سكوت بيسينت… وزير الخزانة الأميركي ثري يميني مرشح لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي
رغم أن وزير الخزانة الأميركي يعد الخامس على خط الخلافة الرئاسية في حالات الطوارئ، لكن نادراً ما كان من بين الشخصيات السياسية البارزة التي تحظى بالأضواء، واهتمام الرأي العام، والإعلام الأميركي. مع هذا، قفز سكوت بيسينت، وزير الخزانة الحالي في إدارة الرئيس دونالد ترمب الثانية، إلى دائرة الاهتمام منذ اليوم الأول لتوليه منصبه، ليس فقط لكونه أول وزير مثلي يُعيّنه مجلس الشيوخ في إدارة جمهورية، أو لأنه أحد الوزراء من أصحاب الملايين الذين عيّنهم ترمب، أو حتى من ولائه المطلق له، ولكن على الأرجح بسبب استمرار اضطراب سوق الأسهم. إذ إن الجدل الذي اندلع حول رئيس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الحالي، جيروم باول، واستقلالية مجلس محافظي البنك برمته، الذي اختار بيسينت الانخراط فيه عُد مخالفة لتقليد أميركي عريق، حين أعلن انحيازه للرئيس ترمب، الذي شن، ولا يزال يشن، هجمات مستمرة على باول وسياساته المتعلقة بخفض الفائدة، رغم الأخطار التي يحذّر منها الخبراء على الاستقرار المالي والأسواق، ليس فقط في أميركا، بل وفي العالم كله.
وفقاً لتقرير حديث لوكالة «بلومبرغ»، ناقش بعض مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترمب إمكانية تولي سكوت بيسينت منصب رئيس الاحتياطي الفيدرالي بجانب منصبه الحالي، وزير الخزانة. وعند سؤاله عن ذلك في مقابلة تلفزيونية هذا الأسبوع، اعترض بيسينت، لكنه قال إنه على دراية بسابقة تعود إلى ثلاثينات القرن الماضي لمثل هذا الدور المزدوج، والذي قام به هنري مورغنثاو الابن.
فمن هو سكوت كينيث هومر بيسينت (63 سنة)، الذي غير انتماءه السياسي ككثيرين غيره، من «الحزب الديمقراطي» إلى «الحزب الجمهوري»، وتحول إلى واحد من أبرز حلفاء الرئيس ترمب؟
بطاقة شخصية
وُلد بيسينت في 21 أغسطس (آب) 1962 في كونواي، بولاية ساوث كارولينا. وهو الأكبر بين ثلاثة أبناء لباربرا ماكلاود -التي تزوجت خمس مرات- وهومر جاستون بيسينت الابن، وكيل العقارات، الذي أفلس بسبب استثمارات عقارية سيئة.
بيسينت يتحدّر من أصول فرنسية واسكوتلندي يتبع كنيسة الهوغونوت (بروتستانت فرنسا). ولقد تخرّج من مدرسة نورث ميرتل بيتش الثانوية في ليتل ريفر بساوث كارولينا. ثم فكر في الالتحاق بالأكاديمية البحرية الأميركية–أنابوليس في ولاية ماريلاند، لكنه عدل عن ذلك لأنه -وهو المثلي جنسياً- «لم يكن على استعداد للكذب بشأن توجهه الجنسي» حسب قوله.
ولكن عام 1984، حصل على درجة بكالوريوس الآداب متخصصاً في العلوم السياسية من جامعة ييل العريقة، وكان رئيساً لصندوق خريجيها في ذلك العام، ومساعداً لمدير الألعاب الرياضية. وخلال دراسته الجامعية، عمل محرراً لصحيفة «ييل ديلي نيوز».
بعد التخرج، عمل بيسينت في شركة «براون براذرز هاريمان»، ثم عمل مع جيم تشانوس في شركة «كينيكوس أسوشيتس». وعام 1991 انضم إلى شركة «سوروس» لإدارة الصناديق المالية، وكان عضواً بارزاً في الفريق الذي حقّق رهانه على ما يسمى «الأربعاء الأسود»، المعروف أيضاً بأزمة الجنيه الاسترليني عام 1992، أرباحاً بأكثر من مليار دولار للشركة، إبان عمله في العاصمة البريطانية لندن.
رجل أعمال ثري
يُشير إفصاح بيسينت المالي الشخصي لدى مكتب أخلاقيات الحكومة عام 2024 إلى أن أصوله تبلغ قيمتها 521 مليون دولار على الأقل. وتشير مصادر أخرى إلى أن استثماراته تتجاوز قيمتها 700 مليون دولار، وقد اضطر إلى التخلي عنها عند توليه منصب وزير الخزانة بسبب تضارب المصالح.
ثم إن بيسينت اشترى منزله في ولاية ساوث كارولينا، وهو قصر تاريخي يُعرف باسم «القصر الوردي»، بـ6.5 مليون دولار عام 2016. وكان المنزل، الذي بُني لأول مرة عام 1848 على يد المزارع والتاجر الهوغونوتي جون رافينيل، قد طُرح للبيع مقابل 22.25 مليون دولار!
من ناحية ثانية، على الرغم من سياسته المحافظة «تزوّج» بيسينت من المدعي العام السابق لمدينة نيويورك، جون فريمان، عام 2011. ويعيش «الزوجان» حالياً في ولاية ساوث كارولينا مع طفلين أنجباهما عن طريق «الأم البديلة». وخلال مقابلة له عام 2015 مع مجلة خريجي جامعة ييل، قال بيسينت: «في منطقة جغرافية معينة وعلى مستوى اقتصادي معين، لا تُعتبر المثلية الجنسية مشكلة. المذهل الآن هو أن الناس في بقية أميركا، سواءً كانوا من الديمقراطيين او الجمهوريين، أصبحوا قادرين على الوصول إلى كل شيء. لو أخبرتني عام 1984، عندما تخرّجنا وكان الناس يموتون بسبب «الإيدز»، أنني بعد 30 عاماً سأكون متزوجاً بصفة قانونية، وسننجب طفلين عن طريق أم بديلة، لما صدقتك».
مساهماته السياسية والمالية
عام 2000، استضاف سكوت بيسينت حملة لجمع التبرعات لصالح المرشح الديمقراطي آل غور في منزله بضاحية إيست هامبتون الفخمة، خارج مدينة نيويورك. وفي العام نفسه، تبرع أيضاً بمبلغ 1000 دولار لللمرشح الجمهوري جون ماكين. ثم عام 2007 وتبرع بمبلغ 2300 دولار لباراك أوباما، وفي عام 2013 تبرع بمبلغ 25000 دولار لحملة هيلاري كلينتون. ووُصف آنذاك بأنه «ديمقراطي يدعم القضايا الليبرالية».
بعد انتخاب ترمب رئيساً عام 2016 تبرع بيسينت بمليون دولار للجنة تنصيب ترمب الرئاسية لعام 2017. وخلال عامي 2023 و2024، تبرّع بأكثر من مليون دولار لحملة ترمب الرئاسية. واستضاف عام 2024 حملة تبرعات في غرينفيل (ساوث كارولينا) جمعت ما يقرب من 7 ملايين دولار، وحملة تبرعات في بالم بيتش (فلوريدا) جمعت 50 مليون دولار لحملة ترمب.
بعدها، في يوليو (تموز) 2024، صار بيسينت مستشاراً اقتصادياً بارزاً لترمب، واقترح خطة اقتصادية من ثلاث نقاط مستوحاة من سياسة «السهام الثلاثة» الاقتصادية لرئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي.
اختياره وزيراً للخزانة
يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، أعلن الرئيس المنتخب ترمب عن نيته ترشيح بيسينت ليكون وزير الخزانة في إدارته الثانية. ويوم 16 يناير (كانون الثاني) 2025، مثل بيسينت أمام لجنة المالية بمجلس الشيوخ، حيث دافع عن خطط فرض الرسوم الجمركية، وأيد تمديد تخفيضات الضرائب، ودعا إلى سياسات اقتصادية أكثر صرامة تجاه الصين وروسيا. وفي 21 يناير، وافقت اللجنة على ترشيحه بأغلبية 16 صوتاً مقابل 11 صوتاً. وفي 27 يناير ثبّت مجلس الشيوخ تعيين بيسينت وزيراً في تصويت بغالبية 68 صوتاً مقابل 29.
وبعد ذلك بوقت قصير، عُيّن بيسينت مديراً بالإنابة لـ«مكتب حماية المستهلك المالي» في فبراير (شباط)، قبل أن يأمر الوكالة فوراً بوقف جميع أعمالها. وواجه بيسينت إدانة واسعة النطاق بعد رده أخيراً على رسوم ترمب الجمركية، عندما حذر الدول الأخرى من الدفاع عن نفسها. وقال في برنامج «تقرير خاص» على قناة «فوكس نيوز» التي استضافته «نصيحتي لكل دولة الآن هي: لا تردّوا. اجلسوا، وتقبّلوا الوضع، ودعونا نرَ كيف ستسير الأمور. لأنكم إن رددتم، فسيكون هناك تصعيد. وإن لم تردوا، فهذه هي ذروة الأزمة».
أيضاً، رفض بيسينت فكرة أن الأميركيين العاملين سيتضرّرون من خسائر سوق الأسهم البالغة 6 تريليونات دولار، والتي ستؤثر على حساباتهم التقاعدية. وقال في مقابلة مع برنامج «ميت ذا برس» على قناة «إن بي سي نيوز» معلقاً «أعتقد أن هذه رواية خاطئة. لا أظن أن الأميركيين الراغبين في التقاعد الآن، والذين يدّخرون لسنوات في حسابات التوفير، يولون اهتماماً بالتقلبات اليومية».
من جهة أخرى، وصف بيسينت الولايات المتحدة بأنها ذات «اقتصاد ضعيف»، وأنها على الرغم من امتلاكها قطاعات مالية ومواد خام قوية؛ فإنها تعاني أيضاً من ضعف الطبقة الوسطى. وهو، من ثم، يعارض رفع الحد الأدنى للأجور فيدرالياً، بحجة أنها «قضية تخص الولايات». ويدعم تقليص تدخل الحكومة في الاقتصاد، بحجة أن وظائف القطاع الخاص توفر نمواً أسرع للأجور، بينما يدعو إلى تخفيف لوائح نسبة الرفع المالي التكميلي على البنوك. ويدعم خفض أسعار الفائدة باعتبارها وسيلة لتخفيف تكاليف الإسكان، وبطاقات الائتمان، وقروض السيارات لذوي الدخل المحدود. كما يدعم سياسة الدولار القوي، على عكس ترمب ونائبه جيه دي فانس.
Source: إيلي يوسف