تعدّدت الأشكال و«هوَس البروتين» واحد
البروتين في كل مكان والجميع يريد كميات إضافية منه. يتكدّس فوق رفوف السوبر ماركت على شكل مغلّفاتٍ جذّابة، تحتوي على كل ما هو مدعّم به، من ألواح الشوكولاته وصولاً إلى ألواح الحمّص! ووفق دراسة أجرتها جامعة فلوريدا، فإنّ العنوان العريض لعام 2025 في مجال التغذية يصلح أن يكون «جنون البروتين» الذي يستحوذ على اهتمام الكل، كباراً وصغاراً.
خلال السنوات القليلة الماضية، تحوّل هذا المكوّن الغذائيّ إلى ظاهرة و«تريند». لم يبقَ الحديث عنه محصوراً في عيادات التغذية وأندية الرياضة، بل امتدّ إلى الصالونات وحتى صفحات التواصل الاجتماعي.
تردّ إخصائية التغذية جويل نهرا هذا الهوَس بالبروتين إلى رغبةٍ لدى المستهلك في أن يحافظ على نحافته، وأن يبني عضلاته في آنٍ معاً. لكنها تحذّر في المقابل من أنّ هذا الاعتقاد خاطئ. توضح نهرا في حديثها مع «الشرق الأوسط» أنّ «البروتين يساعد في نموّ العضل ويمنح شعوراً بالشبَع، لكنّ الاكتفاء به ليس الطريقة المثلى لخسارة الوزن». وتشدّد إخصائية التغذية على أنّ «الحمية الغذائيّة المثلى تقوم على المعادلة بين البروتين والنشويّات والدهون الجيّدة».
من أجل البروتين… شيبس بالدجاج!
وجدت المصانع الغذائية العالمية في هذا الهوَس المستجدّ مصدراً للربح، فباتت تتنافس لابتكار ما يجذب المستهلك. دخل البروتين إلى القهوة، والسكاكر، وقوالب الحلوى، والمثلّجات، وحتى المياه!
ذهبت إحدى الشركات الأميركية إلى حدّ تصنيع رقائق الشيبس بالبروتين، أما مكوّناتها فهي صدر الدجاج وبياض البيض ومرقة العظام. مع العلم بأنّ تلك الابتكارات ما عادت تستهوي روّاد النوادي الرياضية حصراً، إنما تشهد نسبة مبيعات مطّردة بما أنّ الجميع يريد إضافة البروتين إلى نظامه الغذائي.
بيتزا وباستا البروتين
حتى الوجبات الأساسية باتت مدعّمة بالبروتين، على رأسها البيتزا والباستا. وإذا تفحّصنا مكوّنات المعكرونة الغنية بالبروتين، يتبيّن أنها عبارة عن مزيج من طحين القمح الذي يُضاف إليه طحين العدس والبازلاء والحمّص، إلى جانب فيتامين «ب» والحديد. وينطبق الأمر ذاته على عجينة «بيتزا البروتين»، التي يُضاف إليها البيض والجبن.
لا تمانع نهرا الاعتماد على تلك البدائل، خصوصاً لروّاد النوادي الرياضية. لكنها تلفت إلى ضرورة تناولها باعتدال والتنبّه إلى المكوّنات، فهي التي تحدّد جودة المنتَج وغناه الفعلي بالبروتين. أما أبرزها فهي بروتين الصويا، ومصل اللبن ومادة الكازيين.
أسباب الهوَس بالبروتين
بالعودة إلى الهوَس المستجدّ بالبروتين، يربطه خبراء التغذية كذلك برواج عقاقير التنحيف مثل «أوزمبيك»، و«ويغوفي»، وغيرها من حقنِ يستخدمها الناس مؤخراً بهدف خسارة الوزن. سارت موضة البروتين إذاً بالموازاة مع موضة «أوزمبيك».
فخلال رحلة التنحيف، يخاطر مستخدمو تلك العقاقير ببنيتهم العضليّة، لأن خسارة الوزن تعني حُكماً خسارة العضلات. لذلك يلجأ كثيرون إلى ترميم العضل عبر تناول الأطعمة الغنية بالبروتين.
إلى جانب موضة «أوزمبيك»، كانت لوسائل التواصل الاجتماعي اليد الطولى في الترويج للبروتين وتحويله بالتالي إلى «تريند». واكبت «السوشيال ميديا»، على رأسها منصة «تيك توك»، الناس في سعيهم الحثيث إلى النحافة والحصول على جسمٍ رياضيّ. أسهمت الفيديوهات المنتشرة على شاشات الهواتف، في تحويل بودرة البروتين من مادّة خاصة بالرياضيين المحترفين إلى مكوّن متوفّر في غالبيّة المنازل.
من حمية «الكارنيفور» (أكلة اللحوم) إلى مزيج «الدايت الكولا» مع شراب البروتين، هذا بعضٌ ممّا انتشر بكثافة على «تيك توك». وقد تحوّل الأمر إلى موجة ركبها المتابعون. وعلى ألسنةِ المشاهير والمؤثّرين، بات البروتين أشبه بالسحر الذي يجعلك تبدو نحيفاً وقوياً في آنٍ معاً.
أي بروتين نختار… الطبيعي أم المصنّع؟
هذا الرواج غير المسبوق للبروتين المُصنّع والمضاف إلى سلع غذائيّة جذّابة، كاد يُنسي المستهلك الحقيقة. فالبروتين مادّة حيويّة موجودة في الغذاء الطبيعي، ويستغرب خبراء التغذية لجوء الناس إلى البودرة والأغذية المصنّعة، في وقتٍ يمكنهم فيه استبدال رقائق البروتين بالبيض المسلوق مثلاً، أو بصدر دجاج.
وفق خبيرة التغذية جويل نهرا، فإنّ أفضل مصادر البروتين هي تلك الحيوانيّة؛ أي اللحوم، والدجاج، والأسماك، والبيض. تليها الحبوب وفي طليعتها العدس، والفاصولياء، والحمّص، والفول. تُضاف إلى قائمة الأغذية الطبيعية الغنية بالبروتين، وإن بنِسَبٍ أقلّ، الخضار ذات اللون الأخضر الداكن؛ مثل: السبانخ، والبروكولي، والهليون.
يفضّل إخصّائيو التغذية هذه المصادر الطبيعية للبروتين على تلك المصنّعة، وغالباً ما يشدّدون على أنّ المصادر النباتية تُسهم في التحضير لشيخوخة صحية، لما تحتوي من ألياف وفيتامينات ومعادن.
لكن ماذا عن بودرة البروتين؟ وهل هي بديل أو مكمّل سليم للمصادر الطبيعية؟
تجيب نهرا أنّ «بودرة البروتين بديلٌ آمن، ويمكن إضافتها إلى الوجبات والمشروبات، لكن بكمياتٍ معتدلة». وتضيف أنه من المفضّل أن يكون مصدرها نباتياً عضوياً.
كمية البروتين المسموح بها يومياً
وفق القاعدة العلميّة المتعارف عليها عالمياً، فإنّ كمية البروتين التي يجب تناولها يومياً هي 0.8 غرام عن كل كيلوغرام من وزن الشخص. توضح نهرا: «إذا كنا نتحدّث عن وزن 65 كيلوغراماً مثلاً، يجب أن تكون كمية البروتين اليومية 52 غراماً». وتضيف: «لكن إذا كان الشخص يمارس الرياضة بشكلٍ دوريّ، يجب أن ترتفع نسبة البروتين التي يتناولها من أجل ترميم العضل، ويمكن الوصول إلى 2.2 غرام يومياً عن كل كيلوغرام من وزن الشخص».
بما أنّهم بحاجة إلى كمياتٍ أكبر من البروتين، من الطبيعي أن يلجأ الرياضيون إلى البودرة. مثلهم يفعل الأشخاص ذوو الانشغالات الكثيرة، الذين لا وقت لديهم لتحضير وتناول وجبات يومية غنيّة. كما أن بودرة البروتين بديل مناسب للأشخاص ذوي الشهية المحدودة.
متى يصبح البروتين مضراً؟
مقابل فوائد البروتين الكثيرة ثمة محاذير يجب التنبّه إليها. أولاً، ليس من المستحبّ التركيز على الأطعمة الغنية بالبروتين وإهمال النشويات والدهون الجيّدة، لأنّ ذلك قد يؤدّي إلى مشكلاتٍ صحية في طليعتها ضعف العضل.
بالإضافة إلى ذلك فإنّ تناول كميات كبيرة من البروتين، أي أكثر ممّا هو مسموح به يومياً، قد يتسبّب بزيادة الوزن. كما أنّ حميات البروتين المرتكزة إلى اللحوم الحمراء والأطعمة المصنّعة قد تزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والكلى.
Source: كاتب
اللحوم الحمراء «أكثر صحية» في الدراسات العلمية المموَّلة من الشركات
في مراجعة نُشرت حديثاً في المجلة الأميركية للتغذية السريرية (American Journal of Clinical Nutrition)، توصّل العلماء إلى استنتاج مُقلق، إذ بدت اللحوم الحمراء أكثر صحية في الدراسات التي موّلتها شركات اللحوم الحمراء، كما كتبت كارولين هوبكنز ليغاسبي(*).
تضارُب المصالح
لا يبدو هذا مُستغرباً لأي شخص مُطّلع على أبحاث التغذية، التي غالباً ما تنطوي على تضارب في المصالح بسبب نقص التمويل الحكومي. ولكنه مثال آخر على كيف يُمكن للدراسات المُرتبطة بالشركات أن تُؤثر في طريقة فهم الناس، وربما سوء فهمهم، للعواقب الصحية لما يتناولونه.
أبحاث سابقة مريبة حول تقليل أضرار السكر
على سبيل المثال، قلّلت أبحاث سابقة موّلتها شركات صناعة السكر من أهمية العلاقة بين السكر والحالات الصحية مثل السمنة وأمراض القلب. كما أشارت دراسات موّلتها شركات صناعة الكحول إلى أن الشرب المُعتدل يُمكن أن يكون جزءاً من نظام غذائي صحي.
أدلة متباينة حول اللحوم الحمراء
وقال ميغيل لوبيز مورينو، الباحث في جامعة «فرنسيسكو دي فيتوريا» في إسبانيا، الذي قاد التحليل الجديد، في رسالة بريد إلكتروني، إنه يريد معرفة ما إذا كانت هناك مشكلات مماثلة تواجه البحث المتعلق باللحوم الحمراء غير المصنَّعة. وأضاف أن اللحوم المصنَّعة، مثل اللحم المقدد والنقانق، ترتبط باستمرار بخطر الإصابة بأمراض القلب، لكن الأدلة المتعلقة باللحوم الحمراء غير المصنَّعة، مثل شرائح اللحم، كانت «أكثر تبايناً».
حملة أميركية لتقليل شأن أضرار الدهون المشبَّعة
يأتي هذا السؤال في وقته المناسب، حيث تحدثت شخصيات مؤثرة مثل وزير الصحة الأميركي، روبرت إف. كينيدي الابن، ومقدمو بودكاست مثل جو روغان وليكس فريدمان، بشكل إيجابي عن الأنظمة الغذائية الغنية باللحوم، وقللوا من المخاطر الصحية للدهون المشبعة، مما أثار قلق خبراء الصحة العامة.
لطالما عرفنا أن تناول الدهون المشبعة، الموجودة بكثرة في اللحوم الحمراء، يرتبط بأمراض القلب والأوعية الدموية. فبماذا تخبرنا هذه النتيجة الجديدة عن كيفية تأثير المصالح المالية في فهم الناس لما هو مفيد لهم؟
والآن، إليكم ما يقوله الخبراء.
ما توصلت إليه المراجعة الجديدة
حلل مورينو وفريقه من مؤسسات بحثية في إسبانيا، 44 تجربة سريرية نُشرت بين عامي 1980 و2023. وبحثت الدراسات في كيفية تأثير تناول اللحوم الحمراء غير المصنَّعة على خطر إصابة المشاركين بأمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك قياس مستويات الكوليسترول وضغط الدم والدهون الثلاثية لديهم.
شملت الدراسات الـ44، التي أُجري نصفها في الولايات المتحدة، بالغين تناولوا لحوماً حمراء غير مصنَّعة أو اتبعوا نظاماً غذائياً مُقارناً (لإنقاص الوزن) لعدة أسابيع أو أشهر. شملت بعض الدراسات بالغين أصحاء، بينما ركزت دراسات أخرى على من لديهم عوامل خطر للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، مثل ارتفاع الكوليسترول أو السمنة.
دراسات مموَّلة من شركات اللحوم
من بين الدراسات الـ44 التي حلَّلها العلماء، حصلت 29 دراسة على تمويل من مجموعات صناعية مرتبطة باللحوم الحمراء، مثل الرابطة الوطنية لمربي الماشية والمجلس الوطني للخنازير. أما التجارب الـ15 المتبقية، فقد مُوّلت من منح حكومية أو مؤسسات أكاديمية أو مؤسسات غير ربحية لا صلة لها بالصناعة.
نتائج إيجابية ومحايدة في دراسات الشركات
وجد مورينو وزملاؤه أن التجارب المموَّلة من صناعة اللحوم الحمراء كانت أكثر احتمالاً بأربع مرات تقريباً، للإبلاغ عن نتائج إيجابية أو محايدة في أمراض القلب والأوعية الدموية بعد تناول اللحوم الحمراء غير المصنَّعة، مقارنةً بالدراسات التي لا توجد بها مثل هذه التمويلات.
وفي حين أفادت جميع الدراسات المموَّلة بشكل مستقل بنتائج سلبية أو محايدة في أمراض القلب والأوعية الدموية، أفادت الدراسات المموَّلة من الصناعة بنتائج إيجابية أو محايدة.
ولم يُبلغ مؤلفو المراجعة الجديدة عن أي تضارب لديهم في المصالح أو عن روابط مع صناعة الأغذية.
صورة مُربكة للجمهور
قالت ديردري توبياس، الأستاذة المساعدة في الطب بكلية الطب بجامعة هارفارد، إنه عندما يرى الشخص العادي مجموعة من التجارب التي تدرس موضوعاً واحداً ولكنها تحصل على نتائج مختلفة، فقد يكون من الصعب معرفة ما يجب تصديقه. وأضافت أن هذا يمكن أن «يقوض علم التغذية». وكتبت توبياس، في افتتاحية في المجلة الأميركية للتغذية السريرية رافقت الدراسة الجديدة، أن هذه النتائج المختلفة ربما تكون نابعة من كيفية إعداد الدراسات في المقام الأول.
يمكن لدراسات التغذية الفردية أن تُبيّن كيفية مقارنة الآثار الصحية لبعض الأطعمة مع آثار أطعمة أخرى محددة. ولكن لإثبات ما إذا كان طعام معين، أو مجموعة غذائية كاللحوم الحمراء، مفيداً أم ضاراً بالصحة بشكل عام، فإنه يجب على العلماء النظر في نتائج عديد من الدراسات المختلفة التي تُقارنه بجميع المجموعات الغذائية والأنظمة الغذائية المُمكنة.
عدم مقارنة اللحوم مع الأطعمة الأخرى المفيدة
وأظهرت المراجعة الجديدة أن دراسات اللحوم الحمراء المُمولة من الصناعة، بشكل عام، أهملت مُقارنة اللحوم الحمراء بمجموعة كاملة من الأطعمة التي قد يتناولها الناس -بما في ذلك الأطعمة التي نعلم أنها مفيدة للقلب مثل الحبوب الكاملة أو مصادر البروتين النباتي مثل التوفو والمكسرات والبقوليات. بدلاً من ذلك، قارن كثير من الدراسات اللحوم الحمراء غير المُصنّعة بأنواع أخرى من البروتين الحيواني مثل الدجاج أو السمك، أو بالكربوهيدرات مثل الخبز أو المعكرونة أو الأرز.
من ناحية أخرى، قارنت الدراسات المُمولة بشكل مستقل اللحوم الحمراء بمجموعة كاملة من الأنظمة الغذائية المُختلفة -بما في ذلك أنواع أخرى من اللحوم والحبوب الكاملة والأطعمة النباتية الصحية للقلب مثل منتجات الصويا والمكسرات والفاصوليا – وفقاً لما ذكره توبياس. وأضافت أن هذه النظرة الأكثر شمولاً تُقدم صورةً أوضح لمخاطر أو فوائد اللحوم الحمراء.
إغفال متعمَّد؟
وبالطبع، لا يمكننا إثبات أن العلماء الذين صمموا الدراسات المموَّلة من الصناعة قد أغفلوا بعض المقارنات عمداً لجعل اللحوم الحمراء تبدو جيدة، كما قال الدكتور والتر سي. ويليت، أستاذ علم الأوبئة والتغذية في كلية «تي إتش تشان» للصحة العامة بجامعة هارفارد. لكنه أضاف أن هذا الاتجاه مُدمر للغاية.
وقال متحدث باسم الجمعية الوطنية لمربي الماشية، في رسالة بريد إلكتروني، إن «مزارعي ومربّي لحوم البقر يدعمون البحث العلمي المعياري»، وإن كلاً من مصادر البروتين الحيوانية والنباتية يمكن أن تكون جزءاً من نظام غذائي صحي للقلب.
ويقول خبراء التغذية إنه من الصحيح أنه يمكن أن يكون هناك مجال لكلا المصدرين من البروتين في نظام غذائي صحي. وبينما يمكننا استخدام مزيد من الدراسات -وأكبر حجماً وأطول- التي تُقارن مصادر البروتين النباتي عالية الجودة مع اللحوم الحمراء غير المُصنعة، كما قال ويليت، فإن الأدلة حتى الآن تشير إلى أن البروتينات النباتية أفضل لصحة القلب من البروتينات الحيوانية الغنية بالدهون المشبعة.
* خدمة «نيويورك تايمز
Source: «الشرق الأوسط