“نظرة سينمائية – مراجعات أفلام وواقع المرأة في السينما العربية”

“قالوا إنه لا يصلح للسينما”.. صبرى موسى يتحدث عن سيناريو البوسطجى

تحدث الكاتب الكبير صبري موسى عن تحويله قصة “البوسطجي” ليحيى حقي لسيناريو، وهي القصة التي نشرت ضمن مجموعة “دماء وطين”، وذلك في مقال كتبه بمجلة أدب ونقد عام 1991 تحت عنوان “يحيى حقي أبو الذوق.. وعطر الأحباب”.

فيلم البوسطجي

يقول صبري موسى: “تدور القصة حول بوسطجي تتم ترقيته من موزع في بوسطة العتبة بالقاهرة، إلى ناظر بوسته كوم النحل بأحد مراكز أسيوط بالصعيد، وفي كوم النحل يفاجأ البوسطجي بالإهمال والقذارة وضيق الأفق واختناق العواطف وجرائم الثأر، والعجز وقلة الحيلة في مواجهة ذلك كله، فينقم على الترقية وعلى الصعيد وما فيه ومن فيه، ويعاني مما يعاني منه أهل الصعيد في ذلك الحين، إلى أن تخنقه العزلة، ولا يجد تسرية سوى فتح الخطابات التي تقع تحت يديه والتسلي بمعرفة أسرار هؤلاء الناس، وتقع بين يديه خطابات يتبادلها عاشقان اختلاسا من هذا المجتمع المغلق، فيتابع قصة الحب المحكوم عليها بالإعدام في هذا المجتمع، بمودة، إلى أن يصبح طرفا فيها، يتسبب دون قصد في نهايتها المأسوية، بذبح الفتاة على يد أبيها تحت أعين أهل القرية الذين يباركون غسل الشرف من العار بالدم.

ويضيف: “هذه القصة الدموية أثارت ضجة كبيرة في الأوساط الأدبية والفنية حين نشرت عام 1956 ولفتت أنظار السينمائيين المجددين أيامها، فقد كانت الواقعية الإيطالية في السينما العالمية نجما متألفا وقتها، وكانت الموجة الجديدة الفرنسية جنينا لم تتحدد ملامحه بعد وكان الفنان يحيى حقي قد كتب رائعته هذه بأسلوب أدبي متقدم يعتمد على الاستخدامات الحديثة للفلاش باك «العودة إلى الماضي» ويعتمد أيضا على المونولوج الداخلي الذي كان سمة التقدم والتطوير في الأساليب الروائية في عالم الغرب ذلك الحين.

يكمل: “وعلى الإجمال كانت الرواية مكتوبة بأسلوب حديث متقدم جعلها كثيرة الاختلاف عما تعودناه في الرواية العربية، وجعلها أيضا شديدة الاقتراب من الأساليب السينمائية الحديثة التي بدأت تظهر في منتصف الخمسينيات، مما جعلها حديث السينمائيين المصريين، وتعددت الاخبار في المجلات والصحف أيامها عن استعداد المخرج «فلان»، أو المنتج «علان» لإخراجها للسينما المصرية”.

وكثرت المحاولات بالفعل لإعادة صياغتها سينمائيا، لكنه لم يقدر لأي من هذه المحاولات أن توضع في مجال التنفيذ الفعلي، ثم، وبعد بضع سنوات، بدأت تنتشر مقولة مؤكدة لعدد من كبار السينمائيين في ذلك الحين، بأن هذه القصة دماء وطين، أو البوسطجي، هي نموذج فريد لنوع من الأدب لا يصلح للإعداد السينمائي.

ويواصل: “وأذكر حين قررت التصدي لتجربة تحويل هذا العمل الأدبي للفنان يحيى حقي إلى معادلة السينمائي، أنني لاحظت أن الشكل الروائي المتقدم الذي كتبت به القصة والذي اقترب بها من السينما الجديدة في ذلك الحين وخلق حولها كل هذا الاغراء عند السينمائيين المصريين سوف يكون إطارا متنافرا مع هذه الدراما الدموية التي تدور حوادثها في مجتمع متخلف في الثلاثينات من هذا القرن، إذا تم تحويلها للسينما بنفس الأسلوب المتقدم، كان هذا الاكتشاف أشبه بالمأزق، فقد كانت الموضة أيامها عند تحويل الأعمال الأدبية، هو البحث عن أشكال حديثة بديلة لأشكالها الروائية التقليدية.

ويواصل: “ورغم ذلك فقد اتخذت القرار أيامها بشجاعة أحسد عليها، وبدأت في انتزاع دماء وطين من الإطار الحديث المتقدم الذي وضعها فيه الفنان يحيى حقى بتأييد منه تم أعدت صياغتها سينمائيا بأسلوب تقليدي يناسب المكان المتخلف والزمان المتخلف الذي تدور فيه أحداث القصة مع إضافة بعض الطعم الملحمي كتعويض عما تركناه”.

واختتم: “لقد أصبح فيلم البوسطجي ملكا للتاريخ الآن منذ ظهوره في عام 1968 كإحدى العلامات الهامة في السينما المصرية، وما دفعني لسرد هذه القصة سوى تلك الإضافة حول هذا الحوار الفني الذي دار بين فنان كبير من جيل راسخ، وفنان مبتدئ من جيل تال له، وأعتقد أن حوارا فنينا مثل هذا لم يكن ممكنا أن تتاح له الفرصة، مالم يكن الفنان الكبير هو يحيى حقي أبو الذوق وعطر الأحباب”.

Source: جريدة الدستور


كيف صورت أفلام عاطف الطيب وداوود عبد السيد ومحمد خان المرأة المصرية؟

صنفت السينما منذ ظهورها لعدة مدارس حسب العاملين فيها، فمنها المدرسة الروسية منذ العشرينيات، والواقعية الشعرية الفرنسية، والسينما الحرة البريطانية، والمدرسة التعبيرية الألمانية، والسينما الجديدة في البرازيل، ثم ظهرت مدرسة الواقعية الجديدة “Italian Neorealism “في إيطاليا، فكانت الأهم والأبرز في عالم السينما لما لها من امتداد منذ ظهور السينما مع الأخوين لوميير ومميزاتها بخروج تصوير الأفلام في أماكن المفتوحة بدون الاستوديوهات.

المرأة المصرية

وتعتبر الواقعية اتجاه أو مدرسة من مدارس السينما، ففي منتصف القرن التاسع عشر اعتمد الفنان في أوروبا “بداية اكتشاف الواقعية نمطًا جديدا من الفن يمسى الواقعية، وتميزت هذه الحركة الفنية باهتمام غير مسبوق بالموضوعات والمشكلات اليومية، وصنعت تحولات كبيرة فى عالـم الفن الغربي.

وانتقلت المدرسة الواقعية إلى السينما في مصر، فبدأت كاميرا السينما تخرج إلى الشارع وأخذت تهتم بالشخصيات المهمشة في المجتمع وتتناول أحداث حياتهم اليومية، واتخذت المدرسة الواقعية في مصر مرحلتين: الأولى كانت متزامنة مع بدايات السينما في مصر منذ عام 1939، أما الثانية في حركة الواقعية الجديدة والتي تبلورت عام 1967 نتيجة عوامل ثقافية وخطى حركات السينما العالمية، وأصبحت قضايا المجتمع أهم موضوعات السينما.

واقع المرأة المصرية

في رسالتها للماجستير تحت عنوان” واقع المرأة المصرية في أفلام مخرجي سينما الواقعية”؛ بقسم الإذاعة والتليفزيون كلية الإعلام جامعة القاهرة، ناقشت الباحثة وسام خالد صورة المرأة في 7 أفلام في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ورصد العناصر الفنية والدلالات والإسقاطات التي تعبر عن واقعها وقضاياها، والفرق بين الرؤية الفنية للرجل والمرأة في نقل واقع المرأة، وكيف كان هذا النقل معبرًا عن مشكلاتها وقضاياها الاجتماعية النفسية والاقتصادية، خاصة العنف الذي لا تزال تتعرض له بشقيه المعنوي والمادي؛ وهم:” فيلم التخشيبة إخراج عاطف الطيب ، فيلم عفوا أيها القانون تأليف وإخراج إيناس الدغيدي، فيلم الصعاليك تأليف وإخراج داوود عبد السيد ، فيلم أحلام هند وكاميليا تأليف وقصة وسيناريو وإخراج محمد خان، فيلم يوم مر… يوم حلو فكرة وتأليف وإخراج خيري بشارة، فيلم نساء صعاليك إخراج نادية حمزة، فيلم شحاذون ونبلاء سيناريو وحوار وإخراج أسماء البكري”.

وخلصت الباحثة لعدد من النتائج؛ من أبرزها:” ساعدت تيارات الواقعية والواقعية الجديدة في السينما على نقل الواقع الاجتماعي من خلال قواعده وسماته المنظمة التي تأثر بها مخرجون عدة على مستوى العالم، فكان لمصر نصيب كبير في مساهمتها في نقل الواقعية تزامنا مع مشاركتها في صناعة السينما، واتضحت جليًا هذه المشاركة من قبل المخرجين والمخرجات، بالإضافة للتركيز بقدر كبير في هذه الحقبة الزمنية على ما تعرضت له المرأة من خلال تناول بعض القضايا التي تتناول جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.

ومن أبرز نتائج الدراسة، قدرة هؤلاء المخرجين على توظيف العناصر الفنية في نقل واقع المرأة من خلال الإسقاطات واستخدام الكادرات الواقعية المتنوعة التي ساعدت في صياغة السرد البصري، فضلا عن التصوير الواقعي الذي جاء أغلبه في الشوارع واستغلال عنصر المكان في سياق الأحداث للتعبير عن الطبقات التي تم سردها، والرموز والإسقاطات التي أضفت الصدق والواقعية، وتنوع الموضوعات المثارة في أفلامهم والتي تتماشى مع أي حقبة زمنية أخرى نظرًا لتكرارها، وتصدّر قضية العنف كأبرز القضايا التي تم تناولها في الأفلام سواء العنف المعنوي أو الجسدي من قبل الأقارب أو القانون، وقدرة المخرجين الرجال على نقل واقع المرأة بشكل أكثر عمقا من المخرجات.

وتصدر قضية العنف كأبرز القضايا التي تم تناولها في الأفلام، سواء العنف المعنوي أو الجسدي.

واعتماد بعض الرجال على عمل المرأة ومالها، حتى من الأقارب مما يدل على معاناة المرأة المادية والجسدية في توفير قوت يومها ومن تعولهم بسبب تخاذلهم في حمايتها أو توفير احتياجاتها.

وعدم قدرة المرأة على مواجهة وصد العنف والأذى الذي تتعرض له إلا في حالات محدودة تعود عليها بالسلب، بل كانت تتعرض للعنف من الأقارب أو بعلم أقاربها دون أدنى محاولة للدفاع عنها.

وتصدر ظهور فئة المتزوجات في الأفلام مما يعني الحاجة إلى التركيز على الفئات الأخرى، وظهور فئة الأرامل بشكل أكبر مما كان سابقا في فيلمين، واستمرار قلة تناول المرأة المعيلة في الألفية الجديدة وفقا لنتائج بعض الدراسات.

وجاء ظهور المرأة المطلقة في نموذجين سلبيين: أحدهما بسبب الصفات السلبية المعتاد إلصاقها بالمرأة المطلقة، والآخر بسبب الوضع الاقتصادي لها.

وتساوى ظهور المرأة في الظروف الاقتصادية المختلفة، لكن الاختلاف كان في تناول المخرجين؛ فكانت المرأة ثرية ومتيسرة في أفلام المخرجات باستثناء فيلم أسماء البكري”، بينما كانت فقيرة وتعاني من أزمات اقتصادية في أفلام المخرجين، باستثناء شخصية آمال الطبيبة في فيلم التخشيبة” لعاطف الطيب.

وتكرار صورة المرأة السلبية كفتاة تتردد على بيوت البغاء بسبب قلة الحيلة نتيجة التعرض للعنف من الأسرة أو الظروف الاقتصادية المتدنية.

وتراجع دور التعليم، خاصة مع المرأة التي كانت مجرد آلة للعمل لتوفير متطلباتها، أو جسدا في بيوت البغاء لتلبية حاجاتها، ولكن بشكل سلبي، فأغلب ما تعرضت له المرأة من عنف ومعاناة اقتصادية كان سببه الرئيسي هو تراجع دور التعليم، بالإضافة إلى عدم سيطرة الأهل أو تشجيعهم على التعليم، بل ساعدوا على التسرب منه، مثل عائشة في يوم مر…. يوم حلو”، وتداول الاعتقاد بأن الطفل أو الشخص الذي يملك صنعة أو حرفة أفضل؛ لأنه يكون قادرًا ويعرف كيف يكسب المال، وأن مراحل التعليم ما هي إلا ضياع للوقت، ينظرون فقط للرزق القريب، ولكنهم لا يعلمون عواقب هذا من ضرر نفسي أو عدم توفير سكن إلا بمقابل شيء يتم خسارته، مثل بعض السيدات اللواتي يخسرن شرفهن مقابل المأوى والطعام في بيت إحدى السيدات التي تدير بيتا من بيوت البغاء.

وأخيرًا، فإنن المرأة في عينة الأفلام هي البطلة المحركة للأحداث، باستثناء فيلمين هما الصعاليك” و”شحاذون ونبلاء؛ حيث ظهرت كشخصية ثانوية، لكنها ساعدت في تغيير مفاهيم وتحريك مجرى الأحداث رغم دورها الثانوي.

Source: جريدة الدستور