“Social Pulse: Key Dialogues on Regional Developments”

اقتحامات واسعة بالضفة وحملة التهجير مستمرة بمخيم نور شمس

نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر اليوم الاثنين اقتحامات واسعة في الضفة الغربية تخللتها اعتقالات، وواصلت في الوقت نفسه تهجير السكان من مخيم نور شمس في طولكرم.

واقتحمت قوات الاحتلال المدن الرئيسية من شمال الضفة إلى جنوبها مرورا بوسطها، كما داهمت عدة مخيمات.

وقالت مصادر فلسطينية إن قوات إسرائيلية اقتحمت نابلس وقلقيلية في الشمال، ورام الله والبيرة في الوسط، والخليل وبيت لحم في الجنوب، بالإضافة إلى مخيمات الجلزون وقلنديا وشعفاط.

في نابلس، اقتحمت قوات الاحتلال منطقة المخفية، وحاصرت بناية سكنية وسط إطلاق قنابل الصوت والغاز المدمع.

ودفعت القوات المقتحمة بتعريزات عسكرية إلى مدينة نابلس ودهمت مناطق عدة، وأفادت مصادر محلية للجزيرة بأن دوي انفجارات سمع خلال اقتحام قوات الاحتلال مناطق عدة بالمدينة.

🔴 قوات الاحتلال تعتقل شابين خلال اقتحام حارة عنتر في مخيم قلنديا شمال شرق القدس المحتلة pic.twitter.com/Qf0v1eI6lE
— ساحات – عاجل 🇵🇸 (@Sa7atPlBreaking) April 7, 2025

من جهتها، قالت وسائل إعلام فلسطينية إن مقاومين استهدفوا القوات المتوغلة في مخيم بلاطة في نابلس بعبوة ناسفة.

كما اقتحمت قوة إسرائيلية مدينة قلقيلية، ونفذت مداهمات اعتقلت خلالها أسيرا محررا.

كذلك اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيمات الجلزون والأمعري وقلنديا في رام الله ومخيم شعفاط شمال القدس المحتلة، ونفذت فيها اعتقالات.

وتأتي هذه الاقتحامات لمدن الضفة الغربية ومخيماتها قبل ساعات من بدء إضراب شامل دعت إليه القوى الوطنية والاسلامية تنديدا بالعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.

جانب من وداع الفتى الشهيد عامر ربيع الذي ارتقى برصاص الاحتلال في بلدة ترمسعيا شمال رام الله. pic.twitter.com/ckql5mmZCD
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) April 6, 2025

في غضون ذلك، شيّع فلسطينيون مساء أمس الأحد جثمان الطفل عامر ربيع (14 عاما) من بلدة ترمسعيا شمال شرق رام الله، الذي استشهد برصاص قوات الاحتلال مساء أمس.

كما أصيب طفلان آخران برصاص الاحتلال قرب بلدة ترمسعيا.

وقال أديب شلبي رئيس بلدية ترمسعيا للجزيرة إن الشهيد وأحد المصابيْن يحملان الجنسية الأميركية.

وقد بث الجيش الإسرائيلي صورا قال إنها لاستهداف فلسطينيين في ترمسعيا، وبرر إطلاق الرصاص عليهم بإلقائهم الحجارة على جنوده.

تهجير مستمر

على صعيد آخر، قالت مصادر فلسطينية للجزيرة إن قوات الاحتلال الإسرائيلي طالبت عددا من السكان في مخيم نور شمس شرقي طولكرم (شمالي الضفة الغربية) بإخلاء منازلهم.

وأفادت المصادر بأن قوات الاحتلال احتجزت عددا من الشبان الفلسطينيين في حي المنشية، ومنعت آخرين من العودة إلى منازلهم، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على المخيم وسكانه منذ أكثر من شهرين.

ومنذ أسابيع، تشن قوات الاحتلال هجوما واسعا على مخيمات شمالي الضفة، وقد تسبب في تدمير أجزاء كبيرة منها وتهجير عشرات الآلاف من سكانها.

وعقب عملية طوفان الأقصى، تصاعدت الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة، مما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 945 فلسطينيا، وإصابة 7 آلاف، واعتقال 15 ألفا، بحسب بيانات رسمية فلسطينية.

Source: Apps Support


حرب الإبادة في غزة ومآلات الحل كما تراها إسرائيل

تحت مزاعم الضغط التفاوضي واستعادة أسراه لدى المقاومة، دفع جيش الاحتلال الإسرائيلي بقواته البرية لإعادة احتلال قطاع غزة وتقطيع أوصاله عبر محاور مختلفة، وذلك في إطار حرب الإبادة المعلنة على الفلسطينيين في القطاع.

ويسعى الاحتلال لرسم مشهد مأساوي في قطاع غزة عبر تنفيذ مخططات اليوم التالي واستقطاع مناطق شاسعة وتنفيذ خطة الجنرالات المستحدثة، التي تقع رفح وبيت لاهيا في قلبها.

ويكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حديثه عن أهدافه من الحرب، والتي يلخصها بإطلاق سراح الأسرى وإجبار المقاومة على إلقاء سلاحها ونفي قادتها للخارج، وتهجير باقي سكان القطاع تنفيذا لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وكان قد أعلن خلال الاجتماع الحكومي أن الجيش “غيّر خططه في قطاع غزة، وأنه في نهاية الهجوم ستلقي حماس سلاحها، وسيُسمح لكبار مسؤوليها بالسفر إلى الخارج، وسنتمكن من تنفيذ خطة ترامب للهجرة الطوعية”.

الضغط على حماس

ويؤكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الهدف من توسيع العملية هو زيادة الضغط على حركة حماس لدفعها إلى التنازل عن شروطها في المفاوضات.

ويبدو أن كلماته كانت بمثابة بيان تم التنسيق فيه مع الأميركيين، وربما أمروا به، وفقا لوصف عاموس هرائيل في صحيفة هآرتس.

ويضيف أنه “ليس من قبيل المصادفة أن يختفي ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي من خريطة وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة. ويبدو أن واشنطن تركت لإسرائيل مجالاً للعمل العسكري، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تحسين قدرتها على المساومة في المفاوضات، ولكن من المرجح أن يكون ذلك محدودا في الوقت”.

ويتابع أن الرسالة الحالية القادمة من واشنطن أنها ترحب بعودة إسرائيل للقتال في غزة، كما أن الإدارة الحالية ستزودها بكل الأسلحة اللازمة لذلك، وقد يكون الضوء الأخضر الأميركي ليس مطلقا، إذ من المتوقع أن يزور ترامب السعودية الشهر المقبل، وهو لا يريد أن تطغى صور الحرب القادمة من غزة على زيارته.

وفقا لوصف هرائيل فإنه إذا كان نتنياهو يأمل في تحقيق أهدافه، فسوف يضطر إلى ممارسة ضغوط عسكرية أكبر بكثير، “ولكن ليس من المؤكد على الإطلاق أنه سينجح في مسعاه، وهناك خطر واضح على طول الطريق يتمثل في موت معظم الرهائن”.

إعادة احتلال القطاع

رافقت المجازر التي لم تتوقف لحظة، مخططات إعادة احتلال قطاع غزة عبر قضم مناطق واسعة منه، وضمها للمنطقة الأمنية.

وبحسب آفي أشكنازي في معاريف فإن الجيش الإسرائيلي يعتزم تقسيم قطاع غزة إلى 4 أجزاء بهدف زيادة الضغط على حماس، فقوات الفرقة 36 التي بدأت عملياتها في جنوب قطاع غزة تعمل على إنشاء منطقة محور موراغ الذي يفصل بين خان يونس ورفح. وسيكون محور موراغ موازيا لمحور فيلادلفيا في الشمال، أما في الجنوب فسيكون موازيا لمحور نتساريم.

وبحسب مصدر عسكري إسرائيلي لصحيفة معاريف تعمل عدة ألوية في رفح حيث قوات غيفعاتي في الشابورة، واللواء 14 في تل السلطان، كما تعمل في غزة حاليا 3 فرق: الفرقة 143، والفرقة 252 في شمال ووسط القطاع وتعمل القوات في بيت حانون وبيت لاهيا، بينما تعمل كتيبة 16 على محور نتساريم.

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مصادر مطلعة بأن رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير يريد القضاء على حماس بشكل حاسم بهجوم بري واسع، قبل اتخاذ أي قرار بشأن حل سياسي. وهو مستعد لنشر قوات كافية لاحتلال القطاع إلى أجل غير مسمى.

وقال العقيد احتياط حيزي نحماه: هناك خطوة لاحتلال رفح من المفترض أن تؤدي إلى خيارين:

الأول: التوسع نحو الخطة الكبرى، 6 فرق عسكرية تحتل قطاع غزة بأكمله و”تطهّره”.
الثاني: محاولة إطالة المرحلة الأولى لإنقاذ بعض الأسرى.

ويرى الكاتب وسام عفيفة، في حديثه للجزيرة نت، أن إسرائيل تعمل على إعادة احتلال غزة بشكل تدريجي، مع دعم أميركي مؤقت، موضحا أن احتلال رفح وشمال القطاع وبيت لاهيا وبيت حانون وتوسيع المنطقة العازلة على طول شرق قطاع غزة، يشير إلى عزم الاحتلال السيطرة على نصف مساحة قطاع غزة وليس كما يعلن عن 25%.

وقال إن تقسيم القطاع عبر محاور عرضية مثل محور موراغ ونتساريم وكوسوفيم، ومفلاسيم وما يضاف إليها من مساحات كبيرة على جانبي هذه المحاور ضمن هوامش السيطرة النارية لقوات البرية الموجودة، يثبت أن الاحتلال يعمل على إعادة احتلال نصف قطاع غزة مع الضغط على الفلسطينيين للتحرك لغرب شارع صلاح الدين الذي يفصل القطاع من شماله وجنوبه.

وكل ذلك ضمن عقيدة عسكرية جديدة تنفذها أيضا في لبنان وسوريا بالاستيلاء على أراض تحولها إلى أحزمة أمنية ومناطق عازلة.

ولكن رئيس الاستخبارات العسكرية السابق تامير هايمان حذر من هذا السيناريو في مقال نشرته القناة الـ12، وقال إن الحفاظ على الجيش في كامل الأراضي يتطلب وجودا عسكريا كبيرا، وسوف يأتي هذا على حساب القوات في الضفة الغربية وعلى حساب القوات على الحدود الشمالية، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض الشعور بالأمن، ومن المرجح أيضا أن يؤدي إلى زيادة “الهجمات الإرهابية”.

كما أن حجم قوات الاحتياط المطلوب لهذه المهمة سوف يضر بالاقتصاد ويزيد من العبء على جنود الاحتياط بشكل يعرض جاهزيتهم للخطر، وستؤثر الشرعية الدولية سلبا على العلاقات التجارية لإسرائيل، ومن ثم بشكل سلبي على الاقتصاد الإسرائيلي.

وقد ترى دولٌ عديدة باستثناء الولايات المتحدة في إعادة احتلال القطاع عملاً غير قانوني وغير متناسب يتعارض مع قيمها.

ضغط تفاوضي مخادع

ورغم إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس أن هدف العمليات في غزة هو تعزيز إطلاق سراح الأسرى، لم يخف الهدف الحقيقي من عدوان الجيش الإسرائيلي الجديد بأن “الإجراءات التي نتخذها على الأرض هي أيضًا تحضير للعملية الكبرى التي طلبت من الجيش إعدادها، إذا لم نحقق إطلاق سراح الرهائن، فسيعمل الجيش على هزيمة حماس”.

وبحسب عاموس هرائيل فإنه حتى قبل الوصول لاتفاق وسط، “سيأتي سفك الدماء المتبادل، الذي ستقدمه الحكومة بشكل مخادع أمام الرأي العام باعتباره خطوة إلزامية على طريق النصر”.

ولم يستغرب المختص في الشؤون الإسرائيلية عماد أبو عواد من شروط نتنياهو التعجيزية في رده على مقترح الوسطاء، والذي وافقت عليه حماس مع تعديلات، معتبرًا أن نتنياهو لا يبحث عن إطلاق سراح الأسرى مهما قدمت حماس من تنازلات، بل هي خطوات خداعية تهدف لكسب الوقت لتنفيذ مخططه في إعادة احتلال قطاع غزة والتهجير.

ويضيف أبو عواد أن الحديث عن المقترحات والأسرى هو فقط لتبريد جبهته الداخلية المتقلبة والمنقسمة، في ظل خطوات منفصلة تقوم بها المعارضة ضد الانقلاب القضائي وقضية تجنيد الحريديم.

ويتفق عفيفة معه بأن المفاوضات لاستئناف وقف إطلاق النار دخلت في نفق مظلم وتستخدمها حكومة نتنياهو لشراء الوقت، مع فجوات كبيرة بين الطرفين بعد رفض إسرائيل مقترح الوسطاء.

وخلال حالة العدوان المستمرة على قطاع غزة، عمل الجيش الإسرائيلي على استهداف رموز الحكم في قطاع غزة والجهات الإغاثية وعناصر الشرطة، مع دعم علني ومباشر لمظاهرات خرجت تطالب بإنهاء الحرب على قطاع غزة، مدفوع جزء منها بدعم إقليمي إعلامي واضح تحت شعار طرد المقاومة ورفع يدها عن حكم غزة.

ويضاف لذلك التنسيق مع عصابات محلية استولت على المساعدات وعملت على نشر حالة الفوضى العميقة في كل مناحي الحياة.

وبحسب عفيفة يعود الاحتلال لاختبار تجربة تشكيل عصابات محلية، أو الاعتماد على البعد العائلي للسيطرة على جيوب في القطاع، رغم فشله في العام الأول من الحرب وهو النهج الذي يُعتبر خطوة نحو تنفيذ “خطة اليوم التالي”، التي تتحدث عن إقامة حكم محلي بديل تحت حماية الاحتلال. لكنه لا يزال خيارا بعيد التطبيق. والبديل عنه خلق فوضى واقتتال داخلي”.

واكد أبو عواد من طرفه أن الاحتلال قد يعمل على إقامة روابط القرى في قطاع غزة على شاكلة ما حدث في الضفة الغربية في السبعينيات، عبر دعم عشائر، وعصابات وجهات متورطة مع الاحتلال أمنيًا عبر إشاعة الفوضى والقتل وزعزعة الحالة الداخلية، بهدف سلخ المناطق التي يسيطر عليها بالنار من أي ترابط مع باقي مناطق القطاع، ومع إطار الحكم المحلي القائم، ضمن خططه الأمنية والعسكرية لليوم التالي في قطاع غزة.

التجويع والتهجير

في مقابل القتل اليومي، يستمر مسلسل التجويع في ظل انقطاع دخول أي شكل من أشكال المساعدات منذ أكثر من شهر إلى قطاع غزة إضافة لسيطرة الاحتلال على مناطق زراعية شاسعة في شمال ووسط وجنوب قطاع غزة والتي كانت تمثل السلة الغذائية التي ساعدت على صمود الفلسطينيين أمام حرب التجويع ويعمل الاحتلال على استهداف تكايا توزيع الطعام بشكل مباشر ونشاطات المبادرين ومن يقدمون أدنى مقومات المساعدة للفلسطينيين.

ولم يخف مسؤول إسرائيلي رفيع تحدّث إلى الصحفيين المرافقين لوفد نتنياهو خلال زيارته للمجر، الأهداف من عودة العدوان على غزة والتجويع حيث قال “إسرائيل تُجري مفاوضات مع أكثر من دولة بشأن استيعاب فلسطينيين من قطاع غزة، وإسرائيل جادّة جدا في تنفيذ خطة ترامب لنقل سكان القطاع إلى دول أخرى”.

وزعم أن عدة دول أبدت استعدادها لاستقبال الفلسطينيين، لكنها طرحت شروطا، وتطلب مقابلا، ليس بالضرورة ماليا، بل أيضا أمورا إستراتيجية.

وأضاف “ما نرغب في رؤيته هو إنقاذ الأسرى، والقضاء على حماس، ومن ثم استغلال الفرصة لعملية هجرة طوعية واسعة، نحن نتحدث عن أكثر من مليون شخص. القطاع أصبح ركامًا، ونحن نعمل على هذه الخطة”.

ويوضح أبو عواد أن مبدأ التهجير لم يختف عن طروحات ترامب والحكومة الإسرائيلية التي ترى في تصريحات الرئيس الأميركي فرصة تاريخية للتهجير يجب استغلالها.

ويشير إلى أن الخطوات الميدانية العسكرية في غزة من إبادة ومجازر وتجويع ما هي إلا لفرض وقائع بيئة طاردة لاستقرار الفلسطيني والتشبث بأرضه في قطاع غزة وصولا لتنفيذ أكبر حملة تهجير.

وتسلط الدكتورة ليراز مارغاليت، في مقال نشرته صحيفة معاريف، الضوء على العلاقة بين حجم الإجرام الذي يرتكبه جيش الاحتلال في غزة، وبين تصور قديم لنتنياهو، فتقول “إن غزة بكل المآسي التي تمر بها تقع ضمن النموذج الذهني الذي بناه نتنياهو لنفسه منذ صغره، حيث يرى نفسه رسولا مقدرا له أن يحمي اليهود من الانقراض”.

وتضيف أن “نتنياهو يعلم أنه إذا لم تنته الحرب الحالية بصورة واضحة للنصر أو إطلاق سراح الرهائن، فإن هذه الوصمة سترافقه طوال حياته، وهذا من شأنه أن ينفي الرؤية التبشيرية التي غلف بها شخصيته”.

Source: Apps Support


عبد الرزاق مقري: إنهاء المقاومة سيؤدي لتغوّل اليمين الصهيوني على العرب

يقول المفكر والسياسي الجزائري الدكتور عبد الرزاق مقري إن الحكام العرب عامة، وحكام مصر والأردن خاصة، “فهموا أن التهجير ليس تصفية للقضية الفلسطينية فحسب، بل هو خطر على أمنهم القومي”، وإن بعض الدول العربية فهمت أن “إنهاء المقاومة سيؤدي إلى تغوّل الحكومة اليمينية الصهيونية عليهم وعلى حدودهم”.

وأضاف مقري، في حواره للجزيرة نت، أن “مجريات الأحداث في سوريا نتيجة مباشرة لطوفان الأقصى ولتحولات دولية سرّعها الطوفان بشكل غير مباشر”، وأنه “مهما كانت المخاطر التي تهدد الإنجاز التاريخي الذي حققته المعارضة بزعامة أحمد الشرع فهي في الاتجاه السليم”، مشيرا إلى أن “القوى الاستعمارية تسعى لتفريقنا على أساس الطائفة والعرق والمذهب والجهوية والمناطقية وغيرها”.

وبيّن أن “الجهات الأكثر تطرفا في التيار اليميني الشعبوي، كنموذج دونالد ترامب، رأت أنه من حقها أن تمد يدها لثروات الشعوب مقابل حمايتها والدفاع عنها”، وأنه بسبب الشحن الديني والثقافي الذي يتميز به التيار اليميني بدا الوجه الفظ للعدوان الغربي على الشعوب، وصار التخلي عن القيم والأخلاق في التعامل مع الآخرين مكشوفا متوحشا بعدما كان مخادعا منمقا.

ويقول إن من أسباب انكشاف الانهيار القيمي في الحرب على قطاع غزة أن الأمر يتعلق بدولة إسرائيل التي يمثل قيامها ركنا من أركان المحافظة على المصالح الغربية في المنطقة، ووجودها جزءا من معتقدات قوى دينية بروتستانتية نافذة في أميركا.

وأوضح أن “صعود اليمين المتطرف هو وجه من وجوه أزمة الرأسمالية المادية”، وأن انهيار المنظومة القيمية لدى الدول الغربية يمثل فرصة كبيرة للدول العربية والإسلامية من حيث إزالة وهم النموذج الحضاري الغربي.

يذكر أن عبد الرزاق مقري يشغل حاليا منصب الأمين العام لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة منذ مارس/آذار 2015، وكان رئيسا سابقا لحركة مجتمع السلم، وعضو مجلس أمناء مؤسسة القدس العالمية، وعضو اللجنة الدولية لكسر الحصار على غزة.

ولمقري العديد من المؤلفات من أبرزها “درب المقاومة.. جهاد الشعب الجزائري ضد الاحتلال (1830-1962)”، و”المشكلات العالمية الكبرى والعلاقات الدولية.. دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي حول مشكلات التنمية والبيئة في العالم”، و”فكرنا السياسي”، و”قبل الحراك.. عن التيه الحكومي وفي البدائل المنشودة”، و”الاستنهاض الحضاري وتحدي العبور” وغيرها. فإلى نص الحوار:

ما الذي غيره طوفان الأقصى وحرب الإبادة الجماعية على غزة في وجدان الشعوب؟

غيّر الطوفان أشياء كثيرة في وجدان الشعوب، لقد أظهر للشعوب ما هو ثمن الكفاح من أجل التحرير ونيل الحقوق، وبيّن بأن ثمة في العالم فئة من الناس قادرة على فعل المستحيل في كفاحهم ضد المحتل، وأن إلحاق الأذى بالعدو لا يتطلب التكافؤ في القوة، وإنما التمسك بالقيم النبيلة والتوكل على الله وحسن التخطيط والإعداد والاستعداد والانضباط والشجاعة والإتقان في التنفيذ، والاستعداد للتضحية وتقديم الأثمان العالية، كما بينت حرب الإبادة أن ثمة شعبا في هذه الدنيا في أرض غزة لهم القدرة على تحمل ما لا تتحمله الجبال الرواسي من أجل التمسك بأرضهم وحماية مقاومتهم.

وفي المقابل رسمت حرب الإبادة الجماعية في وجدان الشعوب مدى وحشية وسادية ونازية الاحتلال الاسرائيلي، وبينت أن قادة هذا الاحتلال بلا أخلاق البتة وبلا مشاعر إنسانية مطلقا، لا يعيرون أي احترام للمبادئ الإنسانية والقوانين الدولية، وقد ظهرت حقيقتهم في هذه الحرب إلى الحد الذي جعلهم يخسرون رهان السردية، وخطاب المظلومية الذي نالوا به تأييد الناس في العالم، خصوصا في العالم الغربي المسؤول الأوحد تاريخيا عن العنصرية والإبادة ضد اليهود.

كما أوضحت مأساةُ غزة عمق نفاق ساسة الغرب وإعلامه وكثير من نخبه، وصار راسخا في وجدان الشعوب بأن الديمقراطية وحقوق الإنسان هي مجرد شعارات في الدول الغربية تستعمل بمعايير مزدوجة وللضغط على الأنظمة الاستبدادية وابتزازها من أجل المصالح، وأن مجلس الأمن هو ناد للمحافظة على مصالح الأقوياء، وأن المنظمات الدولية هيئات عاجزة ومتحكم فيها لا تستطيع إحقاق حق أو إنصاف مظلوم.

مجريات الأحداث في سوريا نتيجة مباشرة لطوفان الأقصى ولتحولات دولية سرّعها الطوفان بشكل غير مباشر

وماذا عن التأثيرات الوجدانية المحلية لعدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة؟

من أهم وأوضح ما رسّخه العدوان في أذهان الشعوب الخذلان العام الذي تميزت به الأنظمة الحاكمة وكثير من الأحزاب والمنظمات والنخب في العالم الإسلامي تجاه الظلم والعدوان الذّي أصاب أشقاءهم الفلسطينيين، ورغم الدعم المتنوع الذي قدمته الشعوب العربية والإسلامية، خصوصا في المجال الإغاثي والإعلامي، لم تستطع تلك الشعوب كسر حالة الحصار المطبق على غزة أثناء إبادة شعبها.

ورغم كل ذلك أحدثت أحداث غزة هزة عظيمة في الوجدان تحولت إلى وعي عام لدى الجماهير في فلسطين وفي العالم العربي وفي العالم كله، سيكون له دور كبير في حركة التغيير ضد الظلم والاستبداد والفساد والنفاق السياسي، وسيخلق توازنات جديدة لصالح التغيير، وقد بدأت أمارات ذلك تظهر، ومنها نتائج الانتخابات في أميركا وبعض الدول الغربية، وأوضح وأهم نتيجة للطوفان وباكورته في العالم العربي هو التغير التاريخي الذي حدث في سوريا.

هل تأثير ما جرى في غزة والضفة بعيد عن الحكام العرب والمسلمين، في ظل مبادرات دولية ضد التخلي عن حقوق الإنسان؟

في الحقيقة لا توجد مبادرات دولية استطاعت أن توقف العدوان، ولكنها استطاعت أن تفضح الكيان الإسرائيلي فحسب، منها مبادرة جنوب أفريقيا وما تم التوصل إليه من أحكام واضحة ضد القادة الإسرائيليين في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. والغريب في الأمر أن هذه المبادرات لم تكن من قبل الحكام العرب والمسلمين، بل بعضها لم ينخرط حتى في مسار مساندة هذه المبادرات.

ثمة كثير من الأوراق في أيدي الدول العربية والإسلامية كان يمكن استعمالها لوقف العدوان وإغاثة أهلنا في غزة، ومن ذلك وقف التطبيع وقطع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، أو على الأقل التلويح بذلك، ومن ذلك العمل الدبلوماسي الفاعل والمنسق والكثيف في اتجاه الحكومات في العالم وفي اتجاه المنظمات الدولية، والسلاح الاقتصادي وسلاح النفط، والسلاح الإعلامي، والسلاح الشعبي بفسح المجال للجماهير للتظاهر في الشارع في كل الدول بشكل دائم ومكثف ومحاصرة سفارات الدول الشريكة في العدوان، بما يعطي الصورة للإسرائيليين والغربيين بأن الشعب الفلسطيني ليس معزولا وأن مصالح كل من يشارك ويعين على الإبادة مهددة.

إنه لا يتصور حقيقة أن يحدث لشعب عربي مسلم من الأهوال مثل التي حدثت لسكان غزة ولا يهب حكام العرب والمسلمين لنجدته وإنقاذه، لا يمكن البتة فهم كيف يموت الفلسطينيون بالقصف والتجويع والأمراض والبرد وجيرانه لا يحركون ساكنا، بل يساهمون في حصاره.

غير أنه لا يمكن إنكار المجهودات التي بذلتها قطر ومصر في مسار المفاوضات بما ساهم في وقف إطلاق النار في المرة الأولى والثانية، وما قامت به وتقوم به قطر خصوصا في هذا الشأن.

لا بد من الإشارة كذلك إلى أن قادة النظام العربي أدركوا خطورة قيادة الكيان على دولهم واستقرار أمرهم هم ذاتهم، وأن الحكومة الاسرائيلية اليمينية بقيادة نتنياهو لم تترك لهم أي مبرر أمام شعوبهم، وليست شريكة حتى في مستوى التطبيع والتفاهمات التي يريدونها.

لقد فهم الحكام العرب، وخصوصا حكام مصر والأردن، أن التهجير ليس تصفية للقضية الفلسطينية فحسب، بل هو خطر على أمنهم القومي، بل ثمة من فهم داخل بعض الدول العربية بأن إنهاء المقاومة سيؤدي إلى تغول الحكومة اليمينية الصهيونية عليهم وعلى حدودهم. لهذا كانت قرارات الجامعة العربية الأخيرة معقولة وقبلتها المقاومة الفلسطينية وثمنتها.

وهذا الموقف دون ما هو مطلوب بكثير، ولا يلغي صورة الخذلان التي على جبين الحكام، وإنما رفضوا التهجير خوفا على عروشهم، ولم يتطرقوا إلى سلاح المقاومة لأن بعضهم ينتظر أن يُجهز عليه الإسرائيليون.

مهما كانت المخاطر التي تهدد الإنجاز التاريخي الذي حققته المعارضة بزعامة أحمد الشرع فهي في الاتجاه السليم

⁠ما هي الفرص والتحديات التي تواجه الحكام الجدد في سوريا؟

مجريات الأحداث في سوريا إنما هي نتيجة مباشرة لطوفان الأقصى ولتحولات دولية سرّعها الطوفان بشكل غير مباشر.

خلافا لثورات الربيع العربي لم تتوقف الثورة السورية ولم تبق سلمية. حينما تسلحت كرد فعل على إجرام نظام بشار الأسد بحق المظاهرات السلمية كادت أن تسقط النظام في دمشق لولا التدخل الإيراني وحلفائه في المنطقة، ثم التدخل الروسي.

والعوامل التي ساعدت على تحقيق هذا الإنجاز كثيرة منها الدعم التركي، وانشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، والتحولات السياسية والاجتماعية داخل إيران ذاتها، وأثر المواجهة بينها وبين الكيان الصهيوني وما تتعرض له من تهديدات أميركية، والأضرار التي أصابت حزب الله في اشتباكه مع الإسرائيليين نصرة لغزة، والشكوك وأزمة الثقة التي دبت بين النظام السوري وداعميه في إيران وحزب الله، والتحولات السياسية الأميركية، وسهولة التفاهم بين تركيا وترامب، والترحيب بالتحولات، ولو بشكل حذر، من قبل دول عربية أساسية.

ومهما كانت المخاطر التي تهدد الإنجاز التاريخي الذي حققته المعارضة بزعامة أحمد الشرع ومن معه فهي في الاتجاه السليم من حيث الإنجاز ذاته المتمثل في إسقاط نظام مجرم لم يعرف التاريخ المعاصر مثيلا له في علاقة الحكام بشعوبهم، ومن حيث التطور الكبير في خطاب حكام سوريا الجدد، وطريقة تسيير المخاطر وتشكيل الحكومة والعلاقات الخارجية، والتعامل مع الفلول، وصياغة الوثيقة الدستورية، وأخيرا الاتفاق الذي أبرم مع “قسد”.

لا شك في أن هذا النجاح المستمر له علاقة بأصحابه، ولكن التحولات والتدافعات التي ذكرتها من قبل لا تزال تعمل لصالح التجربة، بل هي حاسمة في نجاحها، وهي التحولات والتدافعات التي لم تكن حاضرة لصالح تجارب الربيع العربي الأخرى، خصوصا ما يتعلق بالظهير الخارجي المتمثل في الدعم التركي القوي والمتواصل والفاعل.

إن العوامل التي صنعت الدعم التركي عديدة منها علاقات الجوار والتأثر المتبادل بالأحداث، وملف الهجرة الذي بات مشكلة داخلية عويصة بالنسبة للأتراك، والمصلحة الإستراتيجية المشتركة بين الأتراك والسوريين المتعلقة بقوى سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، المدعومين والمحميين بشكل مباشر من الولايات الأميركية المتحدة.

وهنا يجب التنبيه إلى أن الاتفاق التي وقع بين أحمد الشرع وأكراد سوريا بقدر ما هو مطمئن للأتراك، فإنه يثير مخاوف جادة لديهم عبّر عنها وزير الخارجية التركي، وسيبقى الملف مفتوحا تراقبه تركيا عن كثب وقد يمثل مشكلة ما في توازن القيادة السورية بين الأميركيين والأتراك.

وبناء على هذا يمكن القول بأن ثمة فرصا كبيرة تعضد الحكام السوريين الجدد منها:

الترحيب الشعبي السوري الكبير بالإنجاز، خصوصا لدى الأغلبية السنية، مما يعطي فسحة واسعة للحكام الجدد لترتيب أمورهم، وما يقابل ذلك من ضعف وتشتت للمعارضة السياسية السورية، وتحولات إقليمية غير مناسبة للأقليات الدينية والعرقية التي قد تهدد الاستقرار ووحدة سوريا. وجود الظهير الخارجي التركي القوي، عسكريا واقتصاديا وفي العلاقات الإقليمية والدولية.
الترحيب العربي الذي تحول إلى إجراء رسمي بإدماج رئيس سوريا أحمد الشرع في اجتماع القمة الأخير في الجامعة العربية، ويمكن تحديد عدة أسباب لهذا الترحيب العربي، منها إخراج إيران من سوريا، وعدم وجود علاقة للحكام السوريين الجدد بالإخوان المسلمين، وعدم الاعتراض المبدئي للولايات الأميركية على التحول السياسي القائم، وعدم ترك الساحة السورية لتركيا وحدها.
انشغال روسيا بحرب أوكرانيا والظروف الداخلية والخارجية المحيطة بإيران وحزب الله، وهي الظروف ذاتها التي ساعدت على نجاح المعارضة في إسقاط نظام بشار. التحولات السياسية القائمة في الولايات الأميركية المتحدة من حيث رغبة ترامب في إنهاء انشغال أميركا بالحروب والصراعات خلافا لنهج أسلافه الديمقراطيين، مما ساعد على الضغط على الأكراد السوريين للاندماج في النظام السوري الجديد، كما أن الخلافات الكبيرة مع الأوروبيين بخصوص أوكرانيا شغلت هؤلاء بأنفسهم.

غير أن هذه الفرص تواجهها تهديدات جادة لمستقبل سوريا منها:

التهديدات الأمنية التي يشكلها فلول النظام، والطوائف الدينية القلقة، وما يصاحبها من انتشار السلاح والتدخلات الخارجية من دول تضررت من الوضع الجديد.
مخاطر التقسيم التي تأتي من الأكراد في الشمال الشرقي والعلويين في الساحل والدروز من الجنوب، ومدى تورط الولايات الأميركية والكيان الإسرائيلي من جهة، وروسيا وايران من جهة أخرى في هذا المسار المحتمل.
الأطماع الإسرائيلية وتحرشاتها المستمرة بريا وسيطرتها على الأجواء السورية. مخاوف رجوع التدخل الإيراني والروسي بأشكال مختلفة بغرض إسقاط النظام الجديد أو ابتزازه.
صعوبة بناء الاقتصاد السوري من جديد وتدهور الجبهة الاجتماعية في حال تعطل مشاريع التنمية.
صعوبة البناء المؤسسي في المرحلة الانتقالية وتحقيق التوافق بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية.
رهان المحافظة على السيادة ودقة توازنات الحكام الجدد في علاقاتهم الخارجية بين تركيا والولايات الأميركية والدول العربية وروسيا وإيران.

كيف يمكن التخلص من الفكر الطائفي في ظل التنافس السياسي بالمنطقة؟

الطوائف الإسلامية موجودة في العالم الإسلامي منذ القدم، وهي قد تشكلت منذ البداية ضمن بيئة الصراع السياسي بين المسلمين، وحين تحولت الاختلافات السياسية إلى مذاهب فقهية واتجاهات عقائدية وتشكلت على أساسها دول في المشرق والمغرب تعايش المسلمون في ظلها، وقد كان التنافس والصراع السياسي داخل الأمة الإسلامية في كل الاتجاهات الطائفية، داخل الطائفة الواحدة وبين الطوائف، بل إن التحالفات بين الدول كانت عابرة للطوائف، ولم تكن تمثل الطائفية أساسا للصراع في الغالب إلا حينما تستعمل في التنافس السياسي.

على الصعيد الفقهي والعقائدي الطائفة السنية هي الأكبر ولا مجال للمقارنة بينها وبين غيرها، فلو نهضت الدول السنية وحققت وحدتها وتطورها ستلتحق بها الطائفة الشيعية كجزء من الأمة وكذا كل الطوائف الأخرى.

لو نراجع خط التاريخ سنجد أنه كلما نهض السنة نسّبت مختلف الطوائف الأخرى ذات الأقلية طموحها ودخلت ضمن مجموع المسلمين في حدود حجمها، وكلما ضعف العالم السني طمعت الطوائف الأخرى في التمدد.

فبدل التنافس السياسي على أساس طائفي، وتجييش الجماهير باستعمال هذه العاطفة، لنتنافس من أجل النهوض والازدهار والتطور، لتنافس من أجل الخير العام كما أمرنا الله تعالى: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون). والطريق إلى ذلك هو التسلح بالعلم والفهم الصحيح للإسلام والإيمان العميق، والحب والبغض في الله، وصدق التوجه في طلب مصلحة الأمة.

من أسباب انكشاف الانهيار القيمي في الحرب على غزة أن الأمر يتعلق بدولة إسرائيل التي يمثل قيامها ركنا من أركان المحافظة على المصالح الغربية بالمنطقة، ووجودها جزء من معتقدات قوى دينية بروتستانتية نافذة في أميركا.

لكن، ماذا عن الأطماع الخارجية في المنطقة؟

الأطماع الخارجية في المنطقة تجد طريقها إلينا بتشتتنا وتفرقنا، ولذلك تسعى القوى الاستعمارية إلى تفريقنا على أساس الطائفة والعرق والمذهب والجهوية والمناطقية وغير ذلك، وعبر كل مراحل التاريخ يعتمد الاستعمار على دعم الأقليات أو استعمالها كفزاعة لابتزاز الجميع. وعليه يمكن اعتبار التحكم في فقه التنوع وإدارة الاختلاف والتعامل القويم مع الأقليات من أهم أسس الرشد في إدارة الشأن العام، وأصول هذا الرشد موجودة في ديننا الحنيف وتجربتنا التاريخية، وقد صار علما وفنا يتدرب عليه في الزمن المعاصر يمكن الاستفادة منه.

ما هي الفرص والتحديات التي تواجه الدول العربية في ظل تخلي حكام الغرب عن قيمهم الغربية وعودة أقصى اليمين في بلدان غربية عدة؟

صعود اليمين المتطرف هو وجه من وجوه أزمة الرأسمالية المادية، لقد أدى استحكام الأزمة الاقتصادية والمالية في الدول الغربية، وتركز الثروة في أياد قليلة من رجال المال والأعمال، وتعمق الفروق الاجتماعية إلى تراجع الأحزاب التقليدية اليسارية واليمينية، إذ لم تتمكن هذه الأخيرة عبر تداولها على الحكم من معالجة الاختلالات الكبرى للنظام الرأسمالي منذ أزمة 2008، ولم تفلح في الاستجابة للمطالب الاجتماعية المتصاعدة في بلدانها.

عندئذ برز تيار يميني شعبوي يُحمّل المؤسسة الحكومية والطبقة السياسية القديمة المسؤولية، وبدل البحث في الجذور الفلسفية للأزمة راح هذا التيار المتطرف يتهم المهاجرين (الذين أقبلوا على دول الشمال هروبا من الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية المستحكمة في بلدانهم والتي تسبب فيها الاستعمار القديم والجديد ذاته) بأنهم هم السبب في تقلص فرص العمل، وأنهم يعيشون على مساعدات الدولة، وأن أعدادهم الكبيرة ستؤثر ثقافيا وحضاريا على بلدانهم، والجهات الأكثر تطرفا في التيار اليميني الشعبوي، كنموذج دونالد ترامب، رأت أنه من حقها أن تمد يدها لثروات الشعوب مقابل حمايتها والدفاع عنها.

وفي حقيقة الأمر لا توجد فروق جوهرية بخصوص التخلي عن القيم في العالم الغربي بين القوى السياسية التقليدية والقوى اليمينية الشعبوية الجديدة. فمن حيث المنشأ أقام الغرب حضارته على أساس استعمار الشعوب وأخذ خيراتها في أفريقيا وآسيا وإبادة واستعباد الناس في القارة الأميركية.

لا شك في أن الحضارة الغربية عرفت مجدها بإعلاء قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان داخلها، ولكن لم تعبأ بها بالنسبة للشعوب الأخرى، وقبل بروز اليمين المتطرف كانت القوى السياسية التقليدية اليمينية واليسارية تستعمل ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان بمعايير مزدوجة من أجل ابتزاز القادة السياسيين والحكومات والتيارات الذين لا يخضعون لإرادتها، ويتجاهلون ذلك مع الأنظمة الموالية لها، وفي رصيد الدول الغربية دعم مطلق لقوى وحكومات شمولية واستبدادية في عالمنا العربي والإسلامي وفي كل القارات.

وحين برز اليمين المتطرف أظهر الغرب على حقيقته، وبسبب الشحن الديني والثقافي الذي يتميز به هذا التيار اليميني بدا الوجه الفظ للعدوان الغربي على الشعوب، وصار التخلي عن القيم والأخلاق في التعامل مع الآخرين مكشوفا متوحشا بعد ما كان مخادعا منمقا.

كما أن من أسباب انكشاف الانهيار القيمي في الحرب على غزة، عند الأحزاب والقوى التقليدية والقوى اليمينية الصاعدة، كلاهما وفي الوقت نفسه، أن الأمر يتعلق بدولة إسرائيل التي يمثل قيامها ركنا من أركان المحافظة على المصالح الغربية في المنطقة، ووجودها جزءا من معتقدات قوى دينية بروتستانتية نافذة في أميركا.

إن انهيار المنظومة القيمية لدى الدول الغربية يمثل فرصة كبيرة للدول العربية والإسلامية من حيث إن ذلك يزيل وهم النموذج الحضاري الغربي عند شرائح عريضة من المسلمين المنبهرين به والطامعين في التحالف معه، ويجعل الجميع يشعر بأن خطر الاستعمار الجديد حقيقي وليس من باب التفكير التآمري، وأنه لا يحمي العرب والمسلمين من الأطماع الغربية منظمات دولية ولا قانون دولي ولا تحالفات معه، ولا حتى بذل المال له والتفريط في السيادة والثروات لكسب وده.

إن الصورة العدوانية المتوحشة التي ظهرت بها الولايات الأميركية المتحدة وبعض الدول الأوروبية في مشاركتها في العدوان على غزة، وتهديد بعض الدول العربية مباشرة لقبول تهجير الفلسطينيين إليها، والاستخفاف والاحتقار الذي أظهره الرئيس ترامب تجاه بعض ملوك ورؤساء الدول العربية، يدعو هؤلاء جميعا إلى الاعتماد على شعوبهم ومقدرات دولهم وتطوير بلدانهم وكسب أسباب القوة وتحقيق الوحدة بينهم وتغيير سياساتهم الخارجية وتوجهاتهم الدفاعية لحماية أنفسهم ورد المخاطر التي تهدد أوطانهم.

الجهات الأكثر تطرفا في التيار اليميني الشعبوي، كنموذج دونالد ترامب، رأت أنه من حقها أن تمد يدها لثروات الشعوب مقابل حمايتها والدفاع عنها

⁠ما هي الأمور التي يجب أن يهتم بها المهاجرون العرب والمسلمون في الغرب حاليا؟

هناك إستراتيجيتان أساسيتان يتعامل من خلالهما الغرب مع المهاجرين. ثمة القوى المؤسسية التقليدية التي تعتبر الهجرة فرصة للدول الغربية، خصوصا في أوروبا، لتجاوز مخاطر التراجع الديمغرافي الذي تسبب فيه التفكك الأسري والفلسفة الفردانية وعدم الإنجاب، ولجلب العمالة وجذب العقول المهاجرة.

ويرى هؤلاء أن التأثيرات الثقافية التي يأتي بها الوافدون من ثقافات أخرى، خصوصا من العالم الإسلامي، يمكن تجاوزها بالتدرج بابتلاع الأجيال اللاحقة من أبناء المهاجرين، ابتداء من الجيل الثاني والثالث، في ثقافة الدول الغربية المستقبلة، ومن نماذج ذلك استفادة “ألمانيا ميركل” من محنة السوريين واستيعاب عشرات الآلاف منهم.

وثمة القوى اليمينية المتطرفة الصاعدة التي بنت سياساتها واختراق مجتمعاتها بخطاب معاد المهاجرين وتحميل هؤلاء أزمات الشغل والإرهاب والتهديدات الثقافية.

والمهاجرون يواجهون أخطارا محققة من الطرفين، سواء أخطار التفكك الأسري وإخراج الأبناء من المسؤولية التربوية للوالدين وإدماجهم في ثقافات وسلوكيات مخالفة لدينهم ودين آبائهم وثقافة مجتمعاتهم الأصلية، بشتى الوسائل، أو مخاطر العنصرية والإسلاموفوبيا والترحيل.

غير أن المسلمين في المهجر والناشئين في الغرب بإمكانهم تجاوز هذه المحن والمخاطر بتنظيم أنفسهم وحماية بعضهم بعضا بمعرفة دينهم والتمسك بهويتهم جيلا بعد جيل، وبالاهتمام بالأسرة وعدم الخضوع للتهديدات التي تحيط بها، والمعرفة العميقة بقوانين بلدان الإقامة واستعمالها لحماية أنفسهم، وبالبناء المؤسسي في مختلف المجالات بما يصنع بيئة الصمود والخدمة والتضامن والقوة والتأثير بينهم وفي غيرهم.

إضافة إلى ذلك هناك التأهيل القيادي بغرض إبراز قادة قدوات مؤثرين في محيطهم الإسلامي وفي المجتمع كله، والتحول إلى قوة ناخبة منظمة وموحدة تؤثر في التحولات الانتخابية والقرارات السياسية، والاعتماد على التحالفات في القضايا المشتركة، كالتحالف مع اليسار في القضية الفلسطينية والحريات، ومع اليمين في قضايا الأسرة والقيم. وللمسلمين في بلاد غير المسلمين نماذج لأقليات كانت مضطهدة، ثم تحولت عبر رؤى رسمها قادتهم والتزموا بها إلى أن باتوا لوبيات وجماعات تأثير وضغط كبيرة.

بوصفكم قائدا سابقا لحركة إسلامية، كيف تقيمون تجربة المشاركة السياسية للجماعات الإسلامية في العالم العربي؟ أين أخطأت وأين أصابت؟

تجربة الحركات الإسلامية في المنافسة السياسية كانت حتمية لم يختاروها ولم يخططوا لها، فقد جرت عليهم القواعد السننية الاجتماعية من حيث إن عملهم العميق والطويل لفكرتهم الإسلامية عبر عقود من الزمن منذ نهاية عشرينيات القرن الماضي صنع لهم حاضنة اجتماعية قوية ومنتشرة ارتفع زخمها بعد انهيار المشروع القومي إثر هزيمة 1967 أمام الجيش الصهيوني.

وبما أن الأفكار التي تنتشر في المجتمع وتتجذر وتتعمق فيه تنتقل حتما من كونها حالة تنظيمية واجتماعية إلى حالة سياسية، فإن الفكرة الإسلامية التي صنعت صحوة عامة في المجتمعات الإسلامية تحولت إلى حالة سياسية تطالب أصحابَها بنقلها إلى الدولة، إذ باتت المجتمعات المقتنعة بفكرة “الإسلام هو الحال” تطالب الدعاة إليها بنقلها إلى المؤسسات الرسمية لتجسد لهم أشواقهم ومطالبهم المادية والمعنوية.

وحينما تحولت الحركات الإسلامية إلى أحزاب وحركات تتنافس على الحكم وجدت نفسها أمام تحديين كبيرين وهما تحدي الصد العظيم من القوى الخارجية والأنظمة الحاكمة في بلدانها، والتحدي الداخلي المتمثل في عدم التجديد الذي يتناسب مع المهمة السياسية الحضارية الجديدة.

لقد اشتغلت الحركة الإسلامية لمدة قرن من الزمن في فقه الدعوة، وحققت بذلك نجاحا حاسما تمثل في الصحوة الإسلامية العامة في مختلف مناحي الحياة، وإرجاع الناس إلى الفهم الصحيح للإسلام والتزام طبقات شعبية عريضة به، وهي الصحوة التي تشغل العالم اليوم، ولكنها أثناء ذلك لم تهتم بقضايا السياسة والحكم والاقتصاد والاجتماع والعلاقات الدولية وإدارة الصراع وغير ذلك، وحينما انتقلت إلى الممارسة السياسية لم تكن تتحكم في أدواتها وفقهها وحكمتها، فوقعت في أخطاء جسيمة وغابت عنها الرؤية وعجزت بمنهجها القديم عن العبور إلى الدولة، والانتقال من الصحوة في المجتمع إلى النهضة التي لا تقدر عليها سوى الدول بمواردها وقوتها وشوكتها حين تقوم على الفكرة والرؤية.

لم يكن هذا الاضطراب في الرؤية مستغربا، فالصيرورة التاريخية طيلة قرن من الزمن تلتقي مع حتمية نصية هي حتمية التجديد التي نص عليها الحديث الشريف “يرسل الله على رأس كل مئة سنة لهذه الأمة من يجدد لها دينها”. فنحن إذن في مرحلة التجديد، والحركات التي تجدد نفسها هي التي تعبر إلى القرن الجديد ولو كانت صغيرة حاليا، والحركات التي ترسب في العبور هي التي لا تجدد نفسها ولو كانت كبيرة ومنتشرة.

حينما انتقلت الحركات الإسلامية للممارسة السياسية لم تكن تتحكم في أدوات السياسة، فوقعت في أخطاء جسيمة وغابت عنها الرؤية وعجزت بمنهجها القديم عن العبور إلى الدولة

هناك دعوات لتجديد الرؤية والعمل لدى الجماعات الإسلامية، ماذا يجب أن تغيره بالضبط؟

مجالات التجديد التي على الحركات الإصلاحية والإحيائية الاهتمام بها كثيرة، وقد تطرقت إليها في العديد من كتبي منها كتاب “الحركة الإسلامية: الماضي والحاضر والرؤية المستقبلية” وكتاب “البيت الحمسي” وخصوصا كتاب “الاستنهاض الحضاري وتحدي العبور”.

والمجالات المطلوب التجديد بخصوصها هي مجالات العبور من مرحلة الصحوة الشاملة التي تحققت إلى مرحلة النهضة الحضارية الشاملة المنشودة، ومن ذلك مجالات المعارف والاجتهاد العلمي والتجديد الفكري وتطوير الرؤى بما يتناسب مع هذا العبور، ومناهج التربية والدعوة والتكوين ومجالات الإدارة والتنظيم والقيادة والخطاب وبناء المؤسسات، ومجالات القوة والإعداد والتأثير، ومجالات العلاقات والتحالفات وإدارة الصراع وغير ذلك.

هناك دعوات بين المفكرين السنة والشيعة لتجديد أدوات فهم ودراسة العلوم الشرعية خاصة والدين عامة، ما هي إيجابيات وسلبيات هذه الدعوات؟

التجديد واجب شرعي وضرورة حياتية، وقد أشارت إليه كثير من النصوص في الكتاب والسنة أشهرها (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها)، والتجديد بالمفهوم الإيجابي هو الاشتغال على شيء موجود صار قديما لإرجاعه إلى بريقه كما كان في نشأته، بما ينزع عنه الانحراف الذي علق به، وإحياء ما اندرس منه، والاجتهاد في إيجاد ما يتطلبه الانتفاع به بما يحقق مقصده الذي وجد من أجله.

وكل شيء في الحياة يحتاج تجديدا، فما لا يتجدد يتبدد، وما لا يتطور يتدهور، وما لا يتقدم يتقادم. وباعتبار أن فكرة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان وتنسجم مع الأعراف والثقافات بما يحافظ على الصالح فيها ويصلح الفاسد منها، فهي واجبة الوجود والتجديد في كل الأحوال وعند كل اقتضاء، وقادرة على التأهل للعبور لكل العصور.

ولا يمكن أن يحدث هذا العبور إلا عن طريق التجديد من خلال استلهام مقاصد الإسلام وكلياته وقطعياته، وتنزيلها على الواقع لاستخراج الأحكام والمناهج والنظم والآليات، بما يصلح مع كل زمان ومكان.

وعلى هذا الأساس، لا يوجد حد لمجالات التجديد، وكل تجديد يؤهل للاستئناف الحضاري فهو تجديد مقصود في الحديث الشريف، وهو لا ينضبط بالضرورة بزمن محدد من القرن، فقد يكون في أوله يستكمل فيه، أو في آخره ويتأخر إليه أو يستغرقه كله، بحسب الاحتياج في كل مكان وزمان.

ولا يتعلق التجديد بظهور شخص مجدد هنا أو هناك حصريا، فقد يتعلق الأمر بطبقة من المجددين في فترة واحدة أو على فترات متقاربة، وفي مجالات وتخصصات متعددة. وأي مساهمة تطويرية، من فرد أو مجموعة، لصالح الإسلام والمسلمين تكون من التجديد المطلوب شرعا.

غير أن ثمة مخاطر جمة ظهرت مع دعوات التجديد في الدين، وهي الدعوات التي تريد تغيير الدين لا تجديده. وهي دعوات ظهرت في العالم الإسلامي من مستشرقين ومثقفين يستعملون النصوص الشرعية والتاريخ الإسلامي لتقويض الإسلام ذاته، وهدم أسسه وأصوله وثوابته وكلياته. وعادة ما يفعل هؤلاء ذلك انبهارا بالحضارة المادية الغالبة أو خدمة لأعداء الأمة أو من باب الجهل بالإسلام وضعف الحصانة النفسية.

وقد اجتهد الغرب كثيرا لصناعة الجرأة على الإسلام لصناعة “بروتستانتية إسلامية” على نحو ما وقع عندهم في مواجهة الكنيسة الكاثوليكية في القرن الخامس عشر وما يسمونه بحركة الإصلاح الديني.

وقد شهدت ذلك بنفسي في تسعينيات القرن الماضي من خلال سلسلة حوارات بين مراكز دراسات ومؤسسات غربية وقيادات إسلامية دامت سنوات كنا نعتقد بأنهم يبحثون عن مساحات مشتركة بيننا وبينهم في مجالات الديمقراطية وقضايا المرأة والحرية الاقتصادية والعلاقات الدولية، لكن تأكد لدينا أنهم كانوا يريدوننا أن نغير ديننا لكي لا تكون لنا أي مرجعية لها صلة بالوحي في الشأن السياسي، وأن نحل الربا في الشأن الاقتصادي، ونكسر الحدود الشرعية في مسائل الأسرة والشؤون الاجتماعية، وأن نندمج في المنظومة الدولية الرأسمالية ونعترف بالكيان الصهيوني، ولا بأس بعد ذلك أن نحافظ على الصلاة والصيام والحج في العبادات، وما يتعلق بالأبعاد الثقافية الاجتماعية الفلكلورية.

رغم الاختراقات الكبيرة التي حققها الفكر الإسلامي على المستوى النظري، فإنه لم يستطع أن يعبر إلى الدولة بسبب هيمنة الاستبداد وعدم التجديد للنجاح في إدارة الصراع

هناك مفكرون يدعون إلى تجديد علم الكلام من خلال اعتماد العلوم الإنسانية، بالمقابل يدعو آخرون لاعتماد العلوم الإسلامية في هذا التجديد، أيهما أقرب للصواب؟ ولماذا؟

يتطلب الجواب على هذا السؤال تعريف مفرداته، ما هو علم الكلام؟ وما هي العلوم الإنسانية؟ وما العلاقة بينها؟

علم الكلام هو استعمال الحجج العقلية والأدلة النقلية للدفاع عن العقيدة الإسلامية، ويسمى علم أصول الدين وعلم التوحيد، وهو جزء من العلوم الإسلامية، غير أن عبارة علم الكلام لم تثبت في الاستعمالات العلمية والأكاديمية كثيرا لصالح عبارات علم أصول الدين والعقائد وعلم التوحيد، في الزمن الراهن، بسبب الخلافات الكبيرة بين المذاهب الإسلامية في قضايا العقيدة والاستدلالات العقلية على المسائل الإيمانيّة.

والعلوم الإنسانية هي دراسة الظواهر البشرية لتعريف الإنسان بوجوده وعلاقته بالكائنات والأنظمة المشكلة لمحيطه في الكون، وهي تعتمد على دراسة تجاربه التاريخية وتصرفاته وتفاعلاته الراهنة، في مختلف المجالات الأدبية والفنية والاتصالية والاقتصادية والاجتماعية.

ولئن كان العلم الحديث قد تطور كثيرا في دراسة الإنسان في ذاته وفي اتصاله بمحيطه، مما يمكن الاستفادة منه، فإن أصل معرفة الإنسان لنفسه وطبيعته وتصوره للأمم الغابرة ولمحيطه، بالنسبة للمسلمين، متضمن في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.

ومن هذا المنطلق لا يوجد تناقض في تجديد فهم الإسلام ودفع الشبهات عنه وحسن تقديمه للناس بين العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية إذا كانت تعود كلها إلى المصدرين الأساسيين كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.

يقال بأن هناك انفصالا بين الفكر والواقع، كيف يمكن جسر الهوة بينهما؟

في سياق حديثك عن التجديد الإسلامي وعلم الكلام والعلوم الإنسانية والإسلامية يفهم أنك تقصد الانفصال بين الفكر الإسلامي والواقع، ولجسر الهوة بين الفكر والواقع علينا أن نفهم سبب الانفصال بينهما.

إن الفكر الإسلامي لا يمكن أن يكون له أثر في الواقع ما لم تكن له أدوات تطبيقية، وعلى رأس هذه الأدوات القوانين والمؤسسات المجتمعية والرسمية، وهذا الأمر لا يتم إلا من خلال المكنة في الدولة، لا يمكن للأفكار أن تتحول إلى واقع معيش يستفيد منه الناس إلا إذا حولتها الدولة إلى قوانين ملزمة ومؤسسات مطوّرة وموارد بشرية ومالية خادمة وشوكة حامية.

وهذا الأمر غير متاح في عموم العالم العربي والإسلامي من حيث إن الحكم السائد في بلداننا حكم علماني لا يهتم بالفكر الإسلامي والعلماء والمفكرين في أغلب مجالات الشأن العام.

ورغم الاختراقات الكبيرة التي حققها الفكر الإسلامي في المجتمع على المستوى النظري وما نشر في ذلك من كتب وموسوعات في مختلف الاختصاصات الإسلامية وما أسس من مؤسسات في مختلف المجالات، ورغم أنه أصبح هو الغالب في المجتمعات الإسلامية، فإنه لم يستطع أن يعبر إلى الدولة بسبب هيمنة الاستبداد واستحالة التداول على السلطة إلى حد الآن، وبسبب عدم تجديد العاملين له أنفسهم للنجاح في إدارة الصراع من أجل العبور إلى الدولة.

فالذين يقولون بأن أصحاب المشروع الإسلامي أو الفكر الإسلامي لم يحققوا إنجازا عمليا يذكر لمصلحة الأمة والأفراد مخطئون لأن الفكر لا يمكن أن ينفع الناس ما لم يصنع ويطور أدواته العملية، وهذا الأمر مستعص إلى حد الآن، ولكن التجربة التاريخية تقول بأن أي فكرة تتجذر في المجتمع وتصبح غير قابلة للاستئصال ستتحول إلى حالة سياسية وتعبر إلى الدولة بأي شكل من الأشكال.

Source: Apps Support


Israel pushing Palestinians to relocate to Hungary: Amr Adib

Egyptian TV host Amr Adib on Sunday said that Israel has begun making offers to starving Palestinians in Gaza Strip to leave their land and travel to Hungary.
During his show “al-Hekaya” (The Story) on MBC Masr channel, Adib added that Israel is working to encourage the voluntary displacement of Palestinians from Gaza Strip.
He explained that Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu, during his recent visit to Hungary, held talks with the authorities there regarding the details of the plan to relocate Gaza residents to Budapest.
Adib said that he could not blame any Palestinian who decided to leave Gaza, given the current circumstances.
He continued, saying, “All of us as Arabs are the ones to blame for the fate of the Palestinians if we are unable to do anything for them.”
“It is shameful that two billion Muslims are unable to support two million Palestinians,” he added.
Edited translation from Al-Masry Al-Youm

Source: Al-Masry Al-Youm