أو يدين أو يطالب بإيقاف ذلك، وصنفوا التحريض على أنه حرية فكر في تناقض صارخ ومشين، وبالتالي كل الجهود لتحقيق السلام لا معنى لها، طالما أن جذور المشكلة لا تعتبر مشكلة في الطرفين.لا يتوقف الأمر عند ذلك، ويعتقد البعض أن المؤسسات التي تنشر العنصرية والمفاهيم الإقصائية من صميم مؤسسات الدولة، ففي عام 2024 أكثر من 750 ألف مستوطن في الضفة الغربية، 60% منهم ينتمون إلى تيارات صهيونية دينية، وبالتالي إن تداخل الدين بالسياسة في إسرائيل فقد ينظر له على أنه نظام فصل عنصري، يجد في نصوصه المقدسة مبرراً دائماً للتوسع والإقصاء وشرعنه القتل للمدنيين، فكيف ينجح أي حل سياسي ما لم يفكك هذا الإطار العقائدي؟ ومن يحول احتلال الأرض إلى عبادة، وطرد الإنسان إلى طهارة، وتدمير التاريخ إلى قداسة، فإن المواجهة معه تكون حضارية ومعرفية في المقام الأول، ويكمن التحدي الأكبر في إعادة تعريف العلاقة بين الدين، والحق، والإنسان. *كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات
Source: مركز الاتحاد للأخبار