لماذا يهتم فانس وترامب بمسيحيي وأقليات سوريا؟
واشنطن ـ فاجأت تصريحات جي دي فانس نائب الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول أوضاع مسيحيي سوريا والخوف على مصيرهم في ظل التغيرات الواسعة التي تشهدها البلاد، الخبراء الأميركيين الذين شككوا في اكتراث إدارة ترامب بالشأن السوري الذي لم يلق اهتماما من البيت الأبيض منذ البداية الثانية لحكم ترامب.
قال فانس لشبكة فوكس الإخبارية إن الأحداث الأخيرة في سوريا تبدو سيئة للغاية، مشيرا إلى أن بلاده تحاول تحديد مدى سوء ذلك بالضبط، “سواء كان حادثا معزولا أو ما إذا كنا نتحدث عن إبادة جماعية”، مؤكدا أن “هناك الكثير مما يمكننا فعله دبلوماسيا واقتصاديا لحماية بعض هذه المجتمعات”، وأن بلاده لا تريد “رؤية مجتمع مسيحي آخر يمحى عن وجه الأرض”.
وكانت إدارة ترامب قد أدانت قيام من وصفتهم بالإرهابيين الإسلاميين، بمن فيهم جهاديون أجانب، بعمليات قتل في الغرب السوري، وأعلنت وقوفها إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، بما في ذلك المجتمعات المسيحية والدرزية والعلوية والكردية.
سوريا تعود لدائرة اهتمام واشنطن
بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أرسلت إدارة الرئيس السابق جو بايدن وفدا دبلوماسيا لمقابلة حكام سوريا الجدد للتعرف على طبيعة النظام الجديد، ولم تواصل إدارة ترامب النهج نفسه، وركزت على قضايا أخرى على رأسها العدوان على غزة وحرب أوكرانيا.
وفي حوار مع الجزيرة نت، قال البروفيسور ستيفن هايدمان، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة سميث بولاية ماساشوستس الأميركية والخبير غير المقيم بمركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز بواشنطن، “حتى الآن، كان نهج إدارة ترامب هو الحفاظ على سياسات إدارة بايدن، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت ستستمر في القيام بذلك”.
ويضيف أن فريق الأمن القومي التابع لترامب يركز على قضايا أخرى في الوقت الحالي ولا يزال يقيم سياسته تجاه سوريا، بالإضافة إلى ذلك، لم يتم بعد شغل المناصب العليا في إدارة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية، ونتيجة لذلك استمرت السياسة السابقة في هذه الأشهر الأولى من الإدارة.
ومن جانبه، قال أول مبعوث أميركي لسوريا بعد الثورة عام 2011 السفير فريدريك هوف للجزيرة نت إنه “لا وجود لتمثيل دبلوماسي أميركي على الأرض في سوريا منذ بداية إدارة ترامب، وبدون هذا الوجود من الصعب التأثير على تصرفات القادة السوريين الجدد. وقد يعكس هذا ميل إدارة ترامب للسماح لقوى أخرى -وخاصة إسرائيل وتركيا- بأخذ زمام المبادرة في التعامل مع سوريا ما بعد الأسد”.
في حين اعتبر هايدمان أنه “على الرغم من الوعد بسحب القوات الأميركية من سوريا، فإن ترامب لم يفعل ذلك حتى الآن، ومع أن هذه الخطوة لا تزال مرجحة، فإن البيت الأبيض في عهد ترامب لم يتخذ أي خطوات إضافية فيما يتعلق بتخفيف العقوبات، كما أنه لم يعالج مسألة التصنيفات الإرهابية”.
فانس والمسيحيون السوريون
وقال بعض الخبراء الأميركيين إن الإعلان الدستوري السوري المؤقت الجديد يركز السلطة في يد الرئيس المؤقت أحمد الشرع، ولا يتضمن حماية كافية للأقليات، ويعتري واشنطن بعض القلق على حليفها الكردي في شمالي شرقي سوريا، وعلى الأقليات المسيحية كذاك.
وفي بيان صدر عن وزارة الخارجية الأميركية، رحبت إدارة ترامب بالاتفاق الذي أعلن عنه مؤخرا بين السلطات السورية المؤقتة وقوات سوريا الديمقراطية لدمج شمالي شرقي البلاد ضمن سوريا الموحدة، وعبر البيان عن تأكيد واشنطن “دعمها لعملية انتقال سياسي تبين أن الحكم الموثوق وغير الطائفي هو أفضل سبيل لتجنب المزيد من الصراعات”.
في حين اعتبر ستيفن هايدمان في حديثه أن “تصريحات جي دي فانس نائب الرئيس عن المسيحيين والأقليات الأخرى في سوريا ما هو إلا تعبير عن مخاوفه بشأن مصير المسيحيين هناك، ويلعب فانس على القاعدة الشعبية الجمهورية، وهي إنجيلية بشدة، وتاريخيا استخدمت القوى الإمبريالية حماية الأقليات الطائفية على نطاق واسع في الماضي مبررا للتدخل في الشرق الأوسط”.
واستبعد هايدمان أي تدخل آخر من قبل الولايات المتحدة في سوريا لكن يمكن استخدام لغة فانس لتبرير الإبقاء على تصنيفات إرهابية لهيئة تحرير الشام والشخصيات الرئيسية في الحكومة المؤقتة.
من جانبه، أشار السفير هوف إلى أنه “لا شك أن فانس نائب الرئيس صادق في اهتمامه بمصير المسيحيين السوريين والأقليات الأخرى، ولا شك أنه يريد من سلطات دمشق ممارسة سيطرة كبرى على الجماعات المسلحة التي تبدو مكرسة للانتقام”.
مستقبل القوات الأميركية في سوريا
وعن مستقبل بقاء أكثر من ألفي جندي أميركي داخل قواعد عسكرية في الأراضي السورية، قال الخبير هايدمان إن “ترامب تعهد خلال حملته الانتخابية مرارا وتكرارا بأن انسحاب القوات الأميركية من سوريا سيكون أولوية قصوى، ولم ينفذ ترامب هذا الوعد حتى الآن، لكن مصير وجود القوات الأميركية لا يزال غير مؤكد”.
وأشار هايدمان إلى أنه على ما يبدو “أن الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة المؤقتة يجعل الانسحاب أكثر احتمالا، إلا أن العراق يطلب من الولايات المتحدة تأجيل انسحاب القوات الأميركية حيث من المتوقع أن يستغل تنظيم الدولة الإسلامية الظروف الحالية لتصعيد عملياته في حال انسحاب القوات الأميركية”.
واعتبر هوف أنه “من المرجح أن يخضع أي سحب القوات الأميركية لقرار إدارة ترامب بأن الحرب على تنظيم الدولة يمكن شنها بشكل فعال دون وجود جنود ومشاة البحرية الأميركيين على الأرض داخل سوريا”.
Source: Apps Support
مجازر تونس والشجرة التي أخفت الجرائم
ابتُلي النظام التونسي، مثل غالبية الأنظمة العربية، بالمحاكمات السياسية منذ خمسينيات القرن المنقضي، بشكل جعل منها أهم الأحداث التاريخية التي عرفتها البلاد، قبل التنمية والديمقراطية والحريات والتقدم التكنولوجي والعلمي.
ومن يقلّب التاريخ التونسي، يجد أن المحاكمات السياسية هيمنت على نحو ستة عقود من حياة الدولة التونسية، التي بدت خلال هذه الفترة الزمنية من تاريخ البلاد، منذ استقلالها تحديدًا، كما لو أنها مستنفرة ضد فئات وشرائح وحركات وأحزاب وشخصيات ونقابات.
إذ لا تكاد تمر عشرية منذ الخمسينيات إلى الآن، حتى نجد طرفًا سياسيًا أو نقابيًا أو بعض الشخصيات البارزة أو إعلاميين، استهدفهم نظام الحكم لنفس الأسباب تقريبًا.
وبدلًا من أن تكون الحرب التي يستنفر نظام الحكم من أجلها، ويحشّد التونسيين بسببها، ضد الجهل والفقر والفساد والانفراد بالرأي، ومن أجل بناء مؤسسات ديمقراطية، وحوكمة رشيدة، وفسح المجال أمام بناء تنموي يستفيد من خصوصية البلاد وثرواتها الكبيرة في كل المجالات، والتأسيس لمجتمع حرّ وديناميكي، وتدشين سيادة حقيقية؛ سياسية واقتصادية وأمنية، عاشت تونس، على امتداد سبعين عامًا تقريبًا (حصلت البلاد على استقلالها عام 1956)، حربًا ضد أبنائها ومواطنيها وشخصياتها البارزة، من داخل الحكم ومن خارجه، على خلفية وجهات نظرهم ومواقفهم، التي كانت على تباين أو تناقض مع نظام الحكم، وطامحة إلى أن تدشّن البلاد في كل مرة، مرحلة جديدة، تليق بالنخب التونسية، وبالمجتمع الذي ساهم برجاله ونسائه في نيل الاستقلال، وتحرير البلاد من ربقة الاستعمار الفرنسي.
أول الغيث.. مجزرة ضد اليوسفيين
كانت أولى المحاكمات السياسية، تلك التي طالت ما يُعرف بـ”اليوسفيين”، وهم أتباع صالح بن يوسف، الأمين العام للحزب الحر الدستوري الجديد، الذي عارض ما يسمى بـ”اتفاقيات الاستقلال الداخلي”، التي وقعها الحبيب بورقيبة في الثالث من يونيو/ حزيران 1955 مع فرنسا، والتي اعتبرها بن يوسف أقل بكثير من استحقاق التونسيين، مناديًا بضرورة المقاومة من أجل “الاستقلال التام”، والالتحام مع الثورة الجزائرية، على أساس أن هذه الاتفاقيات ليست سوى منّة فرنسية للإبقاء على هيمنة باريس على تونس.
استطاع بورقيبة أن يقلب الطاولة على بن يوسف في مؤتمر صفاقس في نوفمبر/ تشرين الثاني 1955، من خلال إقناع طيف من الحزب بما أطلق عليه “سياسة المراحل” للحصول على الاستقلال التام، وهو ما تمّ بداية من 29 فبراير/ شباط 1956، عندما افتُتحت في باريس مفاوضات مع الجانب التونسي، أفضت في 20 مارس/ آذار من نفس العام إلى إعلان الاستقلال الكامل لتونس.
حاول بن يوسف، الذي وقع طرده من الحزب، تنظيم مؤيديه، إلا أنه أُجبر على المنفى بعد أن لُوحق أنصاره من طرف وزارة الداخلية والبورقيبيين، واستقر في مصر، قبل أن يسافر إلى ألمانيا، التي اغتيل فيها عام 1961، وسط اتهامات لوزارة الداخلية التونسية بأنها كانت وراء تدبير عملية الاغتيال للتخلص من أهم خصم لبورقيبة على الحكم في تونس.
قبل أن يُحال أنصاره على محاكمات سياسية صدرت فيها أحكام بالإعدام، وتعرضوا إلى مجزرة رهيبة فيما يُعرف بـ”ضباط الظلام” بقلب العاصمة التونسية، لإنهائهم سياسيًا ووجوديًا بشكل مبكر، بعد اتهامهم بمحاولة اغتيال بورقيبة.
كانت تلك أولى حلقات الصراع على الحكم في تونس، وأولى المحاكمات السياسية التي يصفها المؤرخون بـ”الدموية” في حق اليوسفيين، لأنها هدفت إلى تصفيتهم بشكل كامل.
الستينيات.. وإرهاصات ظهور المعارضة
لم يكد نظام بورقيبة الفتيّ يتخلص من صالح بن يوسف وأنصاره، حتى تم الإعلان عن “محاولة انقلابية” عام 1962، قيل إن مجموعة من العسكريين والمدنيين تورطوا فيها، وتم تبعًا لذلك تقديمهم للقضاء العسكري، وحُكم على أغلبهم بالإعدام.
وأدت هذه المحاولة المزعومة الفاشلة إلى حظر الحزب الشيوعي التونسي، وحلّ ما تبقى من الحزب الدستوري القديم، وأصبحت المعارضة وخصوم الرئيس بورقيبة تقتصر في الستينيات على بعض الشخصيات في الخارج، وبعض التنظيمات اليسارية والقومية الصغيرة والمحدودة.
من هذه اللحظة، سيستبدّ النظام بالحكم، وسيعتبر كل صوت معارض أو ناقد، أو يحمل مشروعًا متمايزًا عن “الزعيم”، عدوًا تجب محاربته والقضاء عليه.
وتزامن ذلك مع مغادرة المعمّرين الفرنسيين، وخروج رؤوس الأموال من البلاد، وضعف الاستثمار الخاص، بما جعل البلاد مفتوحة على تدهور اقتصادي لافت، أجبر بورقيبة على انتهاج توجه تنموي جديد، يقوم على الاشتراكية، معلنًا تغيير اسم الحزب الحاكم ليصبح “الحزب الاشتراكي الدستوري”.
عُهدت مهمة تنفيذ البرنامج الاشتراكي لليساري أحمد بن صالح، الذي أُسندت له ما لا يقل عن ست حقائب وزارية دفعة واحدة، سعى من خلالها بكل جدية إلى “تطبيق نظام تعاضدي”.
لكن “تجربة التعاضد” فشلت، ما أدى إلى تدهور المستوى المعيشي، وغضب المالكين للأراضي والمصانع الحديثة، فضعفت الحكومة، وأُجبر بورقيبة على تغيير تركيبتها، من خلال إحداث “وزارة أولى” (رئاسة حكومة) عام 1969، وانتهت في المحصلة إلى تعيين رجل الاقتصاد، الهادي نويرة، على رأسها.
لكن هذه التجربة لم تنتهِ إلا بحبس أحمد بن صالح، الذي حُكم عليه بالسجن بتهمة الفساد، وكانت تلك أول شخصية من داخل الحكم تُسجن، رغم أنه لم يكن معارضًا لبورقيبة، لكن الأخير حرص على أن يعلّق شماعة فشل الخيار الاشتراكي برمته عليه.
مخاض السبعينيات
في هذه الأثناء، شعرت أطراف من داخل الحزب الحاكم الذي كان يتزعمه بورقيبة، أن النظام السياسي بدأ ينزاح باتجاه تغوّل رئيس الجمهورية و”ماكينة” الحزب، فتكتلت حول وزير الدفاع أحمد المستيري، مجموعة من كوادر الحزب، التي طالبت “بتحرير النظام السياسي”، واستطاعت كسب الأغلبية أثناء مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري.
غير أن بورقيبة رفض نتائجه جملة وتفصيلًا، ونظّم مؤتمرًا ثانيًا عام 1974، تقرر في أعقابه طرد عدد من هذه المجموعة، فيما اختار بعضهم الاستقالة، ومن ثم تأسيس ما يُعرف بـ”حركة الديمقراطيين الاشتراكيين”، التي رفعت لواء الديمقراطية في لوائحها وأدوات عملها.
لم يكن بورقيبة يدرك أن المجتمع يتحرك بداخله، كنتيجة لسياساته الليبرالية المتوحشة، التي بدأت في سحق شرائح وفئات اجتماعية عديدة، وكان من الإرهاصات الأولى لهذا الحراك المجتمعي، ما يُعرف بـ”حركة فيفري المجيدة”، التي تزعمها طلاب يساريون، نظموا مؤتمرًا في فبراير/ شباط 1972، وقرروا الوقوف ضد السياسات الاجتماعية المجحفة، وضد قمع الحريات، مستفيدين من تصاعد النزعات التحررية في عالم يطوي عهود الاستعمار.
تجمع يوم الثاني من فبراير/ شباط في كلية الحقوق في العاصمة، نحو أربعة آلاف طالب، رفعوا شعارات مطالبة بالحريات، و”دمقرطة” الحياة السياسية والطلابية، لكن نظام الحكم أغلق الكليات والجامعات لثلاثة أشهر، في محاولة لمنع تمددها إلى الشارع، خشية تحولها إلى انتفاضة شبابية ومجتمعية.
غير أن هذا القرار أدى إلى خروج الطلبة من الكليات، وانتقلت الصدامات بذلك إلى الشوارع، ما أدى إلى مواجهات دامية، انتهت بإيقاف أكثر من ألف وخمسمائة موقوف، ولم ينجُ غالبية الطلاب من المحاكمات التعسفية، بسبب نشاطهم السياسي والنقابي.
وفيما تكفّلت أجهزة القمع بممارسة كافة أشكال المداهمات والملاحقات والتعذيب والاعتقالات، كانت محكمة أمن الدولة جاهزة لتلفيق التهم وإصدار الأحكام على مئات الطلبة، وتراوحت بين الطرد من الجامعة، والسجن، والتجنيد القسري في معتقلات جنوب البلاد (“رجيم معتوق” و”قرعة بوفليجة”).
وهكذا دفع الطلبة، بعد اليوسفيين، ثمن “تحرير النظام السياسي”، لكنّ الأمر لن يتوقف عند الطلبة، بل سيشمل في العام 1968، محاكمة قرابة مائتي منخرط في حركة “برسبكتيف” (تجمّع الدراسات والعمل الاشتراكي – آفاق / Perspectives)، ذات المنحى اليساري، ووجهت لهم تهم “التآمر على أمن الدولة” و”نشر الأخبار الزائفة” و”الانتماء إلى جمعية غير مرخص فيها”، وهي ذات التهم التي ستطبع جميع المحاكمات السياسية التي ستعرفها البلاد منذ ذلك الوقت إلى حدّ الآن.
تُهم ملفقة و”مفبركة”، كان الهدف منها دائمًا، إخماد كل نفس سياسي مغاير ومعارض للسلطة ولنظام الحكم في تونس.
في هذه اللحظة التاريخية، سيبدأ مسار جديد في تونس، سيتميّز بثلاث ملاحظات أساسية:
أن النظام التونسي بدأ يشهد موجة من الغضب الاجتماعي، لم يكن قادرًا على احتوائها أمام تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فكان يستبق حالات الغضب والتظاهر وموجات الاستنكار، بتصنيف كل صوت ناقد أو معارض لسياساته، بـ”الأعداء” و”الشرذمة الضالة” و”المهددة لاستقرار البلاد” و”المناوئين”، وهي التوصيفات التي يسارع النظام إلى استخدامها دائمًا في كل مآزقه.
سيتولى نظام الحكم القيام بتعديلات قانونية وتشريعية، تصبّ في خانة “مأسسة” تجريم أي نقد أو معارضة للحكم، أو الأشخاص الذين يقودونه، خصوصًا ما تعلق بنقد رئيس الجمهورية، وهي التشريعات التي لم يجرِ تعديلها إلى الآن، وفوتت النخب الحاكمة بعد الثورة التونسية، فرصة تعديلها، ليجد قسم منها نفسه محاكمًا بسببها، وعلى أساسها، وفق تهم مقننة، أبرزها “التشويش على النظام” و”محاولة الانقلاب عليه” و”الإساءة لرئيس الجمهورية” و”المساس بالمؤسسة العسكرية” و”التخابر مع الخارج”.
انطلاقًا من هذه المرحلة، أي منتصف السبعينيات، بدأت تتشكّل ملامح التيارات السياسية والفكرية والمعارضة التونسية عمومًا، وهي اليسار بمختلف تياراته، والتيارات القومية العروبية (على ضعفها الهيكلي)، بالإضافة إلى التيار الإسلامي.
عشرية “الدم” و”الانقلاب”
ربما لم يبالغ بعض المؤرخين عندما وصفوا عشرية الثمانينيات من القرن الماضي، بكونها السنوات الأكثر تعقيدًا ومخاضًا في تونس، وربما الفترة الأخطر، التي زلزلت الأرض تحت أقدام الحاكمين في تلك الفترة، بقيادة بورقيبة، بعد أن دخل مرحلة الشيخوخة، ودشّن نظامه مرحلة الصراعات بين مكوناته، خصوصًا داخل القصر، وفي مستوى المؤسسة الأمنية.
بدأت العشرية على وقائع تسرب “كوماندوز”، إلى مدينة قفصة (جنوب العاصمة التونسية)، في 26 و27 يناير/ كانون الثاني 1980، يتألف من نحو 49 مسلحًا تونسيًا، قدموا من التراب الليبي، وعملوا على مهاجمة مراكز الشرطة والحرس وثكنتين عسكريتين بالمدينة، وكان جميع منفذي العملية تونسيين، كانوا يتلقون الدعم من العقيد الليبي معمر القذافي، وفق ما كشفته التحقيقات المنشورة.
كانت حصيلة هذه المحاولة سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف الأمن التونسي، فيما تم اعتقال 42 من أفراد المجموعة المسلحة المنفّذة للعملية، التي أُحيل عناصرها على محكمة أمن الدولة، التي أصدرت في حقّ 11 منهم أحكامًا بالإعدام، تمّ تنفيذها يوم 17 أبريل/ نيسان 1980 ودفنوا بشكل جماعي.
ورغم فشل هذه المحاولة في الإطاحة بنظام الحكم، فإنها كانت بمثابة “الزلزال” الذي هزّ أركانه، ودفعه إلى مراجعة الكثير من خياراته السياسية والهيكلية بالأساس. كان أهمها، المجيء بالأستاذ محمّد مزالي وزيرًا أول بديلًا عن الهادي نويرة، وتزامن ذلك مع الإعلان في 6 يونيو/ حزيران 1981، عن إنشاء “حركة الاتجاه الإسلامي”، التي رفضت سلطات بورقيبة منحها التأشيرة القانونية للعمل الحزبي العلني، بعد سنوات من السرية. بل قابلت المطلب، بقرار اعتقال 107 من قيادات الحركة في 18 يوليو/ تموز 1981، وتقديمهم للمحاكمة في شهر سبتمبر/ أيلول، بتهم: “الانتماء إلى جمعية غير مرخص لها”، و”النيل من كرامة رئيس الجمهورية”، و”نشر أنباء كاذبة”، و”توزيع منشورات معادية للنظام”، وصدرت بشأنهم أحكام تراوحت بين عام و11 عامًا كاملة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ من المحاكمات، بل أُحيل الإسلاميون على محاكمات ماراثونية، بين 1981 و1984، بلغت نحو 25 محاكمة لقيادات “الاتجاه الإسلامي”، على مستوى كامل الجمهورية، تدور كلها حول نفس التهم تقريبًا.
أدّى الوضع الاجتماعي المتدهور، إلى اندلاع اضطرابات اجتاحت العاصمة في يناير/ كانون الثاني 1984 بعد مضاعفة الحكومة سعر الخبز، فيما عرف بـ”انتفاضة الخبز”، تزامنًا مع بروز أزمة جديدة بين حكومة مزالي، والاتحاد العام التونسي للشغل، على إثر طرد القذافي آلاف التونسيين من ليبيا. وتمخضت الأزمة عن اعتقال نقابيين، بتهمة تأجيج الأوضاع الاجتماعية.
في عام 1986 بلغت الأزمة الاقتصادية أَوجها، واعتبر محمد مزالي، الوزير الأول، مسؤولًا عنها، واضطر الرجل إلى الهروب من تونس عبر الحدود مع الجزائر، قبل أن يتم توريطه في جملة من التهم، التي ظلت تراوده لسنوات طويلة، بينما كان يقيم بباريس.
في مارس/ آذار 1987، أُلقي القبض على حوالي 8000 من أعضاء حركة الاتجاه الإسلامي، الذين اتُّهموا بالتورط في التفجيرات التي استهدفت أربعة فنادق في سوسة والمنستير، والتي خلفت 13 جريحًا، بينما تعتبر الحركة أن هذه الاتهامات “مفبركة”، وبدأت سلسلة محاكمات جديدة لأعضاء الاتجاه الإسلامي في 27 أغسطس/ آب 1987، وأُحيل 90 شخصًا من بين الآلاف المعتقلين إلى محكمة أمن الدولة، بينهم زعيم الحركة راشد الغنوشي، الذي حُكم عليه بالأشغال الشاقة مدى الحياة.
ولئن قام الرئيس الشاب الجديد، زين العابدين بن علي، الذي أجرى انقلابًا على الرئيس بورقيبة، استنادًا إلى عدم قدرته الصحية على الاضطلاع بأعباء الحكم، بإطلاق سراح المعتقلين من الإسلاميين والنقابيين فور صعوده للحكم في نوفمبر/ تشرين الثاني 1987، فإنّ الصراع مع الإسلاميين، ومن ثمّ استخدام المحاكمات السياسية، سيتواصل خلال كامل فترة حكمه التي امتدت لثلاثة وعشرين عامًا (1987 ــ 2011).
الشجرة التي تخفي الغابة
اعتبر بن علي أنّ الإسلاميين يمثلون “الشجرة التي تخفي الغابة”، كما يقال، أي إنّ القضاء عليهم سيضعف المشهد السياسي، وسيمكنه من أدوات السيطرة عليه، وبالتالي المكوث في الحكم لفترة طويلة. لذلك قبل بمشاركة “حركة النهضة” (بعد أن غيّرت اسمها من “الاتجاه الإسلامي”) في الانتخابات التشريعية لسنة 1989، تحت لوائح مستقلة، بعد أن رفض منحها تأشيرة الحزب القانوني.
كانت تلك المشاركة في الانتخابات بمثابة “الكشاف” لبن علي، الذي تمكن من معرفة حجم الإسلاميين والمتعاطفين معهم، ورتب تبعًا لذلك سيناريو مسحهم نهائيًا من المشهد السياسي، عبر محاكمة سياسية بداية التسعينيات، شهدت الزج بحوالي 45 ألف معتقل من الإسلاميين، مروا، كما قال أحد المحامين في وصف كاريكاتيري، كما لو أنهم في “حصة إحصاء”، من دون الإنصات إليهم، أو الدفاع عن أنفسهم أمام محاكمات، وُجهت خلالها تلك الاتهامات التي أُشير إليها في وقت سابق.
وهكذا، في بضع سنوات قليلة، تمكن بن علي من إنهاء أهم خصم سياسي جدي له، ليظل في الحكم دون أي إزعاج طيلة 23 عامًا.
ولم يغادر الإسلاميون السجن، إلا في نهاية حكمه، وبعد معاناة شديدة، جعلت الحقوقيين والمؤرخين والسياسيين يصفون مرحلة العشرين عامًا من حكم بن علي (1990 ــ 2010) بـ”سنوات الجمر”.
الثورة.. و”انقلاب يوليو/ تموز”
على أن البلاد لم تعرف توقفًا لشلال المحاكمات السياسية، إلا منذ ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011، حيث تعطّلت بشكل تام “ماكينة رحْي المعارضين”.
وعلى الرغم من كل الانتقادات وشدة المعارضات لمن حكموا تونس منذ 2011 إلى العام 2021، فإنّ أيًا منهم لم يتعرض للمساءلة القضائية، وبالتالي للمحاكمة السياسية، رغم أنّ ما قيل في الحاكمين، كان شديدًا وقاسيًا، وفي بعض الأحيان، ضد كل معايير النقد السياسي واحترام الحريات.
كانت تلك العشرية الوحيدة، عشرية “الانتقال الديمقراطي”، كما يسميها عديد المراقبين، الخالية من أي محاكمة سياسية.
لكن، مع إطلالة منتصف العام 2021، استؤنفت المحاكمات السياسية في تونس بشكل تجاوز كل نماذج المحاكمات التي أُشير إليها في الفقرات السابقة.
فقد قام الرئيس الحالي، قيس سعيّد، بانقلاب في 25 يوليو/ تموز 2021، أغلق بموجبه البرلمان، وعطّل دستور 2014، وألغى النظام السياسي (البرلماني المعدّل)، وكتب دستور البلاد بنفسه، وأجرى انتخابات تشريعية بنسبة تصويت هي الأقل منذ الثورة، وصعد لرئاسة البلاد بعد أن منع منافسيه من الترشح، سواء بإلغاء ترشحاتهم بشكل غير قانوني، أو بالزج بأحدهم في السجن، قبل أن يضع عددًا بارزًا من معارضيه في السجن، من خلال محاكمات سياسية، يقول المحامون والهيئات الحقوقية في الداخل والخارج، إنها تفتقر لأدنى معايير المحاكمة العادلة، فضلًا عن خروقات جسيمة، لعل آخرها إجراء محاكمة “عن بعد”، أي بعدم حضور المتهمين، فقط بصورة لهم على الإنترنت، وهم في غرفة من داخل السجن، في بدعة قضائية، كما يصفها المحامون، لم تعرفها تونس في تاريخها.
وُجّهت لهؤلاء القيادات السياسية والحقوقية ورجال الأعمال والإعلاميين، تهم “التآمر على أمن الدولة الداخلي” و”بثّ الفوضى” و”المساس بشخص رئيس الجمهورية” و”تحريض المواطنين على التقاتل فيما بينهم” و”التخابر مع جهات أجنبية”، وغيرها من تلك السردية من الاتهامات التي اعتاد نظام الحكم خلال حقبتي بورقيبة وبن علي على استخدامها لمحاكمة معارضيه.
وها هو النظام الراهن يعود إليها بملفات تؤكد هيئة الدفاع عن المتهمين، ومن بينهم الأستاذ أحمد صواب، أنها “ملفات فارغة لا أساسَ قانونيًا لها، ولا تتضمن أي إدانة، خصوصًا وأنّ تهمة التآمر تقتضي أفعالًا وممارسات وتحالفات داخلية وخارجية”، وفق تقديره.
الشعب.. الحلقة المفقودة في المحاكمات السياسية
لكن العودة إلى هذه المحاكمات ذات الصبغة السياسية، تشير إلى جملة من الملاحظات، أهمها:
أنه خلال كامل التاريخ السياسي الحديث لتونس، كان النظام يلجأ إلى المحاكمات السياسية، ليس تعبيرًا عن قوته وشعبيته، وإنما للتغطية على الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، وكأنه كان يستخدم خصومه السياسيين كـ”كبش فداء”، في نوع من الإلهاء للرأي العام، في غياب حلول تنموية، وفي ظل تخبطه السياسي، وفقره في مستوى التصورات والحلول القادرة على تجاوز الأزمات.
لم ترافق أيًا من المحاكمات السياسية، جهودٌ أو منجزات تنموية تُذكر، حتى الأرقام التي كان يقدمها بن علي، للتدليل على نجاحه الاقتصادي، كذّبها صندوق النقد الدولي بعد الثورة التونسية، وأبان أن نظام “السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني” قدّم له مؤشرات وأرقامًا لم تكن تعكس حقيقة الوضع الاقتصادي. بل إن “المعجزة الاقتصادية التونسية”، التي وصف بها الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، الوضع في تونس، لم تكن سوى “بالونة هواء”، سرعان ما كشفت ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 خواءها وفقدانها لأي مضمون حقيقي، ولو كان ثمة “معجزة”، لما خرج التونسيون للمطالبة بالتنمية والتشغيل والحريات. في جميع هذه المحاكمات منذ عام 1956 إلى الآن، تم توظيف القضاء من قبل نظام الحكم، بعد تدجينه، والضغط عليه، وسحب استقلاليته بالقوة “الرمزية” للحكم، وعبر استخدام ما يتوفر من قوانين وآليات لإجبار القضاة على الانصياع لإرادة الحاكم، والقضاء بما يراه السياسي، وليس بما يقتضيه القانون، رغم إجحافه. وهكذا، من ابتزاز القضاة، بسبب الفساد المزعوم، إلى اعتبار القضاء “وظيفة”، مرورًا باستخدام “النَقل التعسفي” للقضاة من محكمة إلى أخرى، ومنع ترقيتهم الوظيفية، وجد القضاة أنفسهم أمام خيار وحيد، وهو الرضوخ لأوامر النظام، إذا استثنينا بطبيعة الحال، بعض القضاة الذين يوصفون هنا في تونس بـ”الشرفاء”، والذين رفضوا أن يعملوا تحت مقصلة “التدجين”، أو ضمن دائرة “التوظيف السياسي”، فاستقال بعضهم، واختار البعض الآخر الهجرة الطوعية أو القسرية.
والحقيقة، أن قوة الأنظمة التي حكمت تونس منذ الاستقلال إلى الآن، لم ترتبط بتحولات سياسية ديمقراطية بارزة، أو بنماذج تنموية لافتة، أو بمرحلة رفاه اقتصادي، أو بمناخ من التقدم العلمي والثقافي والفكري، بقدر ما ارتبط كلها تقريبًا، باستخدام القوة، وما يسميه علماء السياسة بـ “إرهاب الدولة”، بما يشير إليه من اعتماده كوسيلة من وسائل الإكراه، في مجتمع، لا توجد لديه أهداف مشتركة، أي إنه تعبير عن أزمة سياسية، بين الحاكم والمواطنين.
ويجمع فقهاء السياسة، بأنّ المحاكمات السّياسيّة، تعدّ سمة الأنظمة الشموليّة، وهي تنتشر بالخصوص، في البلدان التي لا يتمتّع فيها القضاء بقدرٍ معتبرٍ من الاستقلالية، ويخضع لهيمنة السّلطة التّنفيذية.
وهي المحاكمات التي تنبني على أخذ النّاس بالشبهة، واقتيادهم إلى أروقة المحاكم وغياهب السّجون، بسبب آرائهم السّياسيّة وخلفياتهم الأيديولوجيّة، ونقدهم أنظمة الحكم في بلدانهم..
ومن المفارقات الغريبة في هذا السياق، أنّ كل المحاكمات السياسية، التي عرفتها تونس، وقسم واسع من دول العالم العربي، في مصر وسوريا والمغرب والجزائر والأردن ولبنان والسودان، وغيرها، كانت ترفع شعار “البناء الديمقراطي”، أو الحرص على “تحصين الديمقراطية”، وذلك ضمن مغالطة ومخاتلة سمجة، لأنّ أول الدروس التي يتلقاها طلبة الحقوق في سنتهم الأولى، هي “أن لا حكمَ ديمقراطيًا، دون آليات ومعايير وشروط ديمقراطية”، أدناها، قضاء مستقلّ، وحريات مضمونة، وتعددية سياسية واضحة، وإعلام ديناميكي، وقوانين متطورة، تنير سبيل المحكومين، قبل أن تفكّر في “حجب الشمس” عنهم، كما يقول المثل الصيني..
لن تُطوى حقبة المحاكمات السياسية في تونس، إلا بعد المراجعة الجذرية للقوانين والتشريعات، التي أسست لمنظومة المحاكمات هذه، وجعلت التاريخ التونسي، بمثابة “العسل المرّ”، الذي قضى على أجيال، ومنع البلاد من التقدم نحو الديمقراطية، وفوّت عليها فرص النهوض الاجتماعي والاقتصادي..
والوقت قد حان، لكي تدشّن البلاد مسارًا جديدًا ينحو هذا الاتجاه، الذي هو لغة العصر وسياقه وبوصلته.
Source: Apps Support
البيت الأبيض: إسرائيل تشاورت معنا قبل الغارات على غزة
ذكرت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارولين ليفيت أن إسرائيل تشاورت مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غاراتها على قطاع غزة اليوم الثلاثاء.
وقالت ليفيت في مقابلة مع قناة فوكس نيوز “تشاور الإسرائيليون مع إدارة ترامب والبيت الأبيض بشأن هجماتهم على غزة الليلة”.
واستأنف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الواسع على قطاع غزة الفلسطيني في الساعات الأولى من صباح اليوم الثلاثاء، وذلك بعد توقف استمر نحو شهرين مخلفا مئات الشهداء.
وانطلق العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعد ساعات من هجوم طوفان الأقصى الذي شنته المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واستمر على مدى 15 شهرا، قبل أن يتوقف ابتداء من 19 يناير/كانون الثاني الماضي تطبيقا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة أميركية قطرية مصرية.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض “مثلما أوضح الرئيس ترامب فإن حماس والحوثيين وإيران وكل من يسعى لإرهاب ليس إسرائيل فحسب، وإنما الولايات المتحدة أيضا سيدفع ثمنا باهظا، ستُفتح أبواب الجحيم”.
تهديدات واستنكار
وسبق أن أصدر ترامب تحذيرا علنيا مستخدما كلمات مماثلة، قائلا إن على حماس إطلاق سراح جميع الأسرى في غزة وإلا “فستفتح أبواب الجحيم على مصراعيها”.
وواجه ترامب استنكارا أيضا بسبب خطته لتهجير الفلسطينيين من غزة وفرض سيطرة أميركية على القطاع.
وتقول منظمات حقوقية والأمم المتحدة وفلسطينيون ودول عربية إن اقتراح ترامب -والذي وصفه بأنه خطة لإعادة تطوير القطاع- يصل إلى مستوى التطهير العرقي.
وفي رد فعلها، قالت المنظمات إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته يستأنفان حرب الإبادة الجماعية ضد المدنيين العزل في قطاع غزة بالانقلاب على اتفاق وقف إطلاق النار.
وحمّلت الحركة نتنياهو وحكومته “المسؤولية الكاملة عن تداعيات العدوان الغادر على غزة والمدنيين العزّل الذين يتعرضون لحرب متوحشة وسياسة تجويع ممنهجة (منذ 2 مارس/آذار الماضي حينما أغلقت إسرائيل المعابر أمام المساعدات الإنسانية)”.
Source: Apps Support
“بالدم”.. قصة مشوّقة أم اقتباس غير معلن؟ جدل حول العمل اللبناني الأبرز في رمضان
فرض المسلسل اللبناني “بالدم” نفسه بقوة في السباق الرمضاني الحالي، محققا نسب مشاهدة عالية على منصة “شاهد”، وسط إنتاج شحيح للدراما اللبنانية المشتركة هذا العام.
العمل، الذي يجمع الممثلة ماغي بو غصن بالكاتبة نادين جابر والمخرج فيليب أسمر، يأتي استكمالا لشراكات فنية ناجحة جمعتهم سابقا في أعمال مثل “ع أمل” وسلسلة “للموت”.
وعلى الرغم من الإشادات النقدية والجماهيرية التي حصدها المسلسل، فإنه لم يسلم من الجدل، إذ وجد نفسه في قلب عاصفة من التساؤلات حول مدى أصالة قصته بعدما طُرحت اتهامات بأنه مقتبس عن قصة حقيقية دون موافقة صاحبتها.
اقتباس أم توارد أفكار؟
تدور أحداث المسلسل حول المحامية “غالية”، التي تكتشف أن ابنتها مصابة بمرض وراثي خطير، لكنها تفاجأ عند إجراء الفحوص الطبية أن سجلها العائلي يخلو تماما من هذا المرض.
تكتشف لاحقا أن عائلتها ليست عائلتها البيولوجية، وأنها تم استبدالها عند الولادة دون علم والديها الحقيقيين، مما يدفعها إلى رحلة بحث مؤلمة لكشف الحقيقة.
هذه القصة أثارت موجة جدل واسعة فور عرض الحلقات الأولى، حيث لاحظ كثيرون تشابهها الكبير مع قصة السيدة اللبنانية “غريتا الزغبي”، التي سبق أن ظهرت على إحدى القنوات اللبنانية قبل أعوام، بحثا عن عائلتها البيولوجية بعد تعرضها لتجربة مشابهة تماما.
وبعد تصاعد الجدل، خرجت الزغبي بتصريحات تؤكد أن صُنّاع المسلسل لم يحصلوا على موافقتها لاستلهام قصتها، رغم أن العمل يُروّج لنفسه على أنه “مستوحى من أحداث حقيقية”. في حين التزم فريق العمل الصمت تجاه هذه الاتهامات، مكتفيا بالترويج للمسلسل والاحتفاء بنجاحه.
تناول جريء لقضايا مجتمعية
بعيدا عن الجدل حول القصة، يحسب لمسلسل “بالدم” تسليطه الضوء على قضايا مجتمعية وإنسانية هامة، حيث يناقش موضوع تجارة الأطفال في لبنان، وهي إحدى الظواهر المسكوت عنها في الأعمال الدرامية.
ويعكس هذا النهج حرص بو غصن على تقديم محتوى اجتماعي مؤثر، كما فعلت العام الماضي في مسلسل “ع أمل”، الذي ناقش قضايا العنف ضد المرأة، كما نجحت نادين جابر في كتابة نص درامي عميق استطاعت من خلاله دمج الإثارة والتشويق مع البعد العاطفي والإنساني، مما زاد من جماهيرية العمل بين فئات مختلفة من المشاهدين.
بين التشويق والملل.. تذبذب إيقاع الحلقات
انطلق “بالدم” بحلقات شديدة التشويق، حيث اعتمد على إيقاع سريع ومفاجآت درامية غير متوقعة أبقت الجمهور في حالة ترقّب دائم. لكن مع مرور خمس حلقات تقريبا، بدأ المسلسل يشهد تباطؤا دراميا، حيث تكررت بعض المشاهد، وظهرت أحداث مستهلكة سبق استخدامها في العديد من المسلسلات العربية، مما خلق حالة من الملل لدى بعض المشاهدين.
غير أن العمل استعاد زخمه الدرامي بعد عدة حلقات، ليعيد التشويق والإثارة إلى الأحداث مجددا، وهو ما انعكس على تفاعل الجمهور، الذي عاد ليتابع المسلسل بحماس أكبر مع تصاعد الأحداث.
نجاح مضمون أم تكرار للوجوه؟
ورغم النجاح الكبير الذي يحققه “بالدم”، فإن هناك تساؤلات عن إصرار بو غصن على التعاون مع الفريق الفني نفسه منذ سنوات دون المغامرة بتجربة جديدة. فمنذ بداية مسيرتها في البطولات المطلقة، ارتبطت فنيا بزوجها المنتج جمال سنان، وشكّلت شراكة طويلة مع الكاتبة نادين جابر والمخرج فيليب أسمر، الذي أخرج لها خمسة أعمال درامية حتى الآن، وهو أيضا أحد أبرز المخرجين اللبنانيين الذين تعاونوا مع منافستها نادين نسيب نجيم في أنجح مسلسلاتها.
الأمر نفسه ينطبق على فريق الممثلين، إذ يضم العمل وجوها سبق أن تعاونت معها بو غصن في أعمالها السابقة، مثل رفيق علي أحمد، وبديع أبو شقرا، وباسم مغنية، الذين شاركوا في “للموت”، إلى جانب رولا بقسماتي وكارول بو عبود ونوال كامل، اللواتي ظهرن معها في “ع أمل”، بالإضافة إلى جيسي عبدو التي تعيد التعاون معها بعد سبع سنوات من مشاركتهما في مسلسل “جوليا”.
في المقابل، شهد المسلسل مشاركة الفنانة الشابة مارلين نعمان، التي لم تكتفِ بالتمثيل، بل أدّت أيضا شارة المسلسل “أنا مين”، بعد أن لفتت الأنظار العام الماضي في مسلسل “ع أمل”.
ويبقى “بالدم” أحد أكثر المسلسلات مشاهدة في رمضان 2025، حيث استطاع أن يجمع بين الدراما الاجتماعية والتشويق مع أداء تمثيلي متميز.
Source: Apps Support
Iran’s former Foreign Minister warns that backing down from Trump’s greed will only lead to more illegitimate demands
As the world undergoes rapid political and economic transformations with escalating conflicts shaking the Middle East, the region has witnessed a full year of genocide in Gaza – and no clear prospect for an end.
The conflict has expanded to southern Lebanon, reverberated in Yemen and Iraq, and reached Iran.
The Future of the Middle East series seeks to explore these challenges through interviewing prominent politicians, theorists, intellectuals, and current and former diplomats, providing various regional and international perspectives.
Through these discussions and insights, lessons from the past are shared in order to chart a path forward.
From the roots of the Arab-Israeli conflict to regional interventions and the rise of new non-state actors, this series engages in enlightened discussions regarding what can be learned from history and how it will impact the region”s future.
It aims to explore visions for the future and highlight the vital role that Arab nations can play if historical alliances are revived, pushing towards sustainable stability while safeguarding their interests.
The structure of the series involves two parts – the first being a series of seven fixed questions based on requests from readers on the future of the region. The second part features questions tailored to the interviewees specific background, providing new insights into the overarching vision of the interview.
Ultimately, this series aims to explore how the Arab region can craft its own unified independent project – one free of external influence.
Who is Kamal Kharrazi?
One of the strategic minds behind Iran’s foreign policy over the past few decades and a senior advisor to Supreme Leader Ayatollah Ali Khamenei, Kamal Kharrazi has played a key role in handling Iran’s nuclear issue.
In an exclusive interview with Al-Masry Al-Youm, the former Iranian Foreign Minister and current Head of Iran’s Strategic Council on Foreign Relations shared his vision for the future of the Middle East.
He spoke within the context of deep mistrust towards what he called America’s “exploitative and hostile” policies in the region.
Kharrazi warned against Trump’s proposal to seize control of Gaza, cautioning that yielding to the ambitions of the “greedy real estate dealer”—as he referred to the US president—would only lead to further illegitimate American demands in the region.
He also underscored the importance of Iranian-Arab relations, describing the restoration of ties between Tehran and Riyadh as a “vital step” that should be strengthened and built upon.
On Iran’s Role in the Region
Kharrazi has dismissed claims that Iran has a hidden agenda in the Arab world, calling it “an American fabrication.”
He argued that the West, which implanted the Zionist entity in the region to justify its interference, views Iran as a thorn in its side.Consequently, he said, Western powers fuel “artificial conflicts” to keep the region distracted.
He also asserted that Iran’s support for the Palestinian resistance has exposed the fallacy of the “Shia Crescent” narrative.
On US Hegemony and Regional Cooperation
Kharrazi rejects US global dominance, stating that “a world order controlled by Washington cannot achieve security.” He called for the establishment of a regional cooperation mechanism among Middle Eastern countries to address shared challenges.
Regarding the future of the Israeli-Palestinian conflict, he argued that the Zionist project based on expansion from the Nile to the Euphrates is not merely rhetoric but a serious and systematic plan.
While Iran advocates for a one-state solution in Palestine, Israel rejects it because it would end the apartheid and its occupation.
The term “Middle East” is a colonial geographical expression, yet it has become the dominant way to describe the region that includes Arab states, Iran, Turkey, and others. Throughout history, this region has suffered from conflicts rooted in colonial schemes, making it a constant hotspot on the global map.
How do you assess the region’s current reality and the role of history in shaping it?
• West Asia, or the Middle East, has always been a target for colonial powers, whether due to its vast energy resources or its historical significance as the cradle of civilizations.
These powers have consistently sought to dominate the region. The Sykes-Picot Agreement, which divided the Middle East into smaller states, was part of this ongoing strategy, as was their interference in regional affairs.
The creation of Israel, the Zionist entity, served a dual purpose: first, to rid Europe of its “Jewish problem” by relocating Jewish populations to Palestine, and second, to plant a “cancerous tumor” in the region to destabilize it and justify foreign intervention
The term “Middle East” first appeared in the writings of American strategist Alfred Mahan in 1902, and later, Condoleezza Rice spoke of a “New Middle East.” This vision seems to be materializing amid the current Israeli war on Gaza, Lebanon, and Iran.
What do you make of this, especially in light of Trump’s victory and the rise of right-wing forces in the US, coupled with his plan to annex Gaza for Tel Aviv and Washington at the expense of the Palestinians?
•The US and Europe will never relinquish their grip on the region. Their strategy of stirring conflicts, destabilization, and igniting wars facilitates their interventions.
Trump’s recent statements about seizing Gaza’s Mediterranean coast are yet another manifestation of Washington’s endless greed.
What role should regional powers, especially Egypt and Saudi Arabia, play in countering these schemes?
• Colonial powers seek to keep Middle Eastern nations dependent on them—economically, politically, and militarily—ensuring that the region remains under their control.
The Islamic world expects Egypt and Saudi Arabia to resist foreign pressures and protect regional interests.
Despite Israel”s clear expansionist ambitions—evident in Gaza, Lebanon, and Syria—there is no unified Arab project to counter them. How can Arabs formulate a strategic response?
• Unfortunately, as you mentioned, there is no unified Arab strategy to confront Israeli expansionism.
Some Arab states have normalized relations with Israel, emboldening its ambitions. Meanwhile, the Arab League remains reactive rather than proactive.
Historically, Egypt has played a pivotal role in the region. How can it reclaim that role despite the challenges it faces?
• Egypt, as a key regional power, has the potential to revitalize the Arab League and shift it from passivity to proactive engagement against Israel”s aggression.
How should the region navigate the global shift toward multipolarity and avoid dependence on a single world power that has historically exploited its resources?
• The Middle East, given its strategic importance, must position itself as a significant player in the emerging multipolar world order.
Establishing a regional cooperation framework—encompassing both Arab and non-Arab nations, including Iran—would enable the region to act as a unified entity on the global stage.
How do you envision the future of the region amid ongoing conflicts and external threats?
• Foreign interference will persist, but so will the resistance of Middle Eastern nations—particularly the Palestinian struggle against Israeli occupation. However, true sovereignty requires regional leaders to boldly reject foreign interventions.
With Trump blending capitalism with populist right-wing politics, what do you foresee for America”s policy toward the Middle East and Iran?
• Trump is a greedy capitalist who views the world as real estate to be seized. His ambitions will only escalate unless the region presents a unified front to curb his excesses.
What are the latest developments in Egypt-Iran relations, and how can both countries work toward regional stability?
• Iran and Egypt are grand nations with deep-rooted histories. Establishing political ties depends on the will of their leaders, and discussions are currently underway.
Some believe that Iran has lost its influence in the region. Your response?
• The perception that Iran has lost its influence is incorrect. The narrative of a “weak Iran,” promoted by the Zionist entity, is untrue. The Islamic Republic of Iran, as an independent power in West Asia, has managed to challenge major global powers and defend itself.
Naturally, this stands as proof of Iran’s strength and influence.
Iranian Vice President Dr. Javad Zarif has proposed an initiative regarding Iran’s relations with Arab countries. Does this imply a regional alliance, or something else? What are the key opportunities and challenges facing this initiative?
• Dr. Zarif’s initiative was not about forming a confederation of regional states; rather, it was a proposal for goodwill and friendship among the countries of the region.
I have also spoken about the importance and necessity of establishing a mechanism capable of coordinating comprehensive cooperation between regional states in areas such as security, politics, and the economy—despite the differences in their governance systems.
We believe that such a mechanism is essential in facing common challenges.
Saudi Arabia recently conducted joint exercises in the Arabian Sea with Iranian participation, and the Saudi Chief of Staff visited Tehran. Are we witnessing an “Arab-Iranian” rapprochement in light of recent regional developments? How do you address major points of contention, such as Yemen and Syria?
• The restoration of diplomatic relations between Iran and Saudi Arabia, as mediated by China, was one of the wiser decisions taken by the leaders of both countries.
This development was not only beneficial for Iran and Saudi Arabia but also for the entire region.
The resumption of political ties should lead to comprehensive cooperation, particularly in economic, security, and military domains. Iran and Saudi Arabia are two major powers in this region, and their cooperation can have significant regional and global implications.
Of course, there may be differences in viewpoints.
While disagreements between states over certain issues are natural, it is crucial to focus on shared objectives and mutual interests, seeking ways to consolidate efforts and enhance cooperation rather than emphasizing disputes.
Do you believe that Israel’s expansionist ambitions will stop at the Palestinian borders or a buffer zone with southern Lebanon, or will they extend to other Arab countries? What are the risks of its hegemonic ambitions in the Middle East, both economically and technologically?
• The Zionist policy of expanding occupied territories “from the Nile to the Euphrates” is a confirmed and serious strategy, not a matter of speculation.
The actions taken by Israel and the US to seize control of Gaza and forcibly displace Palestinians to Egypt and Jordan are part of the groundwork for implementing this strategy.
Israel is economically and technologically dependent on Western support. It seeks to showcase its technological superiority to encourage regional states to normalize relations through the promise of technology transfer.
Unfortunately, these states do not turn to Iran for access to advanced technology, despite Iran’s significant scientific achievements. There is a need to strengthen regional cooperation in this regard.
Do you believe it is time to reassess agreements made with Israel, especially in light of its expansionist ambitions?
• Absolutely. Israel does not abide by its commitments. Whenever it sees an opportunity, it reneges on its agreements and pursues expansionist goals. The fate of the Oslo Accords is a clear example of this.
Iran is often portrayed as a threat to Arab states. How do you view this narrative?
• The USand Israel have invested heavily in promoting fear of Iran. The concept of the “Shia Crescent,” which emerged after the US invasion of Iraq—instigated by them and, regrettably, by an Arab leader—was part of a psychological warfare campaign against Iran.
The goal was to push regional countries toward normalizing ties with Israel.
However, Iran’s unwavering support for Palestinian resistance groups, most of which are Sunni, has debunked the “Shia Crescent” myth and exposed its falsehood.
How do you assess Israel’s efforts to eliminate resistance movements and occupy Arab lands?
• Resistance is an ideology and a method of struggle. While it may suffer setbacks during conflicts, it cannot be eradicated. Hamas, Islamic Jihad, Hezbollah, and Ansar Allah cannot be destroyed, and Israel has failed in its attempt to eliminate Hamas.
It is true that resistance movements have lost key leaders in recent wars, but new leaders will emerge to continue the struggle. The massive turnout at Hassan Nasrallah’s funeral demonstrated that resistance is a deeply rooted idea in the consciousness of people who reject occupation.
How does Iran respond to international accusations that it destabilizes the region?
• Iran has not attacked any country in the past two or three centuries; rather, it has consistently defended itself.
Iran’s military strength is for self-defense and to support those who seek its assistance. Naturally, this reality does not sit well with powers that aim to secure their colonial interests in the region. Therefore, they resort to these accusations.
Can anyone seriously claim that Israel is not the primary source of instability in the Middle East, while Iran— which supports the struggles of oppressed nations against US hegemony and Israeli aggression—is somehow the real threat?
There are rumors that US pressure is mounting on Qatar to expel Hamas leaders. What is your take on this? If these pressures persist, which capitals might host them?
• The US and Israel are indeed pressuring Qatar to expel Hamas political leaders from Doha.
Despite the rumors on the matter, nothing is confirmed yet. What matters most is that Hamas’ struggle continues in the occupied territories, led by commanders on the battlefield.
The political leaders based in Doha or other capitals play a supportive role for the fighters on the ground.
How do you see the deaths of Yahya Sinwar and Hassan Nasrallah?
• Hassan Nasrallah and Yahya Sinwar were not afraid of martyrdom – they were prepared for it at any moment. Anyone who chooses this path does not fear death. Their commitment to their cause, courage, and steadfastness have earned them a place in the hearts of their supporters and all freedom-loving people.
The video of Yahya Sinwar’s final moments, fighting until his last breath, exposed Israel’s lies. He was not hiding in tunnels or command rooms—he was personally fighting alongside his fellow resistance fighters.
Iranian Foreign Minister Abbas Araqchi told Al-Masry Al-Youm that he supports a one-state solution. Do you think Israel would accept this, and will Iran engage in peace efforts?
• Yes, we firmly believe in the one-state solution. Of course, Israel will never accept it, as it would dismantle its apartheid system and establish a state based on the will of the land’s original inhabitants—Muslims, Christians, and Jews alike.
Even if Israel refuses to acknowledge this idea, we must continue advocating for it. Encouragingly, support for the one-state solution has grown following Israel’s brutal crimes against Palestinians—crimes that go beyond just the apartheid.
What is your assessment of the current international order? Is it responsible for the state of the region?
• The current international order, dominated by the US, is incapable of ensuring global security and stability. America”s actions have shown that whenever the system does not serve its interests, Washington actively undermines it.
For example, the US withdrew from UNESCO, the World Health Organization, and the Paris Climate Agreement, and even opposed the International Criminal Court when it issued arrest warrants for Israeli leaders.
What about the United Nations?
• The UN has become ineffective in defending the rights of its member states.
Its decisions are dictated by major powers, and its Secretary-General lacks the authority to enforce General Assembly resolutions, particularly when they contradict US interests.
Some believe that Netanyahu is trying to drag Iran into a direct war with Israel. What is your comment?
• The Zionist entity has always sought to drag the US into a war against Iran.
However, due to its other priorities and past failures in Afghanistan and Iraq, Washington is reluctant to engage in a new confrontation with Iran.
For its part, Iran does not seek to expand the scope of war in the region. However, if a regional war is imposed on it, neither American bases in the region nor the countries that participate or cooperate with Washington in a war against Iran will be spared from its devastating strikes.
Iran sees such a scenario as serving Zionist interests and believes it is not in the best interest of the region.
Some believe that the US and Israel intend to overthrow the Iranian regime as part of the Israeli-American intelligence plan known as the “Clean Break.” What is your comment?
• If they were capable of overthrowing the Islamic Republic of Iran, they would have done so already. They have employed every possible means to achieve this goal, yet they have failed at every turn.
They attempted a failed coup at the beginning of the revolution, and even the most severe sanctions imposed by the US and Europe did not force Iran into submission.
Likewise, America”s “maximum pressure” campaign against Iran ended in resounding failure.
They have also supported unrest in Iran, hoping to bring down the political system, but they have achieved nothing.
The reason behind this failure is that the majority of the Iranian people support their Islamic Revolution.
The spirit of independence and resistance against foreign domination runs deep in their veins. You have seen, and will continue to witness, the people’s support during the anniversaries of the Islamic Revolution’s victory.
Source: Engy Abdelwahab
وزير العمل ومحافظ القاهرة يُسلمان عقود عمل جديدة لذوى همم من أبناء المحافظة
سَلَّم السيد / محمد جبران وزير العمل، ود. إبراهيم صابر محافظ القاهرة، اليوم الثلاثاء، بمقر مديرية عمل القاهرة ،31 عقد عمل لذوي همم من أبناء “المحافظة “، للعمل في 5 شركات هي : سياك لادارة الأصول والمنشآت ، و Eec ،وبازوكا، وأنفير وماستر ،وديناميك للحراسة..وأكد الوزير جبران على أن تسليم عقود جديدة لذوي همم، اليوم ،هو استمرار لتنفيذ خطة الوزارة، وتنفيذ توجيهات السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بدمجهم في سوق العمل ،وتطبيق القانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن نسبة الخمسة في المئة، والتأكيد على التوجيهات لكافة المديريات لتنفيذ خطط دمج ذوي الهمم في كل خطط وبرامج الوزارة لتدريبهم ،وتأهيلهم لسوق العمل أيضا،وتوفير فرص تشغيل لائقة لهم.
من جانبه وأكد محافظ القاهرة على التعاون المُثمر بين وزارة العمل و”المحافظة” في كافة المجالات ذات الاهتمام المُشترك ،وقال أن الدولة تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية ،تحرص على تلبية كافة احتياجات ذوى القدرات الخاصة ، وتوفير كافة أوجه الدعم لهم ،ودمجهم فى المجتمع، واشراكهم فى كافة الأنشطة والمجالات إيمانًا بدورهم الفعال في كل مناحى الحياة .. ..جاء ذلك بحضور مُمثلي مديرية عمل القاهرة بقيادة السيد الشرقاوى مدير المديرية ،واسلام احمد وكيل المديرية ،ومندوبين عن الشركات .
Source: Upload One
من اليوغا إلى الصالة الرياضية.. هل التصالح مع النفس أكذوبة رأسمالية؟
بينما تتصفح مقاطع الفيديو القصيرة على تيك توك أو إنستغرام، يستوقفك مقطع لفتاة رشيقة تستعرض تفاصيل يومها، بداية من الاستيقاظ وترتيب الفراش، ومرورا بغسل الوجه والأسنان، ثم استخدام عدد كبير من مستحضرات العناية بالبشرة والشعر.
ننتقل معها بعد ذلك إلى المطبخ لتحضير إفطار صحي من مكونات عضوية، تتناوله مع كوب القهوة الصباحي، (والذي قد تستبدله بالماتشا أو الشاي الأخضر من أجل خاطر الحياة الصحية) على ضوء شمعة برائحة التوت البري، رغم سطوع ضوء النهار!
وسرعان ما ترتدي ملابس رياضية أنيقة لا يفوتها أن تظهر علامتها التجارية أمام الكاميرا، كي تذهب إلى صالة التمارين لممارسة اليوغا، وكل هذه الخطوات تُقدم تحت عنوان براق؛ العناية بالذات (self care).
هذا المقطع هو مجرد مثال من بين ملايين المقاطع والمقالات والكتب وحلقات البودكاست التي تحمل العنوان ذاته، ضمن ثقافة واسعة الذيوع، تقدم رعاية الذات بوصفها ملاذا يمنحك الفرصة كي تغلق عليك فقاعتك الآمنة، وليحترق العالم في الخارج في مآسيه، المهم أنك بخير والأولوية لسعادتك وراحتك قبل أي شيء.
وفقا لعالم النفس السريري “ماكس فون سابلر”، يمكن من الناحية العلمية أن تكون رعاية الذات مفيدة حقا، فعند الشعور بالتهديد أو الخطر يطلق الدماغ مادة الكورتيزول ويخلق مسارات لتدفق المواد الكيميائية لضمان قدرة الجسم على التصرف بشكل أسرع عند مواجهة ألم أو خطر محدق.
وعادة يبدأ العقل في فتح مسارات جديدة، من خلال تعديل سلوكياتنا، وتبني أنشطة الرعاية الذاتية مثل ممارسة الرياضة أو التسلية، حيث يطلق الدماغ ناقلات عصبية مثل الدوبامين، والأوكسيتوسين والسيروتونين، مما يساعد في تنظيم المزاج وتهدئة القلق والتوتر، ويعزز تبنينا لعادات جديدة أكثر إيجابية في سبيل التكيف.
وبمرور الوقت تضعف المسارات القديمة، وتسيطر المسارات الجديدة، مما يساعدك على إدارة التوتر بطريقة أفضل، وهو ما يجعل بعض المعالجين النفسيين يدمجون استراتيجيات الرعاية الذاتية في خططهم لعلاج القلق والاكتئاب، مع التأكيد على عدم كونها بديلا عن المساعدة النفسية المهنية.
لكن الرعاية الذاتية أو الاهتمام بالنفس، تحولت إلى صناعة ضخمة تبيع وهم السعادة والراحة عبر المنتجات والممارسات الاستهلاكية ووسائل ترفيه وتدليل الذات التي تمنح الأفراد شعورا لحظيا بالرضا.
لكنها في الوقت ذاته قد تعزز من شعورهم بالعزلة، وتضلل أنظارهم عن المعنى الكامن خلف رعاية الذات التي يفترض أن تتجاوز المستويات السطحية الشائعة لتصبح في جوهرها فعلا مقاوما، مما حوّل رعاية الذات إلى مجرد ترس آخر في آلة الرأسمالية العملاقة التي تطحن أرواحنا دون رحمة.
العناية بالذات بين التاريخ والفلسفة
يعرّف قاموس أوكسفورد رعاية النفس بأنها “ممارسة الإجراءات اللازمة للعناية بنفسك والحصول على المساعدة حتى لا تمرض”، بينما تُعرّف منظمة الصحة العالمية الرعاية الذاتية بأنها قدرة الأفراد والأسر والمجتمعات على تعزيز الصحة والحفاظ عليها والوقاية من الأمراض والتعامل مع المرض بدعم أو بدون دعم من مقدم الرعاية الصحية. ويعد تعزيزها وسيلة لتمكين الأفراد والأسر والمجتمعات من اتخاذ قرارات صحية مستنيرة.
وتاريخيا، تبدو ممارسات العناية بالذات ورعايتها قديمة قدم الحضارة الإنسانية؛ ففي مصر الفرعونية على سبيل المثال، أظهرت جداريات المعابد والبرديات القديمة كيف مارس الفراعنة أنشطة مثل تدليك الأقدام للتخلص من التعب.
وقد وصف الطبيب الإغريقي غالينوس الصحة في القرن الثاني الميلادي بأنها ليست نقصا في المرض، بل حالة يمكن تحقيقها من خلال عيش حياة متوازنة، وهو تعريف أقرب ما يكون إلى المفهوم المعاصر عن العافية (Wellness).
كما عُرف أيضا عن الحضارة الإغريقية اهتمامها البالغ بالممارسات الرياضية المختلفة، والأمر نفسه ينطبق على الديانات الشرقية القديمة كالبوذية والهندوسية، وكذلك الديانات السماوية، في الإسلام على سبيل المثال لا يغيب عنا حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الموازنة بين حق البدن والنفس.
فقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لعبد الله بن عمرو وقد بلغه أنه يقوم الليل كله، ويصوم الدهر كله، ويختم القرآن في كل ليله فقال “فلا تَفْعَلْ، قُمْ ونَمْ، وصُمْ وأَفْطِرْ، فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا”.
وتبزغ أهمية استعادة الأصول الثقافية والمبادئ الفلسفية القديمة لرعاية الذات من أجل فهمها بوصفها مواصلة لممارسات راسخة في الثقافة الإنسانية وليست اختراعا حديثا، وذلك وفقا للفيلسوف الفرنسي “ميشال فوكو” الذي قدم في ثمانينيات القرن العشرين سلسلة من المحاضرات في “كوليج دو فرانس” تستكشف رعاية الذات، مستعيدا جذورها في العصور والسياقات المختلفة بداية من المفهوم اليوناني لها (Epimeleia Heautou).
تركز أعمال فوكو على العلاقة بين السلطة والمعرفة، واستكشاف علاقة الخطاب بتاريخ الأفكار، وقد أكد أن معرفة الذات ليست سابقة على رعاية الذات، وإنما هي “أحد مكونات هذا الاهتمام الأساسي”.
وبالعودة إلى عبارة سقراط المنقوشة على جدار معبد دلفي: “اعرف نفسك بنفسك”، فقد ذكر سقراط -وفقا لفوكو- أن المرء ينبغي أن يعتني بذاته كي يصير مواطنا صالحا، ثم أخذ الانشغال بالذات يستقل حتى صار غاية في ذاته.
ووفقا لفوكو، تصبح معرفة النفس وسيلة لا غاية، وسيلة لفهم الذات وعلاقتها بالآخرين والعالم من حولها، ولتحريرها من ديناميكيات السلطة ولإعادة تشكيل الهوية، وعلى هذا النحو يصبح المعنى الأدق لعبارة سقراط في هذا السياق هو “اهتم بنفسك”.
استكشف فوكو في محاضراته إمكانية تحرر الفرد من ديناميكيات السلطة القمعية التي تمليها عليه الخطابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية عبر ممارسة رعاية الذات، حيث تفرض هذه الخطابات قواعدها على الذات نظرا لارتباطها بالسلطة التي تملك القوة لفرض تصورها عن الحقيقة واللاحقيقة، أو المشروع والممنوع.
ووفقا لفوكو، تشكل رعاية الذات ممارسةً مدى الحياة، لكنها لا تتطور إلى انسحاب من العالم، بل إلى علاقة مكثفة به.
وهي ليست انغماسا في العزلة، لكنها ممارسة اجتماعية تشكل فيها علاقة الفرد بالآخرين مكونا أساسيا في علاقته بذاته، وهي ليست سعيا سطحيا للرفاهية، وإنما التزام عميق بفحص الذات ورعايتها يسمح للأفراد بمقاومة معايير السلطات القمعية وتنمية هويتهم الأخلاقية الخاصة.
والحق أن هذا الفكرة كرست مفهوم العناية بالنفس والانشغال بها، ونقلته إلى أبعاد فلسفية أسهمت كثيرا في تكريس الأنانية، واغتراب النفس عن محيطها.
“رعاية نفسي ليست انغماسا في الذات، بل هي حفاظ عليها، وهذا عمل من أعمال الحرب السياسية”
أودري لورد في كتابها “انفجار الضوء”
ثم جاءت حقبة الستينيات بكل ما فيها من زخم لحركات التحرر العالمية، والحراك النسوي وحركات مقاومة العنصرية، لتشهد تكريس رعاية الذات كفعل جذري لمقاومة القمع. فأصبحت الرعاية الذاتية من هذا المنطلق رد فعل على قصور المؤسسات الصحية والنظام الذي أدار ظهره للفئات المهمشة من المجتمع.
وتتضح أهمية رعاية الذات في هذا السياق بشكل خاص في المجتمعات التي تعاني من القمع الممنهج والتهميش، والعيش في ظل أنظمة سياسية لا تُعنى بالعدالة في توفير خدمات الرعاية الصحية، وفي هذه الحالة تصبح رعاية الذات مسألة حياة أو موت، ويغدو الاهتمام بالجسد والروح والعقل فعلا أساسيا لمقاومة القمع. لكن المفارقة أن ما بدأ كفعل سياسي مقاوم، استولت عليه الرأسمالية ليصبح أداة استهلاكية تدعم استمرار الأنظمة الحالية.
صناعة العافية.. الوجه الآخر لرعاية الذات
وما دمنا نتحدث عن التوظيفات التجارية والرأسمالية لمفهوم العناية بالنفس، بدأ يزدهر مفهوم موازٍ له، وهو العناية بالجسد كمادة وكتلة عضلية، وهو ما يطلق عليه صناعة العافية (Wellness industry).
تشمل صناعة العافية الخدمات والمنتجات المصممة لتعزيز الصحة ونوعية الحياة بمختلف جوانبها الجسدي والبيئي والاجتماعي، مثل: صالات التمارين، ومنتجات الأكل الصحي والمكملات الغذائية، وكلها أمور طيبة وبلا ضرر، أليس كذلك؟
إن النظرة الأولى لا تظهر سوى الوجه النبيل، لكن نظرة أعمق على سوق منتجات وخدمات العافية تكشف عن صناعة زادت قيمتها عن 6 تريليونات دولار، ومن المتوقع أن تنمو إلى قرابة 9 تريليونات بحلول عام 2028.
ظهر مصطلح العافية في ستينيات القرن الماضي عبر سلسلة من 29 محاضرة قدمها رئيس المكتب الوطني للإحصاءات الحيوية في الولايات المتحدة، “هالبرت إل دان”، وكانت أساس كتابه المنشور فيما بعد بعنوان “العافية عالية المستوى”.
وقد ظل تأثير الكتاب محدودا إلى حد بعيد، حتى عام 1975 مع افتتاح مركز موارد العافية في كاليفورنيا، حيث ساعدت النشرة الإخبارية التي تركز على العافية من جامعة كاليفورنيا بيركلي في إضفاء الشرعية على المفهوم.
ورغم حداثته، تشير الكاتبة دانييلا بيلي في مقالها الوعود الزائفة لثقافة العافية إلى مفهوم مشابه ظهر في أوروبا أواخر القرن 19 باسم “إصلاح الحياة” (life reform)، خاصة مع ما أشارت إليه من سمات متشابهة في العصرين، من بينها الثورة التكنولوجية التي تشابه ظروف الثورة الصناعية، وما خلقته من ثروة ووقت فراغ متاحين للطبقة الوسطى، مع الشعور بالاغتراب وانعدام اليقين، والقلق الوجودي من تأثير المجتمع الحضري الصناعي.
في عام 1891 نشر “لويس كونه” كتابه “علم الشفاء الجديد” (Neo Naturopathy: the new science of healing or the doctrine of the unity of diseases)، الذي كتبه بعد رحلة طويلة مع الأمراض المزمنة، حيث شهد معاناة والدته من تعنت الأطباء وسوء معاملتهم، كما عانى هو شخصيا من رحلة مرضه الطويلة، ليصاب باليأس من جدوى الطب النظامي ويقرر اللجوء إلى ممارسات الطب الطبيعي البديلة. ذاع صيت الكتاب، وترجم إلى العديد من اللغات، وسرعان ما افتتح “كونه” عيادة ضخمة طبّق فيها ما توصل إليه في كتابه.
إن هذا النفور من المجتمع الصناعي وما صاحبه من مخاوف بشأن تأثيراته السلبية، بالإضافة إلى انعدام الشعور بالثقة في ممارسات الطب النظامي.
كلها عوامل أدت إلى ذيوع ممارسات مثل التوجه إلى الأنظمة الغذائية النباتية، والامتناع عن تناول الملح والسكر، وزيارة المصحات العلاجية التي توفر مساحة لاستعادة التواصل الإنساني مع الطبيعة، وممارسة الأعمال اليدوية في الهواء الطلق، وهي ممارسات وصفها لويس كونه وطبّقها هو وغيره من المعالجين، في نهايات القرن 19 وبدايات القرن 20، وقد ظهرت في العديد من الأعمال الأدبية، مثل رواية ” الجبل السحري” لتوماس مان، ومراسلات “فرانز كافكا” الذي عانى هو أيضا من الإصابة بمرض مزمن ولجأ إلى هذه المصحات العلاجية التي وصفها في مراسلاته ويومياته.
من فعل مقاومة إلى وسيلة للانسحاب.. الجانب الاستهلاكي لرعاية الذات
لم تدع الرأسمالية مفهوما نبيلا إلا حوّلته إلى بقرة مدرّة للنقود ودأبت على حلبها. لقد تحولت مفاهيم الرعاية الذاتية والعافية إلى ساحة ضخمة لتسويق منتجات لا تسعى إلا خلف الربح المادي، عبر آليات دعائية ضخمة تحيطنا من كل جانب بشكل شبه يومي في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، مما ولد لدينا شعورا زائفا بالحاجة لهذه المنتجات، وحوّلها إلى قائمة طويلة من المهام تزيد من شعورنا بالضغط بدلا من تخفيفه. إذ يعاني غير القادرين من الشعور بالعجز والتهميش والمزيد من العزلة الاجتماعية، أما من يتمكنون من اللحاق بسباق المنتجات اللاهث فسرعان ما يدركون المدى القصير لتأثيرها، مما يوقعهم تحت وطأة الشعور بالندم وعدم الكفاءة.
وبحسب “كارل سيدارستروم” و”أندريه سبايسر”، مؤلفيْ كتاب متلازمة العافية، يأتي الهوس برعاية الذات على حساب المشاركة في المجتمع، وهو ما يعني أن العافية الفردية في شكلها المعاصر أصبحت بمثابة أيديولوجيا تعمل ضد التغيير الاجتماعي، عبر إيهام الفرد بأن ما يشعر به من إرهاق أو توتر لا علاقة له بخلل في بنية النظام من حوله، وإنما هو سوء تكيف فردي يتطلب منه استجابة فردية.
فإذا شعرت بالغضب أو اليأس والإحباط فهذه مشكلتك وحدك، وعليك أن تتحمل مسؤولية حلها، وليس السبب أنك تعيش في صراع دائم مع نظم اجتماعية وسياسية فاسدة أو متحيزة أو لا تمنحك كامل حقوقك.
ووفقا للكاتبين فإن هذه الأيديولوجيا تتيح للأفراد فرصة الاستسلام أمام الأوضاع الخارجية الراهنة، واللجوء إلى مسكنات مؤقتة، بدلا من اتخاذ رد فعل جماعي تجاه الأزمات، ومحاولة إحداث تغيير حقيقي مجتمعي أو سياسي.
وفي كتابها المشار إليه “انفجار الضوء”، دافعت “أودري لورد” الشاعرة والناشطة الأميركية؛ عن الرعاية الذاتية بوصفها فعلا للحفاظ على الوجود والاستمرار في المقاومة، هدفه الحفاظ على الذات لا الانغماس فيها، وهو فعل يشمل أيضا رعاية الآخرين ودعمهم وتلقي الدعم منهم.
لكن رعاية الذات تحولت في السياق الاستهلاكي المعاصر إلى مسعى فردي يعزز عزلة الأفراد عن القضايا التي تسبب معاناتهم، ويتجاهل علاقاتهم بالسياق المجتمعي الأوسع، ويمنحهم مسكنات مؤقتة تطيل أمد دورانهم تحت نير عجلات الرأسمالية الطاحنة.
ومن ناحية أخرى، يفترض هذا الخطاب أن الجميع لديهم فرص متساوية للوصول إلى خدمات الرعاية، متجاهلا عدم المساواة الذي يحرم بعض فئات المجتمع من أبسط الحقوق، مما يحمل الأفراد المسؤولية عن مشكلاتهم بدلا من الأنظمة والحكومات.
“من بين جميع أشكال عدم المساواة، فإن الظلم في الصحة هو الأكثر إثارة للصدمة والأكثر وحشية”
مارتن لوثر كينغ جونيور
رعاية الذات.. هل هي الحل السحري للمعاناة العقلية؟
وفقا للتقرير العالمي للصحة النفسية الصادر عن منظمة الصحة العالمية عام 2023، قُدِّر عدد المصابين باضطرابات الاكتئاب قبل جائحة كورونا بنحو 183 مليونا، وعدد من يعانون من اضطرابات القلق بنحو 298 مليونا، وهي الأرقام التي قفزت بعد عام 2020 إلى 246 مليون مصاب باضطراب الاكتئاب الرئيسي، و374 مليون مصاب باضطرابات القلق، في عام واحد فقط.
ورغم ذلك يعاني الكثيرون من صعوبة الوصول إلى خدمات الصحة العقلية. وفقا للتقرير نفسه، يقدر عدد من لا يتلقون خدمات الصحة العقلية من المصابين بالذهان بحوالي 71%، حيث لا يتجاوز متوسط إنفاق الدول على الصحة العقلية 2% من ميزانيتها الصحية.
ويوجد أقل من عامل واحد في مجال الصحة العقلية لكل 100 ألف نسمة في الدول منخفضة الدخل، التي يعاني سكانها من أزمات أخرى ترتبط بارتفاع أسعار العقاقير النفسية الأساسية أو حتى عدم توافرها، بالإضافة إلى عدم توافر المعرفة الكافية، والوصم المجتمعي المرتبط بالأمراض العقلية والنفسية.
وفي ظل صعوبة الوصول أو نقص خدمات الرعاية الصحية العقلية والنفسية، أصبح الحل السريع والسهل هو الترويج لرعاية الذات كحل بديل يتجاهل المشاكل الهيكلية للأنظمة الصحية وينقل مسؤولياتها من على عاتق الحكومات إلى الأفراد.
من ناحية أخرى، لا يمكن إنكار أهمية ممارسات الرعاية الذاتية في مجال الصحة العقلية للأسباب نفسها، ففي حال صعوبة الحصول على مساعدة طبية تظهر أهمية القيام بأمور بسيطة تساعد الفرد على التحسن، سواء بمفرده أو بالتنسيق مع أخصائي أو عبر مجموعات الدعم، لكن في هذه الحال يحتاج الفرد للوصول إلى معلومات واضحة وشاملة قبل اختيار الوسيلة المناسبة كي يتمكن من اتخاذ قراره، وكي لا يتسبب في نتيجة عكسية.
وبالرغم من أن استراتيجيات رعاية الذات المستدامة قد تساعد -كما سبقت الإشارة- على تخفيف التوتر والإجهاد، ففي بعض الحالات قد تؤدي إلى نتائج عكسية عندما لا تؤدي إلى التحسن السريع المرجو، وذلك بافتراض قدرة الفرد من الأساس على اتباع هذه النصائح، فبعض اضطرابات القلق والاكتئاب ترتبط بأعراض متعلقة باضطرابات النوم والشهية والإجهاد المزمن، مما يجعل نصائح مثل النوم المبكر وتناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة أمورا غير قابلة للتنفيذ بهذه البساطة.
يُظهر هذا الخطاب غير الواقعي عن تأثيرات رعاية الذات على الصحة النفسية؛ المرضَ العقلي باعتباره مشكلة بسيطة يمكن للفرد التغلب عليها بتمارين اليوغا وروتين البشرة، في حين أنه معركة صعبة لها جوانب مختلفة فسيولوجية ونفسية تمتد جذورها أعمق من هذه الحلول السطحية.
فخ العزلة.. رعاية الذات بين الشرق والغرب
اليقظة الذهنية (Mindfullness) إحدى الممارسات الرئيسية في الديانات الشرقية مثل البوذية والهندوسية، كما يزعم بعض الباحثين وجود جذور لها تمتد إلى الديانات السماوية كذلك. وهو مفهوم عاد إلى الرواج مؤخرا بعد أن جُرّد من سياقاته، لتقدر إيرادات شركة “هيدسبيس” (Headspace) على سبيل المثال (وهو تطبيق يقدم مجموعة من تمارين اليقظة الذهنية)؛ بنحو 50 مليون دولار سنويا.
وبالرغم من أن هذا الانتشار أدى إلى سهولة وصول الأفراد إلى هذه الممارسات وزاد من انتشارها، فقد أدى تسليعها لأن تصبح مجرد نسخ سطحية وفارغة من معناها وأصالتها.
كان الرواد الأوائل مثل “كارل يونغ” و”أبراهام ماسلو” قد وضعوا الأسس والمبادئ لدمج المفاهيم الروحية في الممارسات النفسية، وفي أوائل ثمانينيات القرن الماضي وضع “جون كابات زين” حجر الزاوية لبرنامج تقليل التوتر القائم على اليقظة الذهنية عبر كتابه “Full Catastrophe Living: Using the Wisdom of Your Body and Mind to Face Stress, Pain, and Illness”، وهو ما فتح الباب خلال العقود التالية لسيل من الدراسات التي عززت فاعلية استخدام التدخلات القائمة على اليقظة الذهنية كأداة لتعزيز الصحة العقلية وتخفيف أعراض القلق والتوتر في علم النفس الغربي المعاصر.
فقد أظهرت دراسات التصوير العصبي أن ممارسة اليقظة الذهنية تؤدي إلى تنشيط قشرة الفص الجبهي، وهو ما يساعد في تحسن الأداء الإدراكي وإدارة الاستجابات العاطفية، كما تؤدي إلى انخفاض نشاط اللوزة الدماغية في استجابتها للتوتر، مما يقلل من مشاعر القلق والتوتر في مواجهة المواقف الصعبة.
ومن ناحية أخرى، تعزز المرونةَ العصبية، وتحسّن الاتصالَ الوظيفي بين قشرة الفص الجبهي والمناطق الحوفية، وهو ما يعني تعزيز تكامل العمليات المعرفية والمرونة العاطفية. لكن على الجانب المقابل، هناك العديد من التشككات تجاه العيوب المنهجية وتحيزات النشر المتعلقة بهذه الدراسات.
ففي مراجعة أجريت عام 2020 وجد الباحثون أنه من بين 7000 دراسة نشرت حول اليقظة الذهنية، هناك 1% فقط من الدراسات فحصت التجارب السلبية والآثار الجانبية المحتملة.
وقد أشارت دراسات أخرى أحدث إلى الآثار الضارة المحتملة والمتعلقة بممارسات اليقظة الذهنية، مثل الإثارة غير المنظمة والقلق والانفعالات المفرطة وضعف الوظيفة التنفيذية. وبحسب دراسة نشرت عام 2021 بعنوان “تحديد وقياس التأثيرات الضارة المرتبطة بالتأمل في البرامج القائمة على اليقظة الذهنية”، فقد كشف نحو 83% من عينة الدراسة عن واحد على الأقل من الآثار الجانبية المرتبطة بممارسة التأمل واليقظة الذهنية، كما أصيب ما بين 6 إلى 14% من العينة بآثار سلبية استمرت لأكثر من شهر كامل.
لقد جردت صناعة العافية الحديثة ممارسات مثل اليوغا واليقظة الذهنية من سياقاتها الدينية والتاريخية، وحولتها إلى سلع تباع عبر الهاتف الذكي، وعبر التطبيقات وقنوات اليوتيوب، وصالات التمارين وإستوديوهات اليوغا، وأصبحت وسيلة فردية للهروب من الواقع.
وما يثير المخاوف هو الاستيلاء الثقافي الذي يهمل السياقات الثقافية الفريدة لكل ما هو غير غربي، ويؤدي إلى إدامة المواقف الاستعمارية، ومركزية نماذج رعاية الذات الغربية ومنحها الأولوية، مع تفريغ الممارسات الثقافية الفريدة من معناها، وتجاهل الفوارق بين الثقافات المختلفة.
فإذا كانت الرعاية الذاتية تؤطَّر في المجتمعات الغربية بوصفها مسعى فرديا، فعلى العكس، غالبا ما تربط الثقافات الشرقية بين رفاه الشخص وعلاقته بأسرته ومجتمعه الأوسع، وتؤكد على قيم التوازن بين الجسم والروح والعقل.
وبحسب العالمة الأنثروبولوجية المتخصصة في دراسات أميركا اللاتينية “مايا راميريز”، فإن ممارسات رعاية الذات في مجتمعات أميركا اللاتينية غالبا ما تدور حول الالتزامات العائلية، حيث يجد الأفراد الإشباع في دعم المقربين منهم، وهو مفهوم مقارب لممارسات الرعاية الذاتية المجتمعية في أفريقيا، مثل احتفالات الشفاء التقليدية والوجبات الجماعية المشتركة التي تصبح أدوات لاستعادة التوازن العاطفي والروحي.
وبالمثل يمكننا رؤية ممارسات مماثلة في الحث على أهمية صلة الرحم في الإسلام، والربط بين العطاء المادي والتطهر الروحي، وهو ما يتضح في الجذر اللغوي للفظ الزكاة، الذي يعني حرفيا التطهر.
وكلها ممارسات تعمل على تعزيز الروابط المجتمعية وخلق إحساس جمعي بالعافية والرعاية، في مقابل التركيز الغربي المعاصر على الخلاص الفردي، والذي يضع السعادة والمتعة وتحقيق الرغبات الشخصية في المرتبة الأولى، ويتجاهل أهمية التواصل مع الآخرين بما يفاقم من عزلة الفرد، وهو ما يعيق مسارات رعاية الذات المستدامة والتي يحتاج فيها المرء إلى مساحة واسعة من منح الدعم للآخرين وتلقيه منهم.
وجانب آخر مثير للقلق يتضح في الخلط بين الصحة والجمال الخارجي، فقد أصبح المظهر الخارجي للشخص مؤشرا على صحته، وهو ما أدى إلى زيادة الهوس بشأن الصورة الذاتية، والذي يتضح في الهوس باللياقة البدنية ليس فقط من أجل الأسباب الصحية، وإنما من أجل الحصول على قوام يلائم الصورة المثالية المتخيلة، مع سيادة الربط بين الصحة الجيدة والنحافة، لتصبح معركة الفرد اليومية مع جسده بدلا من التركيز على صراعاته مع الخارج، وهو ما يتلاءم بشكل أو بآخر مع الجانب التسويقي لصناعة العافية.
وبينما يفرض علينا خطاب الرعاية الذاتية مفهوما استهلاكيا سطحيا، يتجاهل الإجراءاتِ الضروريةَ الأكثر صعوبة، حيث يمكن أن تصبح الرعاية الذاتية الشاملة والمستدامة سبيلا حقيقيا للنمو الشخصي، عبر رعاية مختلف جوانب وأبعاد وجودنا الإنساني الجسدية والعاطفية والدينية والاجتماعية.
تذكّر دائما أن رعاية الذات لا تتعلق بشراء المنتجات الفاخرة، وليست سبيلا لتعزيز الإنتاجية. تذكر أن رعاية الذات ليست أمرا سهلا، وليست علاجا لمشكلاتك النفسية أو العقلية، وهي تتعلق أيضا بأفكارك لا بسلوكياتك فقط، وبقدرتك على الاعتراف بمشاعرك والتعاطف مع ذاتك.
رعاية الذات لا تتعلق بالاختباء خلف قوارير المستحضرات، هربا من أي محاولة تغيير حقيقي قد يهدد استقرار الوضع الراهن رغم كل ما يحمله هذا الوضع من مساوئ، بل تتعلق بالجهد اليومي لمواصلة حياتك في عالم يرغب في بقائك خاضعا، مضللا عن مشكلات النظام، ومنشغلا بمشكلاتك الفردية. وهي التزام ممتد، وليست فعلا قصير المدى، كما أنها ليست انغماسا فيها بل هي فعل مقاومة، يستمسك بأهمية البقاء والصمود، بينما نحيا معاركنا اليومية في ظل أنظمة تسعى لقتلنا بالمعنى الحرفي والمجازي في كل يوم.
Source: Apps Support
الثالوث الذي دمر حميدتي
تظلّ دراسة الخصائص الشخصية والنفسية للقادة- مدنيين كانوا أم عسكريين، متفقين معهم كنا أم مختلفين- أمرًا مهمًا يكتسب أهمية قصوى في سياق الحاجة لمعرفة توجهاتهم وطرق تفكيرهم، وهو ما يساعد على القراءة والتنبّؤ بخطواتهم اللاحقة وبكيفية تعاملهم مع المواقف والأحداث.
وحين تكون الشخصية محل الدراسة، مؤثرة في حياة الناس سلبًا أو إيجابًا تزداد أهمية ذلك، فعلم النفس حول سلوك وسمات القادة الفعّالين، يكشف كيف يؤثر القادة على مواقف أتباعهم وسلوكياتهم وأدائهم.
تلك كانت مؤشرات الدراسات الاجتماعية والنفسية حول القادة، وهنا نحن أمام حالة ربما يعجز حتى علم النفس الحديث عن سبر أغوارها وتناول شخصيتها التي حطّت رحالها على عجل في المشهد السياسيّ والعسكريّ السوداني، فهي بلا تاريخ ولا حيثيات مقنعة لتتصدر كلّ هذا المشهد، ولتلعب كل هذه الأدوار الخطيرة والمدمرة.
إنها شخصية قائد مليشيا الدعم المتمرد السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، ومن خلال هذا المقال تلمس نشأتها في بواكير حياتها الأولى ليتضح من غير عناء أن شخصيته كانت أقرب (للمادة الخام) التي لم تُستصلح خامتها بالتطوير ولم تكتسب قيمتها بالإضافة.
فهو لم ينل حظًا وافرًا من التعليم، فقط مجرد إنسان بدوي بسيط على سجيته اكتسب شيئًا من طبائع البادية، حيث يولد الناس هناك أغلبهم أذكياء بالفطرة وشجعان بالميلاد، تطغى فراستهم على خوفهم وصدقهم على كذبهم، ورعايتهم للعهود على خيانتهم لها، بهذه الشخصية (الخام) وبكثير من الطموح القاتل الناتج عن الحرمان، ولج حميدتي المدن ودخل العواصم، ثم رأى الحضر وأهله لتختلط عليه الأمور متناسيًا البادية وأهلها، ومتخلّيًا عن طبائعها.
وحول أخلاق أهل البادية يرى ابن خلدون أنها في المجمل مكان لجملة من الفضائل الإنسانية فيقول: (البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر وإن البادية أصل العمران، والأمصار مدد لها)، ثم يرى في كتابه أن الحضارة (تضعف من يملك أسبابها، ويستسلم لنعيمها، فتفسد الحضارة طبعه، ويستولي عليه الترف، فيفسد ويضمحل). وفي فصول أخرى، يبدأ ذمَّه لبعض حالات البداوة، وانتقاصه من شأنها.
بهذه الخصائص الشخصية والأوصاف النفسية دخل الجنرال في الدنيا الجديدة بكل تعقيداتها وتشعباتها العصية على مدارك فهمه وقدرة استيعابه، هناك حيث عِلية القوم وأكابر الناس، وحيث القادة العسكريون الحقيقيون تملأ النجوم والنياشين أكتافهم، تفتح لهم الأبواب وتصطف لهم طوابير الشرف، فيها رأى أصحاب المال والأعمال وخالط الأثرياء واحتك بالعوائل الغنية.
في هذا العالم الجديد حيث مباهج الحياة ومغرياتها، دخل الجنرال في متاهة عميقة من الحوار العنيف بينه وبين نفسه، يحاورها ويستمع لصداها وهو يريد أن يكون كلَّ هذا؛ قائدًا عسكريًا عظيمًا كتفًا بكتف مع الجنرالات عبود وسوار الذهب والنميري والبشير والبرهان، ورأسماليًا كبيرًا يكنز الأموال ويحتكر الأعمال، يشيد المصانع ويناطح الأثرياء، يريد أن يصبح زعيمًا سياسيًا ضخمًا له من الأتباع ما يبزّ الترابي وآل المهدي وآل الميرغني.
باختصار، إنه يرغب في أن يكون كل شيء وبأقصى سرعة. فإذا كان قد وجد الطريق سالكًا نحو مقعد الرجل الثاني في الدولة، فلمَ لا يكون الأول فيصبح رئيسًا للسودان، كل السودان بمثقفيه ونخبه وعلمائه وجامعاته، بتاريخه ونضالاته، من لدن مملكة سنار وسلطنة دارفور إلى المهدية وجمعية اللواء الأبيض، ومنذ مثقفي نادي الخريجين ولحين مأثرة رفع الأزهري والمحجوب لعلم دولة 56 على سارية الاستقلال.
لِمَ لا، وقد اجتمع له ما لم يجتمع لغيره؛ المال والرجال، والسلاح والنفوذ، وفوق هذا وذاك الوهم الذي بلغ به حدًّا جعله يعتقد أن أي شيء في السودان قابل للبيع والشراء، الذمم والمواقف، الرجال والنساء، ما دام أن مناجم ذهبه لا تنضب، لقد وصل حمدان إلى نقطة اللاعودة.
هذه الشخصيات المتعددة في جلباب حميدتي والتي تعيش داخل نفسه سوّلت له أمره وصنعت تلك الشخصية الجديدة المتخلقة (الهجين) التي تمسي هنا وتصبح هناك، تصالح اليوم وتعادي غدًا، تدخل في هذا الحلف وتنشئ غيره، تقول الشيء وتفعل ضده.
الشخصية الهجين هذه كانت أسيرة لثلاثية الجهل والمال والطموح، فاندفعت وانتفخت للحد الذي قادها لتنفجر على نفسها، ظن حمدان أن بمقدوره أن يتملك السودان بأرضه وشعبه وتاريخه، وأنه سيتوج نفسه أميرًا عليه.
كانت تلك سمات شخصيته المزهوة التي عبر عنها بعد يومين من اندلاع الحرب بكل غرور الدنيا وصلف العالمين حين قال: (البرهان ما عندنا معاه كلام، يسلم بس، وكان ما سلم بنستلمه).
كان حميدتي في داخله مفتونًا بالنخبة السودانية بوعيها وتاريخها وأرستقراطيتها وأمجادها وبأسلوب حياتها، واجتهد ما وسعه الجهد في مجاراتها، وعندما رأى نفسه صفرًا في مكيال التعليم وميزان الثقافة امتلأ حقدًا عليها، وراح يتعالى بالنياشين الكذوبة على كتفه ويظهر ذلك الحقد في تصريحه الشهير قبيل الحرب مهددًا سكان العاصمة الخرطوم: (لو قامت الحرب، عماراتكم السمحة دي إلا تسكنها الكدايس)، يقصد القطط.
كما قال الدكتور مصطفى محمود: فإن أشق الحروب هي حرب الإنسان مع نفسه، وهذا عين ما فعله حمدان بنفسه، من النعيم إلى الجحيم، ومن سعة الدنيا إلى ضيقها، من الاستحواذ على كل شيء إلى لا شيء.
ومن عجب أن المباهج ومغريات المدن لم تنسِه البادية وحدها، بل أنسته حتى طباعها التي جُبلت على مكارم الأخلاق، حين خاض حربه بلا أخلاق ولا مكارم، لم يكن حمدان ومرتزقته رجالًا ولا فرسانًا حيث خاضوا حربهم بأكثر درجات الجبن والنذالة، حرب الاستباحة لأملاك الناس والتعدي على حقوقهم وحرماتهم، هكذا كانت حرب الجنجويد من النوع البشع الغارق في الرذائل.
الآن أكملت حرب الجنجويد على السودانيين عامها الثاني، وهي تمضي نحو خواتيمها، إلى طردهم وإنهاء أسطورة حميدتي، الذي لم يتمكن من استلام البرهان ولا من حكم السودان، بل انتهى إلى مصير غامض ما بين هارب متخفٍ من ميدان المعركة إلى ميت لا وجود له إلا من خلال فيديوهات قصيرة، يعتقد أغلب السودانيين تهكمًا أنها مفبركة من إنتاج الذكاء الاصطناعي، بهدف خديعة جنوده بأن القائد معهم وبينهم في ميادين القتال يخوض المعارك.
لم يحقق حميدتي شيئًا، ولم ينجح في شيء إلا الهزيمة واكتساب كراهية السودانيين ولعناتهم التي ستلاحقه حيًا وميتًا، فمشاعرهم الغاضبة لن تغفر تلك الآلام وذلك البؤس الذي صنعه بهم، فهي لم تتفق مجتمعة على أمر كاتفاقها على كراهية حميدتي ومليشياته، للدرجة التي تحولت إلى مزاج شعبي ومجتمعي عام لن ينساها السودانيون، ولن تطويها الأيام.
انتهى حميدتي إلى كونه ظاهرة صوتية، تظهر من حين لآخر عند كل هزيمة كبيرة يلحقها به الجيش السوداني، يبدو فيها دائمًا في حالة مزاجية سيئة، يكيل الشتائم والسباب على الجميع بطريقة أقرب للتشنج والتوتر، ثم يُمَنِّي ما تبقى معه من مرتزقة بنصر قريب لكنه لا يأتي أبداً.
ولأن حميدتي لا يملك مشروعًا واضح المعالم، سياسيًا أو فكريًا، غير تلك الخطابات الارتجالية التي تندرج تحت بند الكلام الدارج الذي يقال أمام الناس وفقًا لما يطلبه المستمعون، والذي يقابله عادة الناس كفاصل درامي يلعب فيه حميدتي دور البطل المهرج، فقد كان وِفَاضُ القائد خاليًا من أن يقدم مشروعًا متكاملًا يوازي أحلامه العريضة ورغبته الجامحة في حكم السودان.
المشروع الوحيد عند حميدتي هو مشروعه الشخصي القائم على الطموح الجامح، وحتى هذا كان أمرًا هلاميًا بلا سيقان أو هوية محددة تمكنه من التنفيذ، فغاب بالتالي مشروعه بغيابه هو كقائد، وانتهى كل شيء، الأحلام والأماني والقوات التي لا تُقهر ولا تخسر، وتبقت جزر المليشيا معزولة ومقهورة، تنتظر مصيرها المحتوم بالموت والهلاك.
كان ذلك هو مشروع حميدتي الهلامي، الذي ما استقرت له وجهة، ولا عُرف له مؤيدون، سوى من تم شراؤهم بحفنة معدودة من المال، سقط هذا المشروع بسقوط صاحبه، وشيِّع أتباعه ملفوظين من المجتمع السوداني السليم.
انتهى حميدتي، وانتهت قواته، وبقي السودان، رغم ما به من جراح غائرة، وحريق ورماد، إلا أنه سينهض ويحلق في الفضاءات من جديد، كما يفعل طائر الفينيق، معلنًا عودته للحياة مرة أخرى، فإرادة الشعوب الحرة لا تنكسر، وعزائمها الأبية لا تخور.
Source: Apps Support
انعكاسات رفض جهات كردية الإعلان الدستوري على اتفاق قسد ودمشق
أنقرة- أثار اعتراض كيانات سياسية كردية سورية -على الإعلان الدستوري الناظم للمرحلة الانتقالية في سوريا- مخاوف من تأثيرات سلبية على الاتفاق الأخير بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وحكومة دمشق الجديدة، والذي ينتظر أن تعقبه مرحلة جديدة ومنعطف تاريخي في البلاد التي أنهكتها الحرب.
ووصفت “الإدارة الذاتية” في شمالي شرقي سوريا -والتي تمثل الواجهة المدنية لـ”قسد”- الإعلان الدستوري الصادر من دمشق بأنه “مماثل لسياسات حزب البعث السابقة”، معتبرة أنه يفتقر إلى معايير التنوع الوطني السوري “ويخلو من بصمة أبناء سوريا من الأكراد والعرب والسريان والآشوريين وغيرهم من المكونات”.
كما اعتبر المجلس الوطني الكردي الذي يضم عدة أحزاب كردية سورية الإعلان الدستوري بأنه بعيد عن التطلعات نحو بناء دولة ديمقراطية تعكس التنوع الحقيقي للمجتمع السوري.
وأكد المجلس في بيان، أول أمس الاثنين، أنه يدعم مطالبات منظمات المجتمع المدني والفعاليات الاجتماعية بتعديل الإعلان الدستوري، بما يضمن حقوق الأكراد والمكونات كافة.
ويخشى أن ينعكس موقف تلك الكيانات الكردية سلبا على الاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في 10 مارس/آذار الحالي، والذي وصف بأنه “تاريخي” لما يتضمن من إدماج قوات “قسد” في مؤسسات الدولة وتأكيد وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم.
ويصف عضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري السوري، أحمد القربي، الرفض الكردي بأنه يستند إلى موقف سياسي أكثر مما هو موقف مرتبط بطبيعة الإعلان، مشيرا إلى وجود تيارات سياسية في “قسد” ترفض الاتفاق مع دمشق، وتحاول التشويش عليه من خلال وضع العصي في الدواليب.
واستبعد القربي -في حديث للجزيرة نت- أن يؤثر موقف هذه الكيانات الكردية السورية سلبا على نجاح الاتفاق بين الإدارة السورية وقوات قسد، مؤكدا أن المبادئ الأساسة “أمر متوافق عليه بين الجانبين ويرتبط نجاح تطبيقه بالمواقف الدولية لاسيما الأميركية والتركية”.
وأعرب عن اعتقاده أن تنفيذ الاتفاق يتعلق أيضا بالمواقف ضمن مكونات قوات قسد ورغبتها بالانخراط ضمن الدولة السورية الجديدة من عدمه، لافتا إلى أن الإعلان الدستوري يستخدم “شماعة” من تلك الكيانات الكردية التي عبرت عن رفضه.
وشدد الحقوقي السوري على ضرورة النظر إلى الإعلان الدستوري بأنه ناظم لمرحلة انتقالية في سوريا، وليس دستورا دائما للبلاد.
ورقة ضغط تفاوضي
ومن المقرر أن تجتمع لجنة شكلتها الرئاسة السورية أخيرا مع قائد قسد، يوم غد الأربعاء، بهدف استكمال الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في دمشق، وسط تجاذبات وتطورات عدة في الموقف الكردي.
في حين كشفت مصادر للجزيرة نت أن كيانات كردية تعتزم تشكيل وفد مشترك لزيارة دمشق، وبحث تداعيات الاتفاق الأخير مع قوات قسد وبدء عملية تفاوض جديدة.
ورأى الأكاديمي والمحلل السياسي الكردي فريد سعدون أن ما أزعج الكيانات الكردية ومنها المجلس الوطني الكردي عدم إشراكها في الرأي والإعداد للإعلان الدستوري السوري، وعدم تضمن الإعلان بندا خاصا بالقضية الكردية.
وقال سعدون للجزيرة نت إن البيانات الكردية والمظاهرات الرافضة للإعلان الدستوري “ورقة ضغط سياسي أولا، وتحشيد للرأي العام ثانيا، ورسالة إلى المجتمع الدولي ثالثا”، وأشار إلى أن الموقف الكردي سيعزز الورقة التفاوضية لديه خلال المرحلة المقبلة، مما يدفع بالاتفاق نحو التنفيذ أكثر منه نحو العرقلة.
لكن الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان اعتبر أن هناك انقساما في الموقف الكردي السوري، حيال الاتفاق الأخير مع حكومة دمشق، مؤكداً أن “الإدارة الذاتية” ومجلس سوريا الديمقراطية “مسد” يرفضان مبدأ التقارب مع الإدارة السورية الجديدة.
وأوضح علوان للجزيرة نت أن تنفيذ الاتفاق لن يتأثر بشكل رئيس بالإعلان الدستوري “بل بالانقسام الحاد في الموقف الكردي” لافتا إلى أن الموقف الغربي لاسيما الأميركي سوف يضغط لمنع إحداث انقسامات كبيرة في شمالي شرقي سوريا حيث يسيطر الأكراد.
وبحسب علوان، فإن الأطراف كافة ستحاول الحفاظ على الخطوط العريضة للاتفاق بين “قسد” ودمشق، خصوصا الحكومة السورية، فيما ستكون التفاصيل بتنفيذه هي المشكلات التي ستعترض طريقه.
Source: Apps Support
المستشار السابق لحمدوك: الحكومة الموازية منصة جديدة لاستمرار الحرب
الخرطوم- رأى أمجد فريد المدير التنفيذي لمركز فكرة للدراسات والتنمية والمستشار السابق بمكتب رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، أن اتجاه قوات الدعم السريع وفصائل سياسية وعسكرية لتشكيل حكومة موازية، محاولة لاستنساخ “النموذج الليبي”.
وقال فريد في حوار مع الجزيرة نت إن “الدعم السريع تحاول تقديم نفسها بوجه سياسي جديد بعد تراجعها عسكريا، واحتراقها أخلاقيا، ولن تقدم أي شيء للمواطن، لأنها لا تملك حلولا لأي مشكلة”.
ووصف فريد ما طرحه عبد الله حمدوك رئيس تحالف القوى المدنية الديمقراطية لقوى الثورة (صمود)، مؤخرا، بأنه ليس مشروعا للسلام ولا يحمل جديدا، وإنما محاولة لإيجاد موطئ قدم في العملية السياسية.
وعن فرص تحقيق توافق بين القوى المدنية لفترة ما بعد الحرب، أوضح فريد أن ذلك رهين بـ4 أسئلة جوهرية، وأن الصراع على السلطة يمنع توصلها إلى توافق وطني، ورأى أن مواقف قوى الحرية والتغيير وتماهيها مع “الدعم السريع” أتاح لقوى النظام القديم من الإسلاميين تقديم أنفسهم للشعب.
وفيما يلي نص الحوار:
كيف ترى مسار الحرب في السودان بعد عامين من اندلاعها في الخرطوم قبل أن تمتد إلى ولايات أخرى؟
بالطبع، الحرب ضاعفت معاناة السودانيين، وكلما استمرت زادت آثارها السلبية وتعقيداتها، كما ظهرت بؤر مجاعة بمناطق عدة، لكن التعاطي السياسي مع الأزمة غير مفيد، ويجب العمل لمعالجة المشكلة الإنسانية، وينبغي للطرف الحكومي التعامل مع الموضوع ببراغماتية لخدمة المواطنين.
هل تعتقد، أنه بعد أن صار الميزان العسكري يميل لصالح الجيش بتحرير ولايتي سنار والجزيرة، وغالبية ولاية الخرطوم، وفك الحصار عن الأبيّض بشمال كردفان، يمكن أن يدفع باتجاه السلام؟
ينبغي أن لا تنشغل القوى المدنية بالميزان العسكري لأي طرف، ولا أعتقد أنه سيكون للحرب نهاية عسكرية، ولكن ليس على طريقة مدعي الحياد الذين يريدون استغلال الحرب لتحقيق أجندتهم السياسية، غير أن الواضح للعيان، أن المناطق التي استعادها الجيش عادت إليها الحياة وصارت شبه طبيعية، وثمة ارتياح شعبي لذلك، عكس المواقع التي انتشر فيها الدعم السريع.
ومثلما اندلعت الحرب لأسباب سياسية، فتحتاج لحل سياسي، وليس معادلة لاقتسام السلطة والثروة بين الجيش والدعم السريع.
ماذا تعني بحل سياسي للأزمة، تسوية بين الجيش والدعم السريع؟
الحل السياسي، يعني تفكيك الوجود المؤسسي لقوات الدعم السريع عسكريا وسياسيا واقتصاديا، والعودة لتحقيق شعار الثورة “العسكر للثكنات والجنجويد ينحل”، في إطار الإصلاح المؤسسي لأجهزة الدولة حتى لا تعود الحرب مرة أخرى.
وأعتقد، أن أي محاولة لإيجاد صفقة بين الجيش والدعم السريع، ستشجع على حمل السلاح لتحقيق مكاسب سياسية، وزيادة الطموح السياسي العسكري، كما حدث في انقلاب رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” في 25 أكتوبر/كانون الأول 2021، ثم محاولة “حميدتي” للسيطرة على السلطة منتصف أبريل/نيسان 2023، ما أدى لاندلاع الحرب.
برأيك، ما الأسباب الحقيقية لانقسام تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) إلى تحالف القوى المدنية لقوى الثورة (صمود)، وتأسيس كيان جديد بين بعض فصائل “تقدم” وقوات الدعم السريع في تحالف “تأسيس”؟
تحالف “تقدم” منذ نشأته حمل جرثومة موروثة في قوى الحرية والتغيير، التي سعت إلى زواج مصلحة مع عبد الله حمدوك لاعتقادها أن له صلات وقبولا دوليا، وفي المقابل كان حمدوك يسعى لإيجاد منصة مؤسسية في الأزمة السودانية، وبالتالي كان تحالف مصلحة بلا فكرة مشتركة.
كما ضم التحالف شخصيات وفصائل -مرتبطة بقوات الدعم السريع- استغلت التحالف لتمكين نفسها سياسيا، مما غذَّى طموحها السياسي، ورفعت سقف مطالبها، حتى انحازت بصورة كاملة للدعم السريع، وانخرطت معه مستفيدة مما تحقق لها من تمكين سياسي في تحالف “تقدم”.
ألا تعتقد أن تحالف السودان التأسيسي المعروف باسم “تأسيس” محاولة لغسل قوات الدعم السريع من جرائمها؟
الدعم السريع بعد سقوطه الأخلاقي والجرائم التي ارتكبها ثم تقهقره عسكريا، بات يبحث عن واجهة سياسية لمواصلة الحرب، عبر تشكيل حكومة موازية واستيعاب قوى وفصائل معه، وإعادة كوادره وعناصره من تحالف “تقدم” وغيرها حتى يكون فاعلا سياسيا، ويقدم نفسه بصورة سياسية واجتماعية جديدة.
ما تداعيات التفكك في جسم التحالف للمرة الثانية على مشروعه السياسي وتأثيرات توقيعه اتفاقا مع الدعم السريع لتشكيل حكومة موازية؟
رغم الانقسام بين تياري “صمود” و”تأسيس”، فقيادات التحالف الجديد مع الدعم السريع تقول إنهم يلتقون مع التيار الأول في الأهداف، وهذا يعني استمرار التنسيق، ولكن تحالف “تأسيس” هو كيان عسكري، ولا أدري كيف لقوى مدنية وسياسية أن تقترب من الدعم السريع المتهم بالجرائم، كما نشرت منصة “رصد وتحليل” بيانات الصراعات المسلحة لعام 2024 أنه يتحمل مسؤولية 77% من الانتهاكات ضد المدنيين.
طرح عبد الله حمدوك رئيس التحالف المدني لقوى الثورة (صمود) مشروعا للسلام من 4 نقاط، هل ترى أنها يمكن أن تسهم بإنهاء الأزمة؟
لم أطلع على مشروع متكامل من حمدوك للسلام، ولكن لا جديد فيه، وهو امتداد لمواقفه منذ بداية الحرب، و قد سعى لإحداث “جلبة” ومحاولة لإيجاد موقع في الطاولة السياسية وتقديم نفسه كممثل وحيد للقوى المدنية، وللأسف هو يمضي عكس التيار ويساوي بين الجيش وقوات الدعم السريع، بالرغم من أن المواطن السوداني يهرب من مواقع الدعم السريع إلى مناطق الجيش الآمنة نسبيا، وبالتالي رجل الشارع لا يساوي بينهما.
بعد رفض قوى دولية وإقليمية واسعة تشكيل حكومة موازية في مناطق الدعم السريع. هل ترى مستقبلا لهذه الحكومة المرتقبة؟
تبرير تشكيل حكومة موازية يفتقد للمنطق الموضوعي في التعامل مع الواقع، فهذه الحكومة ليس لديها حل للقضايا التي طرحتها، ولا الإجابة على أسئلة الموطن، وهي منصة سياسية جديدة للدعم السريع من أجل مواصلة الحرب. وصناعة السلام، لا تتحقق بتحالف بين فصائل عسكرية تقاتل لهزيمة الجيش.
كما أنها محاولة لاستنساخ النموذج الليبي، ولا غرابة في ذلك، فالراعي الإقليمي للمشروعين واحد، ورفض القوى الدولية والإقليمية يرجع إلى أن كل تجارب الانقسام لم تحقق نجاحا.
يضاف لذلك، أن الدعم السريع حاول استخدام خطاب يتحدث عن التهميش وعدم العدالة في التنمية، وهي قضايا حقيقية، لكنه لا يعبر عنها، بل إن نشأته وممارساته كانت ضد مواطن الهامش، مما يتطلب التعامل مع قضايا صراع المركز والهامش والتنمية المتوازنة بصورة جادة لمعالجتها في إطار معالجة الخلل في الدولة السودانية، وعدم السماح باستغلالها سياسيا.
تبنَّت قوى وطنية ومجتمعية في بورتسودان -تدعم الجيش- وثيقة سياسية ودعت الى حوار “سوداني في داخل البلاد لا يستثني أحدا”، هل يمكن أن تكون قاعدة لعملية سياسية شاملة؟
لا تختلف هذه القوى كثيرا عن منطلقات موقف عبد الله حمدوك، فهي تسعى أيضا إلى موطئ قدم في الساحة السياسية.
والتناقضات في المشهد السوداني تحتاج إلى مواجهتها بصورة واضحة، ولا يمكن الوصول إلى وحدة سياسية بتصميم عملية سياسية بصورة مسبقة قبل التفاهم على القضايا الجوهرية.
بعد نحو عامين من الحرب، لا يزال الفرقاء السياسيون عاجزين عن الجلوس حول طاولة للتوافق على مشروع سياسي بشأن إدارة البلاد ما بعد الحرب، ما سبب ذلك باعتقادك؟
السبب هو الصراع بين القوى السياسية على سلطة غير موجودة “يبحثون عن سيادة فوق الرماد”، كما يقول الشاعر محمود درويش، كما أنه لا يوجد ممثل وحيد للمجتمع السياسي، والخلاف بين القوى السياسية أمر طبيعي ومشروع.
كما أن محاولة احتكار صوت المدنيين من أي طرف أو تصفية الخلافات السياسية والاستعانة بالحرب لتحقيق مكاسب سياسية غير مجدية.
إنهاء الحرب يحتاج إلى مشروع يجيب على أسئلة اليوم التالي، وهو أمر غائب حتى الآن، فمتى يتم التوصل إلى هذا المشروع؟
السودان يفتقد إلى مشروع وطني منذ استقلاله قبل نحو 70 عاما، وإنهاء الحرب يتطلب رؤية يتم صناعتها عبر توافق وطني عريض، يسبقه الإجابة على 4 أسئلة جوهرية هي: موقف المدنيين من الجيش ودور قيادته في المرحلة الانتقالية وما بعدها، وتدخلها في السياسة. الموقف من الدعم السريع وإنهاء وجوده المؤسسي. كيفية التعامل مع الحركة الإسلامية بأشكالها المختلفة، ودورها في نظام الرئيس المعزول عمر البشير خلال 30 عاما. والموقف تجاه القوى الدولية والإقليمية وما هو التدخل الحميد في الشأن السوداني والتدخل الخبيث وتحديد “الخطوط الحمراء” في ذلك.
Source: Apps Support
تطوير سوق العتبة بالقاهرة يثير مخاوف الباعة الجائلين
القاهرة- بدأت مصر عملية تطوير حكومية بمشاركة الأمم المتحدة، في منطقة أسواق العتبة التاريخية في قلب القاهرة، وبالقرب من المزارات التاريخية السياحية مثل خان الخليلي وحي الحسين.
ويأتي ذلك وسط اعتبارات عدة من بينها أهمية تطوير المناطق التاريخية من جهة، والمردود الاقتصادي والسياحي للتطوير من جهة أخرى، وحقوق الباعة الجائلين وتأثيرات التطوير من جهة ثالثة.
ووفق دراسة حديثة أعدتها الغرفة التجارية بالشرقية -ونشرت بالصحافة المحلية- يتراوح عدد الباعة الجائلين، الذين يعدون جزءاً رئيسياً من الاقتصاد غير الرسمي، بين 5 و7 ملايين بائع، ووصل حجم تجارتهم إلى 80 مليار جنيه (1.58 مليار دولار) على خلفية انتشارهم بأسواق عشوائية كثيرة أبرزها وسط العاصمة التي شهدت مشاهد كر وفر مع السلطات المحلية الساعية إلى التطوير، في مناطق العتبة ووسط البلد.
وبينما لا توجد إحصائيات رسمية حول الباعة الجائلين، حدد القانون المصري إطار عملهم، ونص على تغليظ العقوبات على مخالفاتهم التي تصل إلى الحبس 3 أشهر أو غرامة ألف جنيه (20 دولارا).
أهمية التطوير
وأعلنت وزيرة التنمية المحلية منال عوض بدء أعمال تنفيذ المرحلة الأولى من تطوير سوق العتبة مع بدايات شهر رمضان، وفقاً للنموذج الذي تم اعتماده وعرضه على ممثلي الباعة الجائلين وأصحاب المحلات التجارية باجتماعات استضافتها الوزارة خلال الشهور الماضية بحضور محافظ القاهرة إبراهيم صابر، ومشاركة ممثلي البرنامج الأممي للمستوطنات البشرية “الهابيتات” وفق بيان رسمي.
وكشف مسؤول محلي بتصريحات إعلامية سابقة في وقت سابق أن عدد الباعة الجائلين -في مناطق وسط القاهرة التي تضم العتبة- يتجاوز 13 ألف بائع، مؤكداً أن العاصمة بها أكبر عدد من الباعة الجائلين.
وحسب الوزارة، فإن من أبرز ملامح التطوير تنفيذ 473 طاولة للباعة الجائلين بدلاً من الفرشات العشوائية، وطلاء واجهات العقارات ذات الطراز المعماري المميز للحفاظ على الهوية البصرية، وتوفير ممرات مرورية آمنة، وتحسين البنية التحتية، وتطبيق معايير السلامة والأمان. وأكدت أن ما يحدث “خطوة جديدة نحو تنظيم الأسواق وتحقيق التوازن بين متطلبات الباعة وحقوق أصحاب المحلات التجارية، من أجل بيئة حضارية تليق بمكانة العتبة التاريخية”.
دمج الباعة الجائلين
ويؤكد مراقبون أهمية تطوير أسواق القاهرة التاريخية، وتأثير ذلك على الاقتصاد والسياحة، لكنهم يشددون على حقوق الباعة الجائلين وضرورة دمجهم في الاقتصاد الرسمي.
ويوضح عادل عامر الخبير الاقتصادي رئيس مركز المصريين للدراسات الاقتصادية والسياسية -للجزيرة نت- أن خطة التخطيط العمراني لقلب القاهرة التاريخية تبدأ من تطوير أسواق وسط العاصمة (مناطق العتبة ورمسيس وغمرة والإسعاف) وتنظيمها بشكل حضاري لإنهاء أعمال الإشغالات والأسواق العشوائية، وتوفيق أوضاع الباعة الجائلين بعيداً عن الحلول الأمنية وفق تعليمات القيادة السياسية.
ووفق أرقام رسمية، يشكل حجم الاقتصاد غير الرسمي وغير المرئي في مصر نسبة 30% من الناتج المحلي الإجمالي في حين يوظف ما يقرب من نصف قوة العمل.
ويضيف عامر أن الباعة الجائلين جزء من الاقتصاد غير الرسمي، ومن المهم دمجهم في الاقتصاد الرسمي لاستفادة الدولة منهم واستفادتهم هم من توفيق أوضاعهم، مؤكداً ضرورة إنشاء أسواق حضارية توفر لهم فرص عمل آمنة تحت إشراف الدولة.
الحفاظ على الباعة الجائلين
بدوره، يؤكد محمد عبد القادر الأمين العام السابق للنقابة المستقلة للعمالة غير المنتظمة -في حديثه للجزيرة نت- أنه مع التطوير بشرط الحفاظ على حقوق العمالة الجائلة وتقنين أوضاعها في الاقتصاد الرسمي للدولة، مشيراً إلى أنه تقدم لوزير العمل محمد جبران بمشروع لدمج الباعة الجائلين والعمالة غير المنتظمة في القطاع الاقتصادي غير الرسمي، ومن المنتظر تمريره في مشروع القانون الذي يبحثه مجلس النواب حالياً.
ويشدد عبد القادر على أنه يجب على وزارة العمل حصر العمالة الجائلة على المستوى الوطني، وتسكينهم وتوفير فرص عملهم، على أن تكون البداية من أسواق العتبة، وأن تتحمل الوزارة حصة في تكاليف التطوير من صندوق الطوارئ.
مميزات التطوير
من جانبه، يوضح عاطف أمين خبير التنمية المستدامة ورئيس التحالف المصري لتطوير العشوائيات أن ميدان العتبة يعتبر واحداً من أهم الأماكن التراثية وأن تطويره يعزز من نجاح مشروع القاهرة الخديوية (التي بناها أبناء محمد علي) وعودة المنطقة لرونقها التاريخي الفريد.
ويرى أمين -في حديث للجزيرة نت- أن التطوير سيساهم في توفير فرص عمل جديدة بعد تنظيم وجود الباعة الجائلين وتسهيل الوصول للمحلات التجارية القائمة وإتاحة مسارات لسيارات الطوارئ ومنع التوصيل العشوائي للتيار الكهربائي، ومواجهة الحرائق التي تتكرر من وقت إلى آخر بالمنطقة، مؤكداً أنه من المقرر أن تنتهي مصر عام 2030 من الأسواق العشوائية والمناطق غير المخططة بتكلفة تصل 318 مليار جنيه (6.29 مليارات دولار).
وعبر أحد الباعة الجائلين -للجزيرة نت- عن تحفظه على مواعيد التطوير الراهنة، وعلى قرار إخلاء عدد من الشوارع التجارية الداخلية ونقل الباعة العاملين منها إلى جراج العتبة الحكومي بصورة مؤقتة غير محددة في عز الموسم التجاري.
ومن جهته يصر البائع الشاب عبد الله محمود -وهو أحد الباعة الجائلين- على البقاء مكان عمله رغم بدء عمليات الحفر بالجوار للحفاظ على زبائنه.
ويقول -في حديث للجزيرة نت- إنه لا يعارض التطوير وإنه سيأخذ طاولة جديدة لبيع منتجاته وفق مشروع الحكومة بدلاً من “الفرشة” الحالية، لكنه كان يرجو بدء التطوير بعد عيد الفطر لأنه قد يخسر زبائنه بموسم الذروة في رمضان.
وبينما أكد محافظ القاهرة أنه ستتم إعادة الباعة للسوق بعد انتهاء أعمال التطوير، وجهت وزيرة التنمية المحلية بسرعة الانتهاء من أعمال التطوير وفق نموذج الوزارة.
ومن جانبه، قال محمد عبد ربه الأمين العام المساعد لاتحاد العمال رئيس النقابة العامة للعاملين بالتجارة -للجزيرة نت- إنه يقدر أن التطوير جاء في عز الموسم “ولكن مع قليل من الصبر سيحصد الباعة مكاسب التطوير الذي كثيرا ما طالبنا به لتقنين أوضاعهم وتوفير عوامل السلامة والأمان بدلاً من تكرار الحرائق وملاحقة الشرطة لهم” مضيفاً أن تقنين الأوضاع يأتي عبر تسليم أكشاك للباعة الجائلين الذين لديهم استعداد لذلك.
Source: Apps Support
هل تخطط إسرائيل للتدخل البري في غزة من جديد؟
استأنفت إسرائيل فجر الـ 19 من مارس/ آذار عملياتها العسكرية المكثفة في قطاع غزة، وجاءت هذه العمليات في خضم المباحثات على المقترح الذي قدمه المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف للخروج من مأزق اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنتجته إسرائيل بعدم التزامها بالاتفاق، سواء في مرحلته الأولى، أو بعد انتهاء موعد المرحلة الثانية.
يحمل مشهد وقرار استئناف العدوان على غزة الهدف الأساسي للحكومة الإسرائيلية من الخرق المستمر للاتفاق، ألا وهو استئناف الحرب. لا يعني ذلك أن إسرائيل كانت ستمانع بكل الأحوال المضيّ في مسار مقترح ويتكوف لو قبلت به حركة حماس بالشروط الإسرائيلية، فهو كان سيعبر عن اتفاق بين منتصر ومهزوم في الحرب، اتفاق استسلام في جوهره، تتخلى فيه حركة حماس عن نصف المحتجزين من الأسرى الإسرائيليين دون قبول أي شرط من شروطها السياسية، وعلى رأسها التعهّد بوقف الحرب والانسحاب من قطاع غزة.
بناء على ذلك، تريد إسرائيل الضغط على حركة حماس عسكريًا من خلال استهداف قيادات سياسية وحكومية والسكان المدنيين للضغط على حماس للموافقة على مقترح ويتكوف وتكريس معادلة التفاوض بين مهزوم ومنتصر وما تحمله هذه المعادلة من تداعيات على مستقبل الاتفاق والمسار السياسي الحالي.
هذا هو الهدف الأوّلي لاستئناف العمليات العسكرية بصورة شرسة في قطاع غزة. في حال قبلت حماس بمقترح ويتكوف بالشروط الإسرائيلية بسبب الضغط العسكري فإنها عمليًا كرّست، من وجهة نظر إسرائيل، طريقة تعامل إسرائيل معها في المرحلة القادمة من المقترح، والذي يُفضي بإطلاق باقي المحتجزين في نهايتها، ولا شك عندها ستنفذ إسرائيل نفس الأسلوب (الضغط العسكري) للضغط على حماس للقبول بالشروط السياسية الإسرائيلية من أجل الإعلان عن وقف مستدام للحرب.
بمعنى أن العمليات الحالية كانت ستحدث بكل الأحوال في المرحلة الحرجة، والسياسية من مقترح ويتكوف، وهذا يدل أن خيار الحرب كان الخيار المفضل لدى الحكومة الإسرائيلية، واختيار إيال زامير قائدًا لهيئة الأركان جاء في هذا السياق، اختيار قائد ليس لديه عقدة الذنب من إخفاق السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، أو التزام أخلاقي تجاه المحتجزين الإسرائيليين لينفذ عمليات تخدم سياسات الحكومة الإسرائيلية.
لا يعني ذلك أن قائد الأركان السابق، هرتسي هاليفي، لم يُمارس حرب إبادة في غزة، بل هو المسؤول عن الدمار والإبادة في قطاع غزة، ولكنه نفّذ ذلك كجزء من تحقيق أهداف الحرب، وفي مقدمتها تحرير الأسرى الإسرائيليين.
وعند توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في يناير/ كانون الثاني الماضي، اعتبر هاليفي أن مهمته انتهت، واستقال كجزء من تحمله مسؤولية الإخفاق من جهة، ولعلمه على ما يبدو أن نتنياهو سيستأنف الحرب بعد المرحلة الأولى، ولا يريد أن يكون شريكًا في هذه الخطوة التي تُهدد حياة الأسرى أو إمكانية الإفراج عنهم.
أما زامير فقد جاء وهو متلهف لشن حرب على قطاع غزة، ليس من أجل الأسرى كما يزعم، وإنما من أجل تنفيذ أجندات الحكومة الإسرائيلية المتعلقة باحتلال القطاع، والتهجير وتحويل قطاع إلى مكان غير صالح للسكن بشكل نهائي.
وتعول الحكومة الإسرائيلية على دعم وتأييد ترامب لها في هذا التوجه، على الرغم من أن إسرائيل كانت غير جادة في تنفيذ الاتفاق في خضم المرحلة الأولى، وخططت بشكل جيد لهذه اللحظة العسكرية في قطاع غزة، وترغب في استكمالها بإقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) الذي يشبه هاليفي في التزامه بملف الأسرى، وكان عضوًا مركزيًا في الوفد الإسرائيلي المفاوض الذي توصل لاتفاق وقف إطلاق النار في يناير/ كانون الثاني الماضي.
من المتوقع أن تستمر إسرائيل بعملياتها العسكرية في هذه المرحلة بالتركيز على القصف الجوي، وتكبيد المجتمع الفلسطيني خسائر كبيرة في صفوف المدنيين.
الانتقال إلى المرحلة البرية لن يكون سهلًا في هذه المرحلة، ولكنه خيار قائم ويتم التحضير له. العائق الأساسي أمام الحرب البرية هو غياب إجماع إسرائيلي على استئناف الحرب، ومن الصعوبة تنفيذ غزو بري واسع بغياب هذا الإجماع، لا سيّما أن هنالك قناعة متجذرة في صفوف أغلب الإسرائيليين، وخاصة بعد شهادات الأسرى المفرج عنهم، أن الحرب والعمليات العسكرية تهدد حياة الأسرى الأحياء، وقد تمنع إطلاق سراحهم.
ومما يزيد من تعقيد الغزو البري واحتلال القطاع أن هذه المهمة تحتاج إلى استدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط، المنهكين أصلًا من خدمتهم الطويلة السابقة (هنالك من خدم 350 يومًا)، فضلًا عن أن امتناع الحكومة عن تشريع قانون لتجنيد المتدينين الحريديم سيزيد المشهد الاجتماعي تعقيدًا، ورفضًا للالتزام بخدمة الاحتياط، لا سيّما أن الغزو البري لم يخدم قضية الأسرى الإسرائيليين.
بناء على ذلك ستكتفي الحكومة بتنفيذ عمليات قصف جوي حتى تستطيع التعامل مع عوائق الغزو البري، وتمرير موازنة الدولة في نهاية الشهر.
لذلك فإن استئناف العمليات العسكرية كان يهدف أيضًا إلى الحفاظ على تماسك الحكومة، وإعادة حزب “عظمة يهودية” برئاسة إيتمار بن غفير للحكومة؛ لضمان تشريع قانون للموازنة العامة للدولة، حتى لا يقع نتنياهو تحت طائلة ابتزاز الأحزاب الدينية الحريدية التي هددت بعدم التصويت على الموازنة إذا لم يتم تشريع قانون يُعفي المتدينين من الخدمة العسكرية.
في خضم استئناف العمليات العسكرية سيزداد الاحتجاج الشعبي في المجتمع الإسرائيلي ضد الحكومة، ولكن اتضح أن هذا الاحتجاج لم يؤثر على قرار الحكومة استئنافَ العمليات، وهذا نابع من عاملين، الأول، أن الموقف الداعم للاتفاق وأولوية ملف الأسرى في صفوف الإسرائيليين لم يترجم إلى حراك شعبي كبير يتلاءم مع هذا التأييد، ربما استئناف الحرب يُغير من هذا الأمر، فتتقاطع حراكات اجتماعية لتحدث احتجاجًا كبيرًا وواسعًا، مثل احتجاج الاحتياط، والاحتجاج ضد عودة التغييرات الدستورية، وإقالة رئيس الشاباك مع احتجاج عائلات الأسرى.
أما العامل الثاني، فهو تعويل عائلات الأسرى على ترامب للضغط على نتنياهو، وهو رهان كان خاسرًا، ولكنه ساهم في تراجع حركة الاحتجاج لتعويل المؤيدين لملف الأسرى على ترامب ليفعل ذلك بدل الضغط على الحكومة بصورة أشد.
وقد تبين لهم أن ترامب ساهم في الدفع لهذه العمليات العسكرية، وربما يساهم ذلك في تغيير إستراتيجية الاحتجاج ليكون مُركزًا على الحكومة وأعضائها ويساهم في توسيعه.
Source: Apps Support
“سري للغاية”.. خطوات نتنياهو ودوافعه لاستئناف الحرب
نسفت إسرائيل اتفاق وقف النار الذي أبرمته قبل حوالي شهرين بعد أن دأبت على انتهاكه طوال الوقت وعادت لشن حربها البشعة على قطاع غزة وبدعم أميركي. وخلافا لبداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 لا تحظى الحكومة لإسرائيلية بدعم داخلي واسع لهذه الحرب، بل إن الكثيرين في المعارضة وأهالي الأسرى يعلنون شكوكهم القوية في دوافعها. وثمة في إسرائيل من يرى أن استئناف الحرب وانتهاك الاتفاق قد يفضي إلى حرب طويلة، وأنها قرار بإعدام من بقوا على قيد الحياة من الأسرى الإسرائيليين بعد 16 شهرا على الحرب.
وأعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها قررت استئناف الحرب على غزة بعدما شعرت أن جولة المحادثات الأخيرة في القاهرة في وقت سابق من هذا الأسبوع كانت بمثابة الحلقة الأخيرة في المساعي الدبلوماسية المشتركة التي تبذلها إسرائيل والولايات المتحدة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وفق مقترح ويتكوف أو أي مقترح مشابه. وكان الخلاف شديدا بين ما اقترحه ويتكوف بإطلاق سراح نصف الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات كدفعة أولى ومواصلة التفاوض للتوصل بعدها لاتفاق وما عرضته حماس من إطلاق سراح الأسير الأميركي الحي و4 جثامين أخرى. وبعدها عرض ويتكوف الإفراج عن 10 أحياء من بين 22 أسيرا يعتقد أنهم على قيد الحياة، ثم نزل العدد إلى 8 وبعدها 5. وكانت كل هذه الاقتراحات تتجه نحو الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين من دون ربطه، لا بإنهاء الحرب ولا بإعادة الإعمار، وفقط مقابل أيام هدنة ودخول مساعدات. وقد رفضت حماس كل هذه المقترحات وأصرت على الالتزام بالاتفاق المبرم والذي ضمنت أميركا في الأصل تنفيذه.
وواضح أن إسرائيل بقرارها استئناف الحرب واصلت منطقها الذي بدأت فيه قبولها مرغمة هذا الاتفاق في آخر أيام إدارة بايدن. ولم تتعامل مع الاتفاق على أنه مقبول خصوصا أن مكونات هامة من حكومة نتنياهو رفضته، ليس فقط إيتمار بن غفير وحزبه ولا بتسلئيل سموتريتش وحزبه وإنما أيضا أجنحة في الليكود نفسه. ولم يكن نتنياهو ولا حكومته في وارد البحث عن مخرج يوقف الحرب ويمنع استمرار تدهور مكانة إسرائيل الدولية خصوصا بعد اتهام المحكمة الجنائية الدولية لنتنياهو ووزير حربه السابق بارتكاب جرائم حرب وإصدار مذكرات اعتقال دولية لهما. ولم تكن الحكومة الإسرائيلية تنوي قط تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه في الأسبوع الأخير من إدارة بايدن بشكل كامل، لكنها انتهكته بشكل أكبر مما كان متوقعا. فقد نصّ الاتفاق على أن يبدأ الطرفان، في اليوم الـ16 من وقف إطلاق النار، مفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تشمل الانتقال إلى إنهاء الحرب. رفضت إسرائيل ذلك، وعرقلت إجراء أي مفاوضات جادة بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق خلال الشهرين الماضيين. كما سعت إسرائيل لإقناع إدارة ترامب بالتخلي عن الخطوط العريضة للصفقة التي تم التوصل إليها من خلال وساطة إدارة بايدن رغم تباهي ترامب بأنه كان وراء هذا الاتفاق. وعمد نتنياهو لحث الأميركيين على تقديم مقترحات جديدة للتحايل على الالتزام المركزي في الاتفاق الأصلي بإدارة مفاوضات لإنهاء الحرب وإعادة إعمار قطاع غزة.
وفي هذه الأثناء حاولت إدارة ترامب إجراء اتصالات مباشرة مع حماس لإطلاق سراح الرهائن الأميركيين الخمسة والتوصل إلى اتفاق سياسي أوسع ولكن اكتشاف إسرائيل لهذه الاتصالات قاد إلى إجهاضها. وبعد تراجع أميركا عن هذه الاتصالات، بلورت مع إسرائيل اقتراحات ربط تمديد وقف النار بإطلاق سراح أسرى إسرائيليين، وتم الانتقال إلى منهج إطلاق التهديدات والسعي لتنفيذها. وتقلب ترامب وإدارته بين إطلاق الوعود بإنهاء الحروب في العالم وفي المنطقة، وبين التهديد بـ”جحيم” و”جهنم” ليس أقل من تبني منطق نتنياهو في “الحرب الأبدية”.
وفي نظر الكثيرين من الإسرائيليين وخصوصا الساسة السابقين وأغلب رجالات الجيش والأمن السابقين والحاليين كانت الحاجة ماسة لاتفاق وقف النار وإنهاء الحرب وإعادة الأسرى. ولم يكن هذا أبدا رأي نتنياهو وأنصاره فقد كانت الحرب، ولا تزال، جزءا من مخطط إبقاء الحكومة وحمية رئيسها وتنفيذ الانقلاب القانوني حتى لو كانت النتيجة هدم المعبد. وبقيت حكومة نتنياهو وأنصارها يدعون إلى “الحرب الأبدية” التي تحقق “النصر المطلق” و”أهداف الحرب”. وكان عنوان ذلك هو استمرار الضغط العسكري وتصعيده رغم كل القرائن على أن هذا الضغط قاد في الجوهر إلى قتل الأسرى وليس إعادتهم أحياء وأن الأحياء عادوا فعلا بفضل اتفاقات سياسية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى جملة أسباب جعلت استئناف الحرب ضرورة لنتنياهو وحكومته. وبديهي أن بين أول هذه الأسباب الدعم الأميركي الأعمى لإسرائيل والإيمان بأن أهدافها في الحرب هي ذاتها أهداف أميركا وأن هذه الأهداف تقود تحقيق مطامح أميركا في الشرق الأوسط. وثاني هذه الأسباب الورطة الكبيرة التي وجدت حكومة نتنياهو نفسها فيها: أزمة وزارية حادة مع الحريديم بسبب قانون التجنيد وأزمة وزارية بسبب مواقف سموتريتش من وقف الحرب وأزمة حكومية بسبب العجز عن إقرار الميزانية وأزمة فقدان الثقة مع من يعرفون في إسرائيل بـ”حراس العتبة”. وحراس العتبة هم في إسرائيل كبار المسؤولين المهنيين في الدولة وخصوصا في سلك الجيش والأمن والقضاء. وتقريبا تصادم نتنياهو وحكومته مع كل هؤلاء؛ وهذا أدى مؤخرا إلى إقالة وزير الحرب السابق يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي وإعلان نية إقالة رئيس الشاباك رونين بار وبدء إجراءات إقالة المستشارة القانونية للحكومة جالي بهراب ميارا.
وليس مستبعدا أن بين أسباب استئناف الحرب على غزة إدراك حكومة نتنياهو لبعض التغييرات في الموقف الأميركي تجاه خطة إعادة الإعمار المصرية العربية والتي باتت تكتسب زخما دبلوماسيا. وهذا ينذر باحتمال ضياع الفرصة التي ألهبت خيال اليمين الصهيوني بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة وفق رؤية الرئيس ترامب.
وثمة سبب آخر يتمثل في تعيين إيال زامير رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي وبهدف تحقيق أهداف الحرب؛ ما دعاه إلى تسهيل اختبار نفسه وقواته على وجه السرعة. وكان أعلن أنه يمكن هزيمة حماس في عملية برية مختلفة خلال شهرين خلافا لموقف سلفه الذي شن حربا لأكثر من عام وبضعة شهور ولم يحقق الأهداف التي حددتها حكومة نتنياهو. وخطة زامير تتجاهل الوضع المتأزم داخل قوات الخدمة الاحتياطية والانهاك الذي يعيشه جيش يخوض حربا منذ حوالي عام ونصف. ولا يمكن استثناء الظروف العامة والخاصة بنتنياهو ومنها محاكمته الجارية بتهم الفساد واستعداد الكثير من الهيئات الشعبية والنقابية والأكاديمية استئناف الاحتجاجات الشعبية سواء ضد الانقلاب القانوني أو من أجل إنهاء الحرب وتبادل الأسرى.
ويساعد في تعاظم هذه الاحتجاجات إيمان الكثيرين بأن دوافع استئناف الحرب شخصية وحزبية وأنها مسعى يهدف للالتفاف على الإرادة الشعبية وتمرير قرارات معادية للديمقراطية. ويرى هؤلاء في عودة بن غفير إلى صفوف الائتلاف ومقاعد الحكومة دليلا على العوار الكبير في دوافع استئناف الحرب خصوصا أن هذا كان بين اشتراطات بن غفير إضافة إلى إقالة كل من رئيس الشاباك والمستشارة القانونية للحكومة. وطبيعي أن يرى كل هؤلاء أن استئناف الحرب لا معنى له سوى التخلي تماما عن استعادة الأسرى بعد أن لم يعد هدفا قيميا ساميا.
واستبقت إسرائيل استئناف الحرب بإطلاق سلسلة من العمليات العسكرية والتضليل الإعلامي. وتقريبا حاولت في الأيام الأخيرة أن تلصق بكل عملية اغتيال نفذتها ضد مدنيين في شمال ووسط وجنوب غزة صفة إجهاض عمليات زرع ألغام وعبوات ضد قوات الاحتلال. وأشاعت أن حماس والمقاومة تستعد لشن هجوم بري واسع على المستوطنات في غلاف غزة. وكثير من مثل هذه الادعاءات وآخرها تجريم مشروع مأدبة إفطار في بيت لاهيا وقتل 6 مدنيين بينهم صحافيون بدعوى تسيير درون لاستهداف قوات إسرائيلية. وكانت كل هذه العمليات مجرد تسخين ميداني وبهدف إدارة مفاوضات تحت النيران وفق سياسة باتت معلنة على كل الجبهات تقريبا.
وفي كل حال أرفقت إسرائيل استئنافها للحرب وهجومها الواسع على قطاع غزة بإعلان أنها لن تقبل بواقعٍ تشارك فيه حماس في مفاوضات للتبادل، في حين يُجهّز جناحها العسكري لهجومٍ على إسرائيل. وبحسب موقع “والا” فإن إسرائيل أبلغت حماس عبر الوسطاء المصريين أن قواعد اللعبة تغيرت وأنه لا وقف لإطلاق النار من دون التقدم في مسار إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. كما أن يديعوت أحرونوت نشرت أن إسرائيل رفضت طلبا مصريا لوقف إطلاق النار مشترطة قبول حماس التقدم في محادثات الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.
وأشارت صحف إسرائيلية إلى أن استعدادات الجيش الإسرائيلي للهجوم المفاجئ على غزة صُنفت على أنها “سرية للغاية”، لدرجة أن قادة فرقة غزة والقيادة الجنوبية فوجئوا بها. وكتب المعلق العسكري لموقع والا أن هذا حقق المفاجأة التي أصابت قيادة حماس، بينما كانت وسائل التواصل الاجتماعي تستعد لاحتمال شن هجمات على إيران، كان الطيارون الإسرائيليون يستعدون لشن هجمات على قطاع غزة. واعتبر المعلقون الإسرائيليون أن عنصر المباغتة تحقق وأن نتيجته كانت استشهاد عدد كبير نسبيا من قادة حماس وفصائل مقاومة أخرى.
وتهدد إسرائيل بأن خطة زامير العسكرية لسحق حماس في غزة، تتحدث عن تقدم القوات داخل القطاع، و”تطهير” منطقة معينة، ونقل السكان المدنيين منها إلى ما تسميه “مناطق إنسانية، مع تفعيل برنامج مساعدة الهجرة الطوعية من القطاع لجميع الراغبين. وتأمل إسرائيل هذه المرة أن تبقى القوات الإسرائيلية في المناطق التي تحتلها وأن تتولى بنفسها إدارة أمر توزيع المساعدات الإنسانية بما يقتضيه الأمر كذلك من إدارة لحياة السكان. وتعتقد أنها بذلك تخلق بديلا لحماس تختاره بنفسها ويضمن منع تراكم خطر يكرر ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
عموما كل ما يتطلع إليه نتنياهو اليوم هو ضمان تصويت بن غفير وحزبه إلى جانب الحكومة عند عرض الميزانية العامة على الكنيست قبل نهاية الشهر الجاري. فضمان هذا التصويت يوفر أنبوب أكسجين يطيل عمر حكومة نتنياهو في مواجهة التحديات الداخلية. ولكن أمام عواصف منتظرة ليس مؤكدا إن كانت مقامرة نتنياهو هذه ستنجح هذه المرة في إزالة العقبات والعوائق التي تعترض طريقه وتمنع انهيار حكومة اليمين.
Source: Apps Support
‘Mama, I’m tired – I want to die:’ Israel’s strikes in Gaza leave a generation of Palestinian children traumatized
Mimicking the motion of combing locks of hair with a brush, Sama Tubail stares at her reflection in a mirror and begins to cry.
“I’m just so sad there isn’t a single strand of hair to comb with my brush,” Sama told CNN with her head in her hands. “I hold the mirror because I want to brush my hair: I really want to brush my hair again.”
For the eight-year-old, the movement brings back memories of a life before October 7, 2023 – when she had long hair and played outside with her friends in northern Gaza’s Jabalya. But since then, Sama and her family have been among the estimated 1.9 million Palestinians forcibly displaced from their homes, fleeing first to the enclave’s southern Rafah region under Israeli military orders. As the violence escalated, Sama moved to a displacement camp in central Gaza’s Khan Younis.
Sama Tubail and her brother before October 7, 2023.
Tubail family
Sama Tubail is seen with long hair.
Tubail family
Israel launched a war in Gaza after Hamas-led militants attacked southern Israel on October 7, 2023, killing 1,200 people – mostly civilians, according to Israeli authorities, and kidnapping more than 250. Israel’s military offensive, paused for almost two months under a fragile ceasefire deal, has killed more than 48,000 Palestinians, mostly women and children, according to Gaza’s health ministry.
UNICEF, the United Nations’ children’s agency, estimated in a report last June that nearly all of Gaza’s 1.2 million children need psychological support, especially those exposed to repeated traumatic events.
A week after the ceasefire between Israel and Hamas was announced in January, the UN’s humanitarian chief, Tom Fletcher, told the UN Security Council that “a generation has been traumatized.”
“Children have been killed, starved and frozen to death,” Fletcher said, adding that “some died before their first breath – perishing with their mothers in childbirth.”
Israel launched a fresh barrage of airstrikes early Tuesday, shattering the ceasefire and killing hundreds of Palestinians, health officials in Gaza said. A doctor told CNN the scenes at one Gaza City hospital were “nothing close to anything I’ve experienced before” and that the majority of cases she had seen were children.
CNN’s interviews with the families and experts featured in this article were conducted before the resumption of violence.
‘Why won’t my hair grow?’
Last year, doctors diagnosed that Sama’s hair loss was a result of “nervous shock,” specifically after her neighbor’s house in Rafah was hit by an Israeli airstrike in August. The traumatic upending of her daily life since October 7 also likely contributed to her alopecia, a condition that causes hair loss, they said.
A report late last year by the War Child Alliance and Gaza-based Community Training Centre for Crisis Management highlights the severe psychological toll on children of Israel’s onslaught in Gaza over the past year. The report, based on a survey of more than 500 caregivers of vulnerable children, found that 96% of children in those circumstances felt that death was imminent and nearly half – 49% – had expressed a “wish to die” because of Israel’s assault.
Sama’s mental anguish intensified after she was bullied by other children for her hair loss, leading her to retreat indoors. Outside, she wears a pink bandana to cover her scalp.
“Mama I’m tired – I want to die. Why won’t my hair grow?” she pleaded with her mother, Om-Mohammed, when CNN visited the family in September 2024, before asking if she would remain bald forever.
“I want to die and have my hair grow in Paradise; God willing.”
Sama Tubail’s mother, Om-Mohammed, kisses her daughter’s head.
Tareq Al Hilou/CNN
With the tenuous ceasefire in place, tens of thousands of displaced Palestinians started moving back home toward northern Gaza. Sama’s house was flattened in Israel’s bombardment and she and her family remained in Khan Younis, unable to afford travel costs to return home.
“Our house was bombed, and inside it were so many memories – my photos, my certificates. I had dresses and so many belongings, but the house was destroyed, and I haven’t been able to see it since,” Sama said when CNN revisited the family in February.
“Transportation costs are too high, and even if we go, there is no water, and we don’t know where we would stay,” she continued.
Mental health in Gaza
Providing mental health services in Gaza has always come with challenges. But Dr. Yasser Abu Jamei, director of the Gaza Community Mental Health Programme (GCMHP), explained that during Israel’s 15-month assault his staff had also suffered trauma which made it difficult to treat others.
“Most of my staff are working from displaced places and only less than 10 of them are still in their homes,” Abu Jamei, director of Gaza’s biggest mental health program, told CNN in an interview before the ceasefire was agreed in January.
“They still carry on and try to bring some hope and support to families (while) working in shelters.”
A drone view shows a tent camp where displaced Palestinians shelter in Khan Younis in the southern Gaza Strip, on January 23, 2025.
Mohammed Salem/Reuters
One technique he said the GCMHP employs is drawing therapy, which allows children to express their feelings through non-verbal communication. He recalled an instance in which giving a child the space to draw enabled them to talk to a GCMHP psychologist about their pain.
“(The child said) my friends are in heaven, but one of them, they found him without his head,” Abu Jamei said. “How could he go to heaven while his head is not there? (The child) continued to cry.”
While the fragile ceasefire held, Abu Jamei said the GCMHP was employing a mental health plan to treat patients which could last for up to six months. GCMHP workers were “relieved” by the pause in fighting, he added, but still felt a “heaviness of the work that awaits them.”
‘A drone came and killed them’
Seven-year-old Anas Abu Eish and his sister Doa, aged eight, live with their grandmother Om-Alabed in a displacement camp in the Al-Mawasi area of Khan Younis. The siblings suffered the loss of their parents in an Israeli strike.
“I was playing with my ball, I went down the stairs and I found Dad and Mom, thrown in the street, a drone came and exploded (on) them,” Anas told CNN in November 2024.
Om-Alabed said the children had been deeply affected by what happened and that Anas experiences moments of aggression whenever he sees other children being embraced by their mothers.
“I frequently remind people to be understanding, as he has lost not only his parents but also the safety, security, warmth, and affection (they) provided,” she said.
When CNN began to interview Doa, she distracted herself by applying pressure to her nails; seconds later she began to cry.
Reviewing the footage of Anas and Doa, with the consent of their grandmother, Israeli psychologist and professor at the University of Pennsylvania Edna Foa told CNN that she remained hopeful the siblings could make a recovery.
Doa, Anas and their grandmother Om-Alabed speak to CNN after the ceasefire was announced in January.
Tareq Al Hilou/CNN
“They are interacting. I’ve seen children, they just look at you and they don’t say anything. They don’t cry, they just look at the space (around them), I worry about (those) children more,” Foa said.
Though their home is close by in Rafah, Anas and Doa remained in Al-Mawasi even after the truce was agreed, unable to return as it was under a “red zone” designation – an area considered likely to be targeted if hostilities resumed.
Om-Alabed said after the ceasefire was announced, they did travel back and found their house in ruins. It felt too dangerous to stay there. “We couldn’t handle it,” she said. “We are here waiting and dreaming that our red zone becomes a green zone so we can go back and put our tents over the rubble.”
“All the buildings are crashed into each other,” Om-Alabed continued. “To walk from here to there, you have to climb rubble as if you are climbing a mountain, just to get to our area.”
‘There was sand in my mouth, I was screaming’
In the same displacement camp, six-year-old Manal Jouda calmly recalls the night her home was destroyed, killing her parents and trapping her under the rubble. She described the terror of waiting to be rescued.
“There was sand in my mouth, I was screaming, they dug with a shovel, our neighbor was saying ‘this is Manal, this is Manal.’ I was awake, my eyes were opened under the rubble, my mouth was opened, and sand was coming into it,” she said.
Six-year-old Manal Jouda tells CNN about the night her home was destroyed and trapping her under the rubble.
Tareq Al Hilou/CNN
“This is the kind of child I would follow to see if there was a way of reducing the pain her brain will hold later on,” Foa said of Manal.
Even with a ceasefire, children need stability to help aid their healing, Foa said. But she believes that with the right treatment, Palestinian children can make a partial recovery.
“They will never be the same as before the war, but they will recover in the sense that they could be functional,” she said.
“They can be content most of the time, not be distressed, not being dysfunctional and go on with their life.”
But for children like Sama, stability remains out of reach.
‘My friends have hair, and I don’t’
Heavy rain and strong winds have battered displacement camps, destroying makeshift tents and leaving the young girl and other Palestinian families with little shelter.
After the ceasefire was announced in January, Sama Tubail and her mother remain in the same displacement camp in Khan Younis
Tareq Al Hilou/CNN
Even with a truce in place, her hair didn’t grow back and she wonders if it ever will.
“Every time my hair starts to grow, I look at it with hope, but then it falls out again,” she said.
Her mother explained that Sama feels ashamed of having no hair, even in front of her sisters, and feels she can’t restart her life until it regrows.
“Sama always told me ‘I want to go to the north to find my clothes and my memories,’” Om-Mohammed said.
“But now she has changed her mind and says ‘where would we go? We don’t have a home anymore; all my friends have hair, and I don’t.’”
Source: CNN