“Performing Arts Spotlight: منذر رياحنه يُعيد إحياء يوسف بن تاشفين في الزلاقة 2”

الإنسانيّة في مواجهة القتل… مهرجان عمّان السينمائي بعيون رئيسته الأميرة ريم علي

يتحدّث الموسيقي اللبناني خالد مزنّر عن رحلته مع تأليف موسيقى الأفلام. يتوقف عن الكلام ليأخذ فاصلاً موسيقياً، فيسترجع مع الحضور نغماتٍ أحبّوها من «سكّر بنات»، و«هلأ لوين»، و«كفرناحوم». تصغى إليه وإلى ألحانه بإمعان الأميرة ريم علي؛ فـ«الموسيقى روح السينما»، وفق ما تقول مؤسِّسة ورئيسة «مهرجان عمّان السينمائي الدولي» في حوار خاص مع «الشرق الأوسط».

حرصت على حضور الندوة المقامة على هامش «أيام عمّان لصنّاع الأفلام»، ليس لشغفها بالموسيقى والسينما فحسب، بل لأنّ اللقاء مع «أصوات المستقبل»؛ أي الجيل الصاعد، وفق تعبيرها، يبثّ فيها الحياة ويحرّضها على مزيدٍ من الأمل والاطّلاع. ومعظم الحضور هم من هذا الجيل الذي يرسم بأنامله وأفكاره ملامح السينما العربية الآتية.

السينما في مواجهة الصواريخ

كان الطريق إلى الدورة السادسة من المهرجان هذه السنة محفوفاً بالمخاطر. «عندما بدأت الصواريخ تحلّق فوق رؤوسنا، وقعنا في الحيرة: هل نكمل أو نلغي الفعاليات؟»، تبوح الأميرة ريم علي. المواجهة بين إيران وإسرائيل التي طالت شظاياها الأردن، دفعت بعدد من ضيوف المهرجان السينمائي إلى الاعتذار عن عدم الحضور، إلا أن القرار النهائي صدر: «حتى لو استمر القصف كنا سنواصل. سنحرص على إحاطة ضيوفنا بأقصى تدابير الأمان، لكن ممنوع أن نقطع عن شبابنا ومجتمعنا جرعة الثقافة التي يترقّبونها من سنة إلى سنة».

هذا الحدث السينمائي المستمر منذ 6 سنوات، يقدّم نفسه على أنه مرآة لقضايا الناس، وتعبير عن الثقافة الأردنية والعربية عموماً. «حملنا لواء المقاومة الثقافية والفنية. ليس من المنطقي بالتالي أن نسمح لأي شيء بأن يعترض طريق المهرجان أو أن يدمّره، ولا أن يخيّب آمال الأجيال الصاعدة التي لديها توقّعات من هذا الحدث الجامع»، تقول الأميرة ريم علي.

تُرجمَ هذا الإصرار في الكلمة التي ألقتها خلال افتتاح المهرجان: «نعم تعمّدت أن أطلق موقفاً واضحاً في خطابي: قررنا أن نقيم هذه الدورة؛ لأننا نرفض الموت ثقافياً، حتى لو كانت أدوات القتل والدمار تحلّق فوق رؤوسنا». وتضيف: «لم نكن نريد لأي أحد لا يؤمن بالحياة ولا بقيَمِنا ولا بالإنسانية، أن يَحول دوننا ودون إقامة المهرجان».

لحسن الحظ، توقفت المواجهات وسلك المهرجان طريقه إلى الدورة السادسة. من المنطقة العربية وعواصم العالم، حضر الضيوف من صنّاع أفلام وممثلين ونقّاد سينمائيين وإعلاميين. كانت الأميرة ريم في استقبالهم، برفقة زوجها الأمير علي بن الحسين، وهو كذلك منغمس في الشأن السينمائي من خلال ترؤسه «الهيئة الملكية الأردنية للأفلام»، والتي تركّز اهتمامها على تطوير المواهب السينمائية الشابة وتقديم الدعم لها.

غزة أوّلاً ودائماً

تحصّنت الكلمة الافتتاحية بأسلحتها الخاصة: اللطف في مواجهة الوحشيّة، والجمال في مواجهة القبح، والسينما في مواجهة الصور السوداء. فغزة، جارة الأردن، بحاجة إلى من يطبطب على جراحها ويعاينها عن قرب. لذلك، وكما في الدورة الماضية، شُرّعت شاشات المهرجان أمام الأفلام الفلسطينية، تحديداً تلك الطالعة من تحت ركام القطاع. من بين تلك الأفلام: «المهمة»، وهو وثائقي يواكب طبيباً في مهمته الإنسانية داخل غرف عمليات المستشفيات المنكوبة. إضافةً إلى مشروع «من المسافة صفر» المستمر للسنة الثانية على التوالي، فاتحاً المجال لمخرجين من داخل غزة كي يشاركوا العالم صورة ما يجري من دون تجميل ولا تلطيف.

عن تلك الأفلام تقول الأميرة ريم علي: «اخترنا أفلاماً تعكس الواقع وتنقله بالعين المجرّدة؛ لأنه لا خيار أمامنا سوى الحديث عمّا يحصل على مرمى حجر منّا، حتى وإن كانت الصورة عنيفة في بعض الأحيان». ربما لا تستطيع السينما أن توقف الحرب، لكنها على الأقل قادرة أن تفضح قبحها، وأن تواجه القاتل الذي يحوّر المشهد والسرديّة. هذه الأفلام تقول للعالم إن التجاهل والصمت جريمة أيضاً.

إذا سئلت رئيسة المهرجان عن قضيته الأساسية، تجيب من دون تردّد: «الإنسان». تتوسّع في فكرتها قائلةً: «لعل أهم ما نقوم به هنا هو الإضاءة على الإنسانية من خلال الأفلام والضيوف والقضايا المطروحة. نفعل ذلك في مواجهة أشخاص في منطقتنا يسعون إلى تجريدنا من إنسانيتنا، لكننا لن نتوقف عن رفع أصواتنا منعاً لذلك».

تؤمن الأميرة ريم علي بأن «السينما توقظ الإنسانية واللطف في البشر». ترى في تلك الأفلام الوافدة إلى المهرجان من كل حدبٍ وصَوب، ومن كل لغةٍ وفئة سينمائية، «مساحة للتماهي والتشابك».

الاستدامة والنوعيّة

منذ دورته الأولى التي تزامنت وجائحة «كورونا»، تعلّم مهرجان عمّان السينمائي أن يسير بين الأشواك والألغام. بلغ سنته السادسة ملتزماً بإيقاعه: «لم يكن الهدف أن يكبر المهرجان قبل أوانه، ولم نؤمن بالتسرّع، بل كان همّنا الحفاظ على الاستدامة، وألّا يأتي النموّ على حساب النوعية»، توضح الأميرة ريم علي.

ينطلق من بقعةٍ جغرافية صغيرة في هذا العالم. يحتضن براعم السينما الأردنية والعربية. يحتفي بالإنتاجات المحلية، تحديداً تلك التي أبصرت النور من داخل أروقته. لكنه يشرّع في الوقت ذاته نوافذه على البعيد؛ فللسينما العالمية حصتها الثابتة في المهرجان، إلى جانب تحية خاصة لبلدان رائدة في صناعة الفن السابع. والمحطة هذا العام مع السينما الآيرلندية، وأحد أعمدتها المخرج جيم شيريدان الذي يحلّ ضيف شرف على المهرجان.

«لم يكن أي شيء من هذا ممكناً لولا جهود فريق العمل بإدارة ندى دوماني التي تضفي لمساتٍ من الحب والاحتراف»، تتحدث الأميرة ريم علي بامتنان عن «رؤية وجهود» مديرة المهرجان التي كانت لها اليد الطولى في تطويره عاماً تلو آخر.

كل ذلك انعكس إيجاباً على السينما الأردنية التي أثمرت 11 فيلماً مشاركاً في المهرجان هذا العام، وهو الرقم الأعلى منذ انطلاقة الحدث السينمائي «في دليل واضح على نمو الصناعة السينمائية الأردنية نوعيةً وكميةً، ومنها ما وصل إلى المهرجانات العالمية»، تقول الأميرة ريم علي بفخر.

تغادر المكان وفي رأسها ألحان فيلم «كاراميل» لنادين لبكي الذي تحبه كثيراً، وفي عينَيها ابتساماتُ الجيل السينمائي الصاعد. فكما تبثّ الموسيقى روحاً في الأفلام، يبثّ المهرجان أملاً في قلوب المواهب الشابة.

Source: كاتب